20 - 04 - 2024

مصر.. "الدبلوماسية الرشيد" x "السياسة البلهاء"

مصر..

يُظنُّ، والظنُّ هنا يقينٌ، ألّا خفاءَ على أحدٍ، ما تتحلى به مصرُ من حِلمٍ وسكنٍ وتأنٍ، مع قدرةٍ وقوّةٍ وصلابةٍ، عند غضبٍ أو مكروهٍ أو جعجعةٍ لا يُرى منها طحنٌ، إلى أبعد ما يُتخيلُ، لا ضعفًا أو قلةَ حيلةٍ أو تخفيفًا واستهزاءً بالغيرِ، وإنما حكمةٌ وتعقّل وصبرٌ، وفي والوقت نفسه، حفاظًا على السِلْم حتى استنفاد طرق السِلْم كافة.

يعي العالمُ كثيرًا عن مصرَ وتاريخ المصريين، حربًا وسلمًا، ثقافةً وعِلمًا، صبرًا وجلدًا، فضلاً عن الحس الفُكاهي الذي يتمتع به المصري، ولا أحدَ غيره،  حتى وهو في أحلك الظروف، وغيرها الكثير من الطباع والخصال التي حبا الله بها المحروسةَ وأهليها.

في مقابل  ذلك، يُرى، والرؤية يقينية أيضًا، أن دولاً شكلّت إمبراطوريات في تاريخٍ ما، إلا أنه لا خفاءَ على كثيرين كذلك، أن الطمع والجشع والأحلام الزائفة، دافعُها الأول والأخير، فأقامت أنظمتها على أنقاض مؤسساتها، لم تلتزم بحدود ولا أصول، لا تزال تخترق الأراضي العراقية، وتُقحم نفسها في سوريا، وتلهث على غاز "المتوسط"، وتهدد أوروبا بورقة اللاجئين، وتنتهك أرضَ الليبيين، واهمةً بالعودة إليها بعد طرد أجدادهم منها، وفق مزاعم أحد مسؤوليها، ومن أسف أن هذه التصريحات العلنية أمام مرأى ومسمع من يُفترض أنهم ينتمون للشعب الليبي الشقيق.. الذين بدلاً من الاستجابة لكل مبادرات لمِّ الشمل وإعادة الاستقرار، يُغدِقون أموال بني وطنهم ليُطعِموا بها أفواهًا، جُلُّ غرضها ملءُ البطونِ عبر الاستيلاء على مُقدرات الغير، وكسب زعامة زائفة وهي التي تنسى، أو ربما تتناسى، أيام كانت الرجل المريضَ المتسببَ يومًا ما، في إضعاف العرب وإغواء الغرب.

بين هذا وذاك من الفضفضات، موقفان بسيطان يدلان على أن "الكبير كبير"، وأن دبلوماسية مصر مُستمدةٌ من عظمتها وعراقتها، وأن القاهرة التي قهرت الغزاة عندما يأتي عليها أحدٌ، فلتقل على روحه السلام، إنْ حل بها سلام..

مؤخرًا استضاف نقيب الصحفيين عبر مداخلة هاتفية في برنامج تليفزيوني، وزير الخارجية سامح شكري تعليقًا على آخر التطورات في ملفي سد النهضة والأزمة الليبية، وبكل دبلوماسية جاءت ردود المسؤول المصري بما يليق بمكانة وعظمة القاهرة، لم يخرج لفظٌ واحدٌ يقلل من شأن آخرين معهودٌ عنهم كلُ مَشين..

عند الحديث عن الملف الأول أعرب شكري عن أمله في ألا تعود مصر إلى مجلس الأمن، وأن يلتزم الجانب الإثيوبي بتأمين الأمن القومي المائي، بما يحفظ حقوق المصريين، كما المصريون حريصون على التنمية لدى الإثيوبيين، وأن بلاده لا تعترض نهضةً أيًا كانت، ما دامت بعيدةً عن خط مصر الأحمر..

ولدى سؤاله عما يفعله حزب العدالة والتنمية في أنقرة وما يواجهه من معارضيه، رد قائلاً إن مصر لا شأن لها بما يحدث في الداخل لأي بلد.. لم ينتهز الوزير المصري الساحةَ ليكيل للحزب الحاكم في إسطنبول، مستغلاً آخر فصول ديكتانوريته عبر طرد الآلاف من الجيش التركي، وفق تصريحات مسؤول تركي بدعوى أن من جرى إقصاؤهم ثبتت صلاتهم بحركة عبد الله كولن، وغيرها من الأمور التي لا مجال لسردها.

الموقف الثاني عندما قالت الرئاسة المصرية، عقب لجوء ممثلي قبائل والشعب الليبي وحضورهم أكثر من مرة وطلب برلمان ليبيا، الاستنجاد بأشقائهم في مصر ضد المستخرب، لا المستعمر، التركي، الذي يسرق عوائد نفطهم وغازهم.. قالت كلمتها بعد 6 سنوات من الصمت، وبعد التفويض الذي أعلنه البرلمان الليبي وممثلو القبائل للجيش المصري..

أكد الرئيس المصري أن هدف الجيش من دخول ليبيا لن يكون إلا لتنفيذ إرادة الشعب الليبي وحماية حقوقهم، مُعلنًا، أنهم "سيدخلون ليبيا مطلوبين، وسيخرجون منها مأمورين"، لتتجلى هنا كذلك عظمة ومكانة مصر في الدبلوماسية الرشيد X السياسات البلهاء.

-----------------------'

بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان