19 - 06 - 2025

ولادة وحلابة .. قصة قصيرة للكاتبة: هالة البدري

ولادة وحلابة .. قصة قصيرة للكاتبة: هالة البدري

جلس أبى بجوار الراديو فى الصالة، وأمامه ورقة رسم فوقها مربعات، ليتسنى له متابعة مباراة الكرة بين النادى الأهلى ونادى الزمالك. أشارت أمى لى بالصمت حتى لا أشتت انتباهه، عدت من حيث أتيت دون أن أخبرها بما أريد، وصوت كابتن لطيف يصرخ:

يا سلام ياعلاء، ياسلام ياحامولى.

جاء أخى أكرم راكضًا، ودخل إلى غرفتنا مباشرة، حاولت أن أسأله عن حمادة وسعيد لم يرد.دلق صندوق اللعب على الأرض ، انتشرت المكعبات فى الحجرة، وجلس هو يركب البزل، دون أن يبالى، جاء أبى غاضبًا، وسأله ماذا فعلت بالماعز؟ تعال هنا.

قال : لم أفعل شيئًا؟

مضى وراء أبى نحو الباب، فتسللت خلفهما محافظة على مسافة واسعة بيننا، كان الراعى يشير إلى أكرم :

هذا هو يافضيلة الشيخ ، يمشى وراء معزاتى، ويحلبها على الطريق.

نظر أبى إلى أخى محذرًا وهو يشير بإصبعه: هه!!

قال أخى: آسف. لن أفعلها ثانيًة.

اعتذر أبى للراعى، الذى رفض الحصول على تعويض قائلا:

حاشا لله لا نقبل العوض.

سمعنا القصة من أبى كاملة، أثناء طعام العشاء؛ اعتاد أخى أن يتسلل إلى قطيع الغنم، كلما اقترب من بيتنا، وأن يندس بينهم ليحلب الماعز، كما يفعل الراعى فى الصباح المبكر، ونراه ونحن ذاهبون إلى المدرسة، شرح لنا أبى أنها ملكية الغير، ووعد إذا ما أحسن أكرم التصرف أن يرسله مع دادة فكرية كلما اشترت اللبن من الراعى.

صادقنا الرجل، وأصبح يدعونا للجلوس بجواره عند الحلب فى العطلات.  شاهدنا اليوم ولادة جديان صغيرة لأول مرة فى حياتنا .اقتربنا فلم ينهرنا. كانت الماعز تزعق، وهو يربت فوق ظهرها، وسرعان ماظهر على الأرض كيس كبير داخله حمل، لحسته أمه حتى خرج، ورحنا نضحك والحمل يحاول الوقوف على أرجله، فيقع ثم يقوم. أحضر أخى عصا صغيرة، وسند بها ساق الحمل.

قال الراعى: اتركه، سيعرف طريقه وحده .

عادت الماعز إلى صغيرها تلحس وجهه، ثم باعدت ما بين ساقيها مرة أخرى، وراحت تزعق، بعد أن ظهرت رأس جدي آخر، يحاول الخروج منها.  انتفض وليدها الجديد بعد أن ساعدت في تركه  الكيس .ووقف وليدها الأول وهو يرتجف، ثم سمعناها وهى تزعق للمرة الثالثة، وتأتي بصغير له شعر أبيض فوق جبهته.  ذهب إلى ضرعها مباشرة، وراح يرضع، تدفق اللبن بقوة فسال من فم الجدى. وتبعه الآخران.صفقنا ونحن نضحك مسرورين، وحولنا كل الأولاد الذين تركوا لعب الكرة على صراخنا، ورحنا نحكى القصة.

فى الليل قال أبى لأخى: نم، وفى الغد احكها لنا للمرة العاشرة.

--------------------------

من مجموعة قصصية تحت الطبع بعنوان "مدارات البراءة"