29 - 03 - 2024

القذى فى أعيننا قبل من أساءوا الى خاتم المرسلين

القذى  فى  أعيننا قبل من أساءوا الى خاتم المرسلين

تأملات فى ردود أفعال المسلمين حول الرسوم المسيئة للرسول

"القذى فى أعيننا قبل من أساءوا الى خاتم المرسلين".. ذلك ما لاحظته عندما تأملت بعض ردود أفعال  المسلمين على خطاب ماكرون وعلى الرسوم المسيئة للرسول والتى اعقبها ذبح المدرس الفرنسى، فلو نظرنا إلى أنفسنا فى لحظة مكاشفة للنفس، نجد أن طريقتنا فى الرد قد خلت تماما من أساليب التحضر واتسمت  بالهمجية، حتى فشلت فى تحقيق مبتغاها بمنع تداول الرسوم المسيئة لنبى الرحمة لتصبح جعجعة بلا طحين، فلا هى منعت تدول الرسوم المسيئة للرسول ولاهى نجحت فى اقناع ماكرون بالعمل على منعها بصدورتشريع قانونى يحول دون المساس بالأديان.

وسأضرب أمثلة عديدة تثبت أن العيب فينا قبل غيرنا، حتي اعطينا الفرصة لصغار البشر بالتطاول علينا والسخرية من رسولنا الكريم.. نعم سأضرب امثلة يندي لها الجبين، ظهرت من خلال ردود فعل المسلمين فى كافة انحاء العالم، ومن وجهة نظري مشوهة للدين وليست ناصرة له، مسيئة للنبى لا مدافعة عنه. ليس ذلك فحسب، بل وصمت ديننا الحنيف، كما لو كان دين " جز للرقاب وقاطع للرؤوس "

* علي سبيل المثال هناك فيديو لمدرسة بنات في إسلام اباد. وضعوا دمية علي شكل ماكرون في فناء المدرسة، وقامت مديرة المدرسة بحمل السيف وجز رقبة الدمية بينما ارتفع صياح   الفتيات الصغيرات وهن يهتفن "الله اكبر. الله اكبر"

* فيديو آخر لشيخ  من الشيوخ يرد علي ماكرون بخطاب في قمة البذاءة والانحطاط بقوله: "سنذهب يا ماكرون إلي بلادكم وسنخصب نساءكم وسننجب منهم أطفالا وسنقيم دولة الخلافة في بلادكم". أي انحطاط هذا وأي خلافة التي يتحدث عنها هذا الشيخ البذيء، والله والله هذا الشيخ اساء للاسلام والرسول اكثر ممن يروجون للرسوم المسيئة للرسول والذى اظهر أن الخلافة قامت لسبي النساء وأخذهم جواري.

* امتلأت وسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا  بروايات تروج لجز رقبة من يسيئ للرسول، ومن تلك الروايات قصة شبيهة لجريمة قتل المدرس الفرنسى حدثت فى بيروت عندما قام أحد الاشخاص بقتل شخص آخر سب الرسول، وعندما تم إلقاء القبض عليه قام القاضى "يوسف النبهان "بعد المداولة بالحكم عليه بالاشغال 15 سنة لارتكابه جناية القتل قصدا، ولإسقاط الحق الشخصى تخفيف العقوبة إلى النصف، وللأسباب المخففة التقديرية التى تراها المحكمة الاكتفاء بمدة توقيف القاتل. ثم أمرالقاضى يوسف نبهان بإطلاق سراح القاتل، وقام بتقبيل اليد اليمنى التى طعن بها القاتل من سب الرسول وهو يبكى وبكى معه كل من فى القاعة، وعندما علمت عدلية بيروت بالأمر صدر قرار بنقل القاضى نبهان الى المدينة المنورة ليتحقق حلمه فى مجاورة الرسول حيث استجاب الله لدعوته التى كان يدعو بها: "اللهم اجعل آخر أيامى أن أجاور نبيك فى مدينته"

*روجت وسائل التواصل الاجتماعى لروايات وحكايات قام مشايخ السلفية بالتباهى بها، امتلأت بها  كتب التراث والسير والأحاديث والتى تمثل خمسة وسبعين بالمائة من ديننا بما يتعارض مع االقرآن وأخلاق الرسل، واصبحت بمثابة تشريع لقتل كل من يسيئ للرسول ومنها حكاية " كعب بن الاشرف " الذى زعموا انه تم قطع رأسه وجاءوا برأسه بين يدى النبى وهم يكبرون. وحكاية مقتل " عصماء بنت مروان " التى ألقت شعرا ذمت فيه الرسول وأهله، وغيرها من حكايات قطع الرؤوس وجز الرقاب التى امتلأت بها كتب التراث لكل من سولت نفسه السخريه من الرسول والتهكم عليه.

والسؤال هنا لماذا لم يتصد أحد من العلماء لردود الأفعال تلك؟ ولماذا لم يعبأ أحد بإظهار مدى كذب وادعاء تلك الفتاوى والحكايات التى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى والتى تعد افتراء على الدين؟ ولماذا لم يتطرق اليها أحد من علمائنا لتصحيح تلك النظرة الخاطئة، وتوجيه انتقادهم لمثل تلك الردود الشاذة التى تتسم بالبربرية وتصم الاسلام بالإرهاب؟

لقد اعجبتنى كلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر ردا على الرئيس الفرنسى ماكرون، حين أشار إلى أن الدين الاسلامى هو دين سمح، ولايجب أن تأخذ فرنسا موقفا من كل المسلمين، إلا أننى كنت أتمنى من شيخ الأزهر أن يتناول تفسير الفهم الصحيح للدين، ويبرؤه من بذاءات مثل هذا الشيخ الذى هدد بسبى نساء أوروبا، وكأنه يعطى ذريعة للغرب بوصف الاسلام بالإرهاب. كنت أتمنى أن يرد شيخ الازهر على تلك الفتاوي الخاطئة التى تداولها المسلمون على السوشيال ميديا بجز رقبة من يسخر من الرسول، والتى أظهرت الدين أنه لجز الرؤوس، وكنت اتمنى منه انتقاد المبالغة فى ردود الافعال الخاطئة التى لم تعالج المشكلة، وإنما زادتها اشتعالا، كما ظهر فى فيديوهات من يقوم بحرق القرآن فى الشارع و توزيع الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم على المدارس.

ولو تأملنا تلك الفتاوى الخاطئة ولا أعلم من أين جاءوا بها، رغم أن كلام الله أمرنا أن نعرض عن مثل هؤلاء ونتجاهلهم، كما أن هناك حديث عن السيدة عائشة أن سيدنا محمدا نهاها عن الرد علي جماعة من الكفار حاولوا استفزازهما بمقولة "السام عليكم" أي الموت لكم وكأنها السلام عليكم. ناهيكم عن القرآن وما به من آيات تحض على اجتناب الخوض فى آياته حيث ورد هذا الأمر الربانى سبع مرات فى الكتاب الحكيم، واحدة منها فى حوار بين أصحاب اليمين والمجرمين، وأربع مرات فى صورة مباشرة للنبى عليه السلام، واحدة منها ألا يجلس مع الذين يخوضون فى آيات الله مثل قوله تعالى: "واذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره.." ولم ترد آية واحدة بجز رقبة من يخوض فى القرآن وهو كلام الله. 

علينا البحث عن طرق أخري، أكثر تحضرا، للرد وعلي أولي الامر البحث والتمحيص في مصادر تلك الفتاوي التي تسيئ للدين، وبالتالي ماذا فرقنا عن وحشية الفرنسيين في استعمارهم للدول الافريقية واسترقاقهم للبشر. ماذا فرقنا عنهم حين يقول هذا الشيخ القذر مقولة "سنخصب نساءكم". 

علينا أن نبحث عن طرق مثلي للتعبير عن غضبنا، علينا بالرد على تلك الرسوم المسيئة للرسول  الحجة بالحجة، فالرسول لم يبن بالسيدة عائشة الا عندما بلغت الخامسة عشر، وهناك دراسات أجريت ان السيدة عائشة كانت تبلغ الثامنة عشرمن عمرها حين تزوجها. علينا ان نبرز أن الرسول لم يعدد زوجاته شهوة وحبا لكثرة النساء، فأغلبهن ممن ذهب عليهن المحيض "كأم سلمة " وغيرها ممن بلغن من العمر عتيا. علينا ان ننقي كتب التراث مما شابها من فتاوي كإرضاع الكبير وشرب بول الإبل حتى لاتكون ذريعة قوية لدى المغرضين للسخرية منا ومن ديننا.

نعم على من أشعل نار الفتنة أن يطفئها، وكان يجب  على الرئيس الفرنسى ماكرون إطفاءها، ولو أنه يملك ذرة عقل لاحترم مشاعر بلايين المسلمين داخل بلده فرنسا وخارجها في كافة أنحاء العالم، ولكان حريصا كل الحرص علي مصلحة بلاده ويهمه انقاذ أرواح مواطنيه المسيحيين قبل المسلمين لكى لا تستمر رحى الحرب دائرة.

ولكن ماذا عنا نحن؟ ماذا عن ردود أفعالنا إزاء تلك الأزمة؟ هل حققنا النتائج المرجوة لمنع تلك الرسوم المسيئة للرسول، من وجهة نظرى وقبل أن نلوم الآخرين علينا البحث داخل أنفسنا عن الاسباب التى أدت الى فشلنا مما أدى لاستمرار تطاول الآخرين علينا، والاستمرار فى دوران رحى الفتنة بدلا من إخمادها.

ولو بحثنا عن الأسباب وراء وجود تلك الفتاوى الخاطئة، والتى جعلت تلك المديرة فى مدرسة البنات فى إسلام اباد للتصرف بهذا الشكل الهمجى بصنع دمية على شكل ماكرون وجز رأسها، فعلى حد قول البروفيسور مهند خورشيد عالم دين واجتماع مسلم نمساوى من أصل فلسطينى فى مقال له \أنه بعد وقت قصير من وفاة الرسول أصبح الاسلام أداة سلطة فى أيدى من يقاتلون من أجل الخلافة مما أدى إلى انحطاط واختزال الناس إلى مجرد توابع مطيعة فتم الابتعاد عن دين المحبة والرحمة، وطالب بتحرير الاسلام الذى بات رهين السياسة والذى لن يتم إلا من خلال الإصلاحات المستمرة و من خلال فهم سور القرآن وأحكامها فى سياقها التاريخي، فإذا كان هناك آيات قرآنية بشأن استخدام العنف فى القرن السابع فى شبه الجزيرة العربية، فهي لا تبرر العنف والإرهاب وليست ملزمة لمسلمي الوقت الحالى.

وأخيرا.. لا بد من وقفة أمام انفسنا لابد من تنقية كتب التراث والفقه من هذا العنف ونتبرأ منه، ولابد من  البحث عن طرق أخرى أكثر تحضرا للرد علي من يسيئون لرسولنا الكريم حتي نبرز الرسالة الحقيقية لديننا الحنيف وسماحته ورحمته، التي يحاول بعض المسوخ من أشباه المسلمين تشويهه، وذلك  قبل توجيه الاتهامات لماكرون وغيره ممن أساءوا للنبى صلى الله عليه وسلم.
----------------------
بقلم: هدى مكاوى


مقالات اخرى للكاتب

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا





اعلان