19 - 04 - 2024

التطبيع .. ماذا تغير حتي نتغير؟!

 التطبيع .. ماذا تغير حتي نتغير؟!

سؤال مهم نطرحه متسلحين بالدهشة بعد صرعة التطبيع الاخيرة التي ارتكبتها وفاقا او نفاقًا او كرهًا دول غير معنية تاريخيا بالصراع  مع الكيان الصهيوني، و التي تتسارع وتيرتها كلما اقتربت ساعة الانتخابات الامريكية، و اصبح الثمن المدفوع هو "السلام من أجل السلام" وفقط، و ليس "هجوم السلام "الذي خدع به البعض انفسهم في تسعينات القرن الماضي بزعم أنه لصالح القضية الفلسطينية. 

كلنا يذكر بيان كوبنهاجن وأبطاله من مصريين و فلسطينيين و أردنيين وإسرائيليين الذين راهنوا أن جمعهم و بيانهم المشترك يصنع السلام، ويقرب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ويأتي لنا بالقدس عاصمة، و يحقق تعايشا بين ضدين . 

كان حصاد رحلة الأوهام -التي أدمنتها بعض الانظمة العربية و بعض مثقفيها - من اوسلو -١ و اوسلو -٢ و مؤتمر شرم الشيخ و المبادرة العربية و غيرها - صفرا كبيرا و تنازلا يؤدي الي تنازل و خيبة تجر اخري. و جاء رد الفعل مزيدا من تشدد جمهور أصحاب الضمائر ممن رفضوا التطبيع، قبل ان يفر قلة منهم للأسف، وذهبوا يبررون تكريم الصهيوني في الجونة و قدموا لنا من هناك النصح أن نفهم ماذا جري حولنا من تطورات متسارعة و نستوعب المتغيرات و نتغير!.                                                                                   

فماذا تغير إذن حتي نتغير؟! ما الذي جري حتي نقبل ما يدعوننا إليه و قد صمد في العراء، منذ زيارة القدس و توقيع كامب ديفيد، بسطاء بالفطرة خبراء بمعرفة العدو و أهدافه.. ماذا جري و قد تُركنا وحالنا عقودا نرفض التطبيع، و نمارس فعل المقاومة السلمية.. ماذا جري حتي نجد من بيننا الآن من يتبني أفكار الأستاذ نجيب ساويرس الذي يُخيرنا بين قبول التطبيع أو حمل السلاح و الذهاب إلي فلسطين لتحريرها! أو ماذا جري للرجل الذي سوق نفسه منفتحا و مستنيرا و رأسماليا، يستثمر في الإعلام ،و يعشق الفن و الفنانين ،و يحب الثقافة ويُكرم المثقفين .                                             

الآن يعلو صوت النفير كي نسارع بركوب قطار التطبيع المنطلق من الجونة ونقبل منطق الممول، ونوافق صاغرين علي مبدأ تكريم فنان صهيوني تحت دوي شعار "سينما من أجل الانسانية " وكأنه يلحن علي الشعار الجريمة "سلام من أجل السلام " وكلاهما مزيف و خادع فهي سينما بلا قضية و بلا ضمير و تسميتها الحقيقية "اتسلوا" و تعايشوا مع عدوكم، و سلام بلا مضمون و بلا ثمن و اسمه الحقيقي استسلموا للقاتل.                                                      

إسرائيل تفرض شروطها و سلامها، ونتنياهو يتفاخر أنه يغير خريطة الشرق الأوسط، ورجل الجونة و صاحبها يتصور أنه ينجح فيما فشلت فيه الدولة، أو رفضت ان تفرضه علينا ،و أنه الذي يقود الثقافة والمثقفين و الضمائر و مصير الأوطان.. يريدون أن نُساق إلي تطبيع مجاني "لأن الدنيا تغيرت" و "علينا أن نستوعب ما جري حولنا"، و أن نلحق بحكام لهم أولياء أمور من غير شعوبهم ،و أن نسارع بالمشاركة في مهرجانات هنا أو في هذه الدول التي طبٓعت، بحضور اسرائيل و بضاعتها الفنية أو تكريم  صهاينه!.                             

نحن مستعدون لسماع محاضرات السيد ساويرس في الوطنية بصفته مواطنا مصريا، و قبول بلطجة ترامب، وبجاحة نتنياهو، و بلع صفقة القرن وتصفية  القضية الفلسطينية واغتيال صمود الشعب الفلسطيني ،و نسيان مصالح وطننا الذي تستهدفه بالأساس هذه الاتفاقيات ،و "الصهينة" علي صهينة بعض الحكام الذين لاحول لهم ولا قوة. و مستعدون كذلك أن نذهب إلي نقاباتنا المهنية والعمالية نطلب منها أن تستوعب المتغيرات، بل وأن تعلن التوبة، و تنسي الوطن، و تحب إسرائيل ،وتقبل تكريم الصهاينة، و أن نستمع لتعليمات الممول "مولانا" من الجونة راعي الفن و الثقافة.                         

نعم مستعدون لكل ذلك شرط أن يقول لنا بعض أصحاب النصيحة  من زملاء و أصدقاء و رفاق - تركونا وحدنا و ذهبوا بغير وداع  - ماذا تغير حتي نتغير !! 
-----------------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق                                                .

مقالات اخرى للكاتب

 الغزالي حرب وثقافة الاعتذار





اعلان