16 - 05 - 2025

"ختان" قصة قصيرة بقلم: هالة البدري

هذه هي المرة الأولى التى أغيب فيها كل هذه المدة عن بيت جدي لأمي، في القرية، لم نأت منذ العيد الكبير. زارتهم أمى عدة مرات من دوننا. طلبنا من أبى أن يتركنا مدة أطول لنستمتع باللعب فى الغيطان، وحدائق الفاكهة. وافق بعد أن تدخل جدي قائلا له: سافر إلى عملك بالسلامة، واتركهم لي، (هو أنا ما ليش فيهم والا إيه؟). بعد العصر نجلس نحن البنات، مع نساء العائلة في الشرفة الداخلية (السباط)، نشرب معهن الشاي، وننتظر انتهاء خالة عديلة، من تحميص كيزان الذرة، نسمع حكاياتهن عما جرى لهن،  طوال السنة، حتى تأتى خالتى ناريمان أخت أمى الكبرى مع بناتها من بيتها الذي يبعد قليلا عن الدوار، لأنها لا تستطيع الخروج مشيًا قبل أن يهبط الليل. تسير أمامها خالة صبحية بالقنديل حتى توصلها إلينا. لاحظت تأزم الحوار كل ليلة بين أمي وخالتي ناظلى، تتدخل جدتي من حين لحين قائلة:

كافي يا ابنتي، قالت لك لا مرات.          

غضب أمى لم يكن مفهوما ً لى، وأنا أرى النظرات النارية التي توجهها خالتي ناظلى نحوي. حاولت أن أعرف إن كنت قد تسببت فى شىء لابنتها نبيلة، فوجدت وجه نبيلة صافيًا تماماً، لا يشوبه أي تحفز، ولاحظت حالة حرج تبدو على وجه ألفت ابنة خالتي ناريمان، كانت تعرف شيئاً، لكنها لاتستطيع التحدث فيه حتى معى. كنت وهي أكثر انسجاماً، نتفاهم بسرعة، ونتجاوز سرعة الغضب عند نبيلة. فى اليوم الثاني عدنا متأخرتين من الجرن، وتوقعنا أن تنهال علينا سيول الشتائم من خالتي نظلى، لكنها لم تلتفت إلينا، كانت مشغولة تماماً بنقاش حاد مع الجميع سمعتها تقول:                          

تتطاهر يعنى تتطاهر هل نتركها هكذا؟

وأمى ترد: قلت لك ألف مرة أبوها رافض.

قالت: نطاهرها غداً من وراء ظهره، ولامن شاف ولا من درى، وحين يأتي تكون هى قد طابت، ونوصيها ألا تقول له أي شىء.

قالت أمي: من وراء ظهر زوجى، لا.

قالت خالتي: هذا ليس شأنه، انتهينا.

قالت أمي: لا، لم ننته. هذا ليس شأنك أنت؟

"تتطاهر" غدا مع البنات، وأعلى ما في خيلك أركبيه. "قالت خالتي

نظرت أمي إلى جدتي قائلة: هكذا؟ نويتم على طلاقي. إذا حدث لابنتى أي شىء، سيطلقنى زوجى على الفور.

التقت عينى بعينى ألفت، فلكزتنى بكوعها، وهنا لاحظتنا خالتي نظلى. قالت مجلجلة بصوتها العالى:

اهه، جاءت لك يا سيدتي، خلقة هي من دون البنات؟ على الموضة. "هاتبوظوها ان شاء الله.الحقوها قبل بزها مايفط".

فى المساء بعد أن يرحل آخر ضيف من المضيفة الخارجية، يدخل الرجال ليجلسوا معنا.

قال خالى الأكبر موجها الحديث لخالتي: أنت حرة في ابنتك فحسب. نظر إلى أمي قائلاً: الحاج سالم التمرجى سيأتي غداً، وابنتك لاعلاقة لها بالموضوع. انتهينا.

سمعت عند الفجر حركة فى غرفة نومنا، لم تقبل أمى أن أنام مع البنات فى "المقعد" هذه الليلة، وأخذتنى معها إلى سرير جدتي. خرجت نبيلة، وسمعت دعسات أقدامها عن بعد، ومن ورائها ألفت ومايسة. أيقظتهم خالتي. أمسكتُ بطرف الغطاء، وأنا أموت رعباً، لم أكن أعرف تماما ما الذي يحدث.

بحثت عن أمى. كانت الغرفة خالية، حاولت الخروج. وجدت الباب مغلقا بالمفتاح، فعدت إلى السرير، ورحت أسأل نفسي متوجسة: هل ستخضع خالتى لتعليمات خالى، وللدفاع المستميت لأمى، أم أنها ستضرب عرض الحائط بكل شيء، لتنفذ إرادتها كالعادة؟ اختفيت تحت اللحاف وأنا ارتجف، كثيراً ماسمعت أبى يقول إن الختان يحرم المرأة من حقوقها، ويتركها بلا أحاسيس، ويردف قائلاً: أعوذ بالله من التخلف. قال ذات مرة حين سألته لماذا يسمونه طهارة؟ إن إلصاق الطهارة بالختان ظلم؛ لأن الطهارة سلوك يأتي من التربية، أي من العقل.

أطلقت العنان لاذنىّ لتلتقطا كل همسة فى الخارج، لكن الصمت لم يقطعه غير صوت ديك رومى يجلجل فى الفضاء، لم أستطع النوم، بعد وقت لا تحركه الساعة، ولا ينصاع لابتهالاتى، قفزت إلى النافذة، كان النهار قد افسح لنفسه مكانا فى الكون بلا خجل، طرقت الباب، فجاءت خالتي مبروكة خادمة جدتى، وقالت: ممنوع الخروج. انتظري هنا. اعملي معروفا.

قلت باكية: أريد أمى. أريد الذهاب إلى الحمام.

قالت جازمة: "القصرية" تحت السرير، نامي فى عرض النبى، اتركي النهار يعدى على خير.

عدت أقرع الباب، وهي لا ترد، حتى فوجئت بالباب يفتح، وأمى تدخل، وتقول استعدى للافطار، ثم تعود من حيث أتت، دون كلمة أخرى.

ابدلت ملابس النوم بسرعة، وركضت نحو الحوش قافزة السلالم. كانت العاملات قد بدأن العمل، ونساء العائلة يجلسن حول طعام الافطار. يبدو المكان مثل أى يوم عادى، أين عم سالم التمرجى؟ أين البنات؟ لم أستطع السؤال، وتجاهلت النظرة الغاضبة لخالتي ناظلى، ثم جلست بجوار أمى، آكل طعامى، وأنا أموت رعبًا، بعدها انطلقت وحيدة إلى النهر، وعرفت من سكينة الشغالة أن البنات فى الصالة الكبرى فى الدور الأول، وأنهن قد ختن، قالت:

بالسلامة، مابك خائفة هكذا؟ اسبوع واحد وسيلعبن معك، حين يشفى الجرح.

تسللت إلى باب الصالة الموارب. كانت كل منهن متكئة على أريكة منفصلة، وكن مفتوحات الأرجل، يبدو عليهن الإعياء والألم، وبجوارهن شاش، وقطن، وزجاجات دواء. قالت ألفت:

نفدتي بجلدك، أنت.

قالت نبيلة: تقول ماما من يرضى بها هكذا؟ سيطاهرونها ليلة فرحها.

هربت من المكان. سمعت ضجة دخول سيارة أبى، وقبل أن يترجل كنت قد تعلقت في رقبته.

---------------------------

بقلم: هالة البدري