الفيلم على خطى جورج أورويل فى رواية "مزرعة الحيوانات"
بالرغم من مرور أكثر من تسعين عاما على صدور رواية مزرعة الحيوانات للكاتب البريطانى جورج أورويل، لم يدر بخلد الكاتب أن رائعته التى كتبها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ستظل نبراسا يسير على دربه كثير من الأدباء والفنانين ومؤخرا مخرجى السينما أيضا كنوع من الفن الرمزى غير المباشر لقضايا وأحداث سياسية.. ومن هؤلاء المخرج الأمريكي "كريج زوبيل" الذى يطرح له حاليا فى دور السينما فيلم الصيد بما يحمله من اسقاطات وترميز سياسي يضم حيوانات ترمز للوضع الراهن فى أمريكا بعد تصاعد موجات العنف هناك عقب تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السلطة.
تدور قصة فيلم الصيد حول مجموعة من البشر تم تخديرهم وغلق افواههم بكمامات تستخدم كلجام للكلاب، ليستيقظوا فيجدوا انفسهم فى مكان غريب اشبه بمزرعة ويتعرضون إلى وابل من الرصاص، وأثناء ذلك يعثرون على صندوق ملئ بجميع أنواع الأسلحة ويخرج منه خنزير، فيأخذون الاسلحة لمحاولة الدفاع عن انفسهم ويسقطون قتلى بعد أن يقوموا بقتل عدد كبير ممن يطاردونهم، ولا يتبقى منهم إلا كريستينا التى تكتشف اللغز فى أن هذه المزرعة تملكها"اثينا" وهي امرأة ثرية تلعب لعبة الصيد للاستمتاع باصطياد النشطاء ممن يعارضون النظام السياسى الأمريكى، والذين لهم صفحات على الفيس بوك ويعلنون عن رأيهم صراحة فى قضايا عديدة مثل وجود نظرية المؤامرة والعنصرية ضد السود والمهاجرين والإرهاب والفروق الطبقية والتغيرات المناخية.
كان الكاتب البريطانى جورج أورويل كتب روايته فى ظروف حساسة تمثلت فى انتهاء الحرب العالمية الثانية المدمرة، والتى كانت روسيا ضالعة فيها وبشكل جوهرى وبروز بوادر نظام عالمى جديد هلكت فيه أنظمة كالنظام الاشتراكى الذى فقد شعبيته ماقبل الحرب، أعقبها صعود الولايات المتحدة الامريكية التى ظهرت كقوة رأسمالية جديدة استفادت من انهيار الاتحاد السوفيتى المريع.
وقد استعان جورج أورويل بالإسقاطات والرموز على لسان الحيوانات داخل مزرعتة حيث جعل الخنزير "ميجور" الذى يجسد شخصية كل من ماركس ولينين اللذان تنبئا بالثورة قبل أن تنفذ، وهناك الخنزير "سنوبول" ويرمز الى شخصية تروتسكى الذى ناضل من أجل مصلحة الحيوانات، بينما رمز إلى ستالين بالخنزير "نابليون" الذى تخلص من الخنزير "سنوبول" بعدما قام بتشويه شخصية ميجور "لينين"، وغيرهم من الشخصيات كالخنزير "سكويريل" الذى رمز به جورج أورويل إلى رجال الإعلام والمثقفين المهادنين للخنزير نابليون وايضا الغراب موسى الذى رمز به الى رجال الدين المواليين أيضا للخنزير نابليون.
جاء فيلم الصيد أيضا على نفس منوال وخطى الكاتب جورج أورويل، وإن لم يكن بنفس براعتة ليصنف الفيلم كنوع من افلام الرعب السياسى الرمزى الذي يؤرخ لسقوط وتهاوى وأفول نجم الرأسمالية أيضا، نظرا للظروف السياسية التى تجتاح امريكا حاليا وسيطرة اللوبى الصهيونى وتولى ترامب السلطة وتوحش الرأسمالية وعودة العنصرية ودعم امريكا للإرهاب، فكلها عوامل تهدد بانهيار النظام الرأسمالى فى أمريكا. حيث رمز المخرج لطريقة انتخاب الرئيس الأمريكى "بخنزير" يخرج من الصندوق المدجج بالأسلحة كما رمز الى الطبقة البرجوازية والطبقة المتوسطة بكل من الأرنب والسلحفاه فالطبقة البرجوازية التى نمت بسرعة بدون أى جهد هى الأرنب المدلل الذى لم ينجح فى السباق، ولكنه سرعان ما انقض على السلحفاه الفائزة بالجهد والتعب، والتى ترمز للطبقة المتوسطة ليقتلها واسرتها.
يرى مخرج فيلم الصيد "كريج زوبيل" أن سقوط النظام الرأسمالى لن يكون لصالح النظام الاشتراكى، وهو ما أبرزه في أن بطلة الفيلم لاتنتمى لهذا التيار ولا تسانده وأنها لا تتقمص شخصية "سنوبول" فى رواية مزرعة الحيوانات، ذلك الخنزير المثالى والمخلص للثورة الذى أراد مصلحة الخنازير، وأنه مجرد تشابه فى الأسماء بينها وبين الناشطة اليسارية "كريستال" المقصودة ممن يريدون تصفيتها جسديا خلال رحلة اصطياد المعارضين للنظام الحاكم، وذلك ردا على "أثينا "وما تحمله من معلومات مغلوطة، وبالتالى فهو يعول على التيار الوطنى المستقل، فكريستال الناجية الوحيدة من لعبة الصيد محاربة بارعة فى حرب فيتنام ولا علاقة لها "بكريستال" اليسارية التى تقصدها "أثينا "الثرية.
تناول الفيلم سيطرة اللوبى الصهيونى فى أمريكا، ودلل عليه باختيار الرئيس وأن صندوق الانتخابات مجرد ديكور يخرج من خلاله من يريده هذا اللوبى الصهيونى ورمز للرئيس الأمريكى الفائز بالخنزير الذى خرج من صندوق وجده المستهدفون داخل المزرعة، ومعه ترسانة من الاسلحة تدعو للتناحر والقتال، وكذلك تدخل اللوبى الصهيونى للتخلص من النشطاء المعارضين له، كما حدث عندما حاول أحدهم الغدر "بكريستال "وتوصيلها "لأثينا " بغية قتلها، إلا انها كشفت عن هويته الصهيونية وقامت بقتله.
تعرض فيلم الصيد لبعض العقبات استمرت عدة أشهر للحيلولة دون عرضه، بحجة دعوته للعنف وتصادف توقيت عرضه مع وقوع حادثة نيوزيلاندا االإرهابية وسقوط أكثر من ثلاثين مواطنا إثر اطلاق الرصاص عليهم، كما قام الرئيس ترامب بانتقاده بحجة قيام مخرج الفيلم كريج زوبيل بتشويه الداعمين له فى حملته الانتخابية مع قرب ترشحه للمرة الثانية للرئاسة، وترديد عبارات جاءت فى الفيلم كان يستخدمها المؤيدون لهيلارى كلينتون المنافسة له مثل "ايليتس" التى يقصد بها الصفوة وكلمة "ديبليرابولس" ويقصد بها "الرعاع". إلا أن مخرج الفيلم حاول الدفاع بقوله إن الفيلم لايدعو للعنف، ولكن يتناول التسرع فى اطلاق الأحكام المسبقة قبل التحقق منها.
ولا يخفى على أحد تكاتف اللوبى الصهيونى ودعمه للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومن قبله جورج دبليو بوش الابن وغيرهما من الرؤساء، نظير دعمهم لاسرائيل. ومن المعلوم أن نفوذ اللوبى الصهيونى متحقق فى الكونجرس الأمريكي، بإشراف من اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة "ايباك" والتي تضم نحو 4500 من كبار الشخصيات اليهودية فى المجتمع الأمريكى، وتعتمد الثواب والعقاب فى سياستها داخل الكونجرس، إذ تدعم وتكافئ من يدعمها بإغداق الأموال عليه ودعم ترشيحه فى الانتخابات وتعاقب من يعاديها، وكما يشير توماس فريدمان الكاتب فى صحيفة نيويورك تايمز إلى شبكة المنظمات اليهودية ولجان العمل السياسية الموجودة فى الولايات المتحدة الأمريكية التى بدورها تعمل على التوجيه وقت الانتخابات لصالح أو ضد مرشحى الكونجرس، كما انها تتقن آليات التخويف السياسى ليس فقط بحرمان من تعاديه من دعمها، وانما بتمويل خصمه أيضا.
قضية أخرى تناولها فيلم الصيد The Hunt ، ألا وهى "نظرية المؤامرة"، ومن المعلوم أن المصطلح ظهر لأول مرة فى مقالة اقتصادية عام 1920، ولكن جرى تداوله عام 1960 وإضافته بعد ذلك إلى قاموس أكسفورد عام 1997، وتختلف تعريفات مصطلح نظرية المؤامرة باختلاف وجهات نظر أصحابها، فمن يؤمن بالنظرية يرى وجود طرفين رئيسيين هما المتآمر وهي عادة "الحكومات" والمتآمر عليه وهو "الشعب" عادة لإخفاء الحقيقة، ومن تلك الوقائع التى اسندوها لنظرية المؤامرة مقتل الرئيس الأمريكى جون كيندى وأحداث الحادى عشر من سبتمبر ومؤخرا كورونا كوفيد 19، وهناك من يرفض وجود نظرية المؤامرة قلبا وقالبا ويشكك فيها، ويرى انصار هذا الفريق الرافض لنظرية المؤامرة أن تصور وجود هذه النظرية منتشر فى المجتمعات الشرقية المنهزمة ثقافيا الآن رغم تفوقها فى أزمنة غابرة، وبالتالى فالتاريخ ملئ بالقصص التى تتحدث عن توسع ثقافة على حساب ثقافة أخرى بدون اللجوء الى وجود نظرية تآمرية. وهناك رأى هام قاله المفكر اليهودى "نعوم شومسكى" حيث ذكر أن الاسم الأنسب لنظرية المؤامرة هو التحليل "المؤسسى"، أى البحث عن تفسير لما يحدث فى عالم السياسة والمجتمع بالرجوع إلى الدوافع الحقيقية التى تحكم تصرفات المؤسسات السياسية والاجتماعية، كالجيش مثلا أو البنوك والشركات العملاقة.
ينحاز فيلم الصيد The Hunt الى الفريق الأول وهو وجود نظرية المؤامرة، فالمخرج هنا جعل التيار الراسمالى الحاكم يسعى للتخلص ممن يؤمنون بتلك النظرية حيث ضمت كتيبة النشطاء المطلوب اصطيادهم وتصفيتهم أحد المؤمنين بتلك النظرية وتم اصطياده وقتله، ومن وجهة نظرى ان كان لايوجد ثمة نظرية مؤامرة بما نفسر اغتيال كثير من علمائنا فى ظروف غامضة، منهم سميرة موسى وجمال حمدان ويحيى المشد وكثيرين غيرهم ممن تم قتلهم فى ظروف غامضة على يد الموساد الاسرائيلى.
تناول فيلم الصيد أيضا عدة قضايا أخرى منها مدى خطورة السوشيال ميديا في تأجيج المعارك الانتخابية التى انتقلت من ساحة الفيس بوك لتنفذ على أرض الواقع، كما تناول دعم امريكا للارهاب والذى تجسد فى أحد الشخصيات التى احتمت وسط مهاجرين مسلمين عزل، بينما كان يحمل هذا الارهابى ترسانة من الاسلحة واكتشفت "كريستال" أنه يعمل لحساب أثينا ويعمل على تصفيتها ضمن بقية هؤلاء النشطاء المستهدفين.
وأخيرا جاء فيلم الصيد محاكاه لواقع سياسى مليء بالصراعات الأيديولوجية فى أمريكا، وبالتالى فهو رؤية سياسية جاءت فى قالب فنى، امتزج فيه الواقع مع الخيال ليتحول الفيلم الى فن رمزى يحاور عقل المشاهدين، ولاننسى براعة فريق العمل، وتاتى كل من "هيلارى سوانك "التى لعبت دور أثينا، بيتى جيلبين التى جسدت دور "كريستال" على رأس هذا الفريق لنجاح كلتيهما فى تقديم فيلم متميز، مختلف بكل المقاييس عن الأفلام العادية التى تعرض فى هوليوود.
-----------------------
رؤية: هدى مكاوى