01 - 07 - 2025

رحيل الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام بعد "ثمن غال" لنأيه بنفسه عن السلطة

رحيل الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام بعد

غيب الموت اليوم الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام عن عمر ناهز 69 عاما بعد صراع مع المرض، واستقلالية في الموقف ونأي بنفسه عن السلطة دفع ثمنه غاليا.

ورفعت سلام (16 نوفمبر 1951 – 6 ديسمبر 2020) شاعر من أبرز شعراء جيل السبعينات في مصر، ساهم في إصدار مجلة "إضاءة 77" مع بعض زملائه، ثم أصدر مجلة "كتابات"، أصدر أول ديوان شعري له عام 1987 بعنوان "وردة الفوضى الجميلة"، كما له عدد من الكتب في مجال الترجمة منها "الأعمال الكاملة لبودلير"، حاز على جائزة كفافيس الدولية للشعر عام 1993.

ولد بمدينة منيا القمح في محافظة الشرقية، وفي عام 1955 عاد مع أسرته إلى مدينته الأصلية منية شبين في محافظة القليوبية عام 1955. التحق بجامعة القاهرة عام 1969، ودرس الصحافة فيها، ثم تخرج منها عام 1973. شارك في تأسيس مجلة "إضاءة 77"، كما أسس مجلة "كتابات" الأدبية، التي نُشرت على صفحاتها للمرة الأولى مصطلح "جيل السبعينات" وصدر منها ثمانية أعداد، صدر له سبعة أعمال شعرية، وترجم عددا من الأعمال لشعراء عالمين أمثال بوشكين وماياكوفسكي ورامبو وبودلير ووالت ويتمان وكفافيس وريتسوس.

من مؤلفاته "وردة الفوضى الجميلة" 1987 "- إشراقات رفعت سلاَّم" 1992 - "إنها تُومئ لي" 1993-  "هكذا قُلتُ للهاوية" 1995-  "إلى النهار الماضي" 1998-  "كأنَّها نهاية الأرض" 1999" - "حجرٌ يطفو على الماء" 2008.

ومن دراساته "المسرح الشعري العربي" 1986-  "بحثًا عن التراث العربي: نظرة نقدية منهجية" 1990 - "بحثًا عن الشعر"، مقالات وقراءات نقدية 2010.

وأهم ترجماته -  بوشكين: الغجر.. وقصائد أخرى 1982 - ماياكوفسكي: غيمة في بنطلون.. وقصائد أخرى 1985 -  كربرشويك: الإبداع القصصي عند يوسف إدريس 1987 - ليرمونتوف: الشيطان.. وقصائد أخرى 1991 - يانيس ريتسوس: اللذة الأولى، مختارات شعرية 1992 - هذه اللحظة الرهيبة، قصائد من كرواتيا 1997 - يانيس ريتسوس: البعيـد، مختارات شعرية شاملة 1997 - سوزان برنار: قصيدة النثر من بودلير حتَّى الآن مراجعة وتقديم.، 1998/ 2000 - جريجوري جوزدانيس: شعـرية كفافي 1999 - دراجو شتامبوك: نجومٌ منطفئةٌ على المنضدة 2008 - شارل بودلير: الأعمال الشعرية الكاملة 2009..


وله تحت الطبع - :قسطنطين كفافي: الأعمال الشعرية الكاملة - أوديسيوس إيليتِس: له المجـد - يانيس ريتسوس: سوناتا ضوء القمر.

دفع رفعت سلام فاتورة نأيه بنفسه عن السلطة وقال في حوار للزميل محمود القيعي نشر في فبراير 2015 إن الحزن الذي يصاحبني في هذه (محنة اعتقال ابنتي يارا) أوقف الشعر، لأنه أكبر من القدرة على الانفصال عنه، ذلك بأنني معني بتفاصيل تلك القضية المصيرية، وأستطيع القول أن الحزن أثر عليّ تأثيرا سلبيا في تلك التجربة، ولكن بعد الانتهاء من الأزمة ربما أكتب عنها شعرا .

وحين سئل هل دفع رفعت سلاّم ثمن عدم ارتمائه في أحضان السلطة ؟ أجاب: نعم.. حدث ذلك بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر، لأنني منذ زمن بعيد حرصت على استقلالي، وبالتالي لم يبق لي صديق من ذوي السلطان والنفوذ، وعندما طلب مني أحد الأصدقاء أن أتحدث مع وزير الثقافة، قلت له إن بيني وبينه ما صنع الحداد، نتيجة استقلاليتي .

وهذه مقاطع دالة من الحوار

*ماذا عن السبب غير المباشر لدفعك ثمن بعدك عن  السلطة؟

- هو الطريقة التي تربت عليها يارا، وهي استحالة أن ترى خطأ، ولا  تأخذ منه موقفا، وبالتالي لم ألم يارا على مشاركتها في التظاهرات التي كانت سببا في سجنها .

*الأيام كالحة السواد التي نحياها كشفت وجوها، وأسقطت أقنعة، برأيك ما هي؟

- هي تلك الوجوه الإعلامية  التي تحولت إلى بوق فاسد لنظام فاسد، وقد فضحتهم التسريبات الأخيرة أكثر ، وعرّتهم ، وكشفت سوآتهم ، كما أنها عرّت مثقفي السلطة.

*وماذا عن المثقفين؟

- المثقفون ربما كانوا أفضل حالا من الاعلاميين، وأقصد هنا المثقفين المستقلين، الذين أتلقى منهم يوميا رسائل ومكالمات حتى ممن لا أعرفهم، يبدون فيها استعدادهم لفعل أي شيء .

وعندما أصدرنا بيانا ضد قانون التظاهر، وقّع عليهأكثر من ألف مثقف، منهم مثقفون عرب، ولم يحدث في تاريخ حركة الثقافة المصرية أن وقع على بيان مثل هذا العدد، وعندما كنا نصوغ مع الأصدقاء المثقفين هذا البيان، لم نكن نأمل في توقيع أكثر من مائة .

والظاهرة التي حدثت مع يارا لم تحدث في تاريخ الثقافة المصرية من قبل، وهي أن يبادر الشعراء بكتابة قصائد الى يارا أو عن يارا من تلقاء أنفسهم،  ثم يبادر أحد الشعراء الصحافيين “محمد حربي”، وينشئ صفحة  على موقع التواصل الاجتماعي  لتجميع كل الكتابات عن يارا، ثم يصدرها في طبعة ورقية نفدت طبعتها الأولى، فيطبعها طبعة ثانية، والآن يتم إعداد الطبعة الثالثة، وهي ظاهرة ثقافية غير مسبوقة، تنم على أن هؤلاء لا يجاملون رفعت سلاّم، لأن غالبيتهم لا أعرفهم، وظني  أنهم أرادوا أن يقولوا إن الموقف الذي أخذته يارا هو موقفهم  هم أنفسهم، وبالتالي فهم يدافعون عن أنفسهم وعن مواقفهم .

فموقف المثقفين المستقلين مشرف، ولا يعنيني هنا المثقفون الذين قابلوا السيسي، لأنهم مثقفو سلطة، وهي ذات الوجوه التي كانت تقابل مبارك، وتتحدث عن الاحلام التي يمكن تحقيقها في ظل حكم مبارك.

*وماذا عن موقف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لاسيما ونحن نعرف أنه كانت بينكما صلة؟

- حجازي كان يعرف ابنتي يارا ، وكنا نتزاور في بيتي وبيته ، ومع ذلك لم يكتب عنها حرفا.

*برأيك ما السر وراء هذا التبلد في أحاسيس العامة مما يحدث من تنكيل لفئة من الناس؟

- يوجد نوع من تزييف وعي الشعب، وفي آخر 5 سنوات من حكم مبارك، كنا نظنّ ذلك، وكنا نتساءل: ما هذا الشعب الذي يتحمل كل هذا الهوان؟

أتصور أن الأمر بحاجة إلى بعض التراكم كما حدث مع مبارك، وما شاهدناه من حراك ثوري ضد أحكام براءة مبارك ونظامه، وفي الذكرى الرابعة لثورة يناير، يدل على أن الحركة الشبابية الثورية لا تزال موجود، وقادرة على التغيير، وقادرة على أن تقول لا .

* بخيال الشاعر: أي مستقبل قريب ينتظر مصر؟

- أتصور أن مصر مقبلة على كابوس قادم، لأنها ستكون مواجهة مع العسكر الذين يحكمون ويملكون الأسلحة  والقوة .

والثورة القادمة ستواجه بذلك، ولن تولد مصر من جديد إلا من خلال ذلك النفق للأسف الشديد.

* في كم سنة تتوقع هذا التغيير؟

- قريبا.

*كيف تحيا يارا؟

- أقابلها كل أسبوعين، وأحوالها المعنوية مرتفعة جدا، وهي تدرك أن التلاعبات التي تحدث في القضايا بوصفها محامية وناشطة، وهي متماسكة وقوية جدا، وعندما أقابلها لا يعنيني سوى الاطمئنان على حالتها المعنوية، ولا أتحدث معها كثيرا .

* ليست نادمة؟

- لا طبعا، لأنها تدرك أن هذه هي ضريبة الاختيارات واستقلال الموقف، وتدرك أن أي موقف في الحياة لها ثمن، إضافة إلى انها حفيدة المناضل اليساري الشهير أحمد صادق سعد .

خرجت يارا من سجنها ، ولكن ظلت في حلق أبيها غصة، حتى حرره الموت منها صباح اليوم.