10 - 07 - 2025

نقد فني| فيلم الجوكر.. ابتسامة بلون الدم فى وجه القبح

نقد فني| فيلم الجوكر.. ابتسامة بلون الدم فى وجه القبح

ابتسم وان تحطم قلبك

ابتسم ولو كاد قلبك ينفطر

ابتسم وان كانت الغيوم فى قلب السماء

ابتسم ما الفائدة من البكاء

فالحياه تستحق أن تحياها.

 فقط اذا ابتسمت.

لم أجد أجمل من كلمات تلك الأغنية التى جاءت فى فيلم الجوكر تعبيرا عن ابتسامته التى رسمها بطل الفيلم على وجهه بدمه. تلك الابتسامة التى تقطر ألما وحزنا على أحلامه التى ركلتها أقدام مجتمع أمريكي قاس مفلس أخلاقيا لايدخل فى حسبانه حقوق الضعفاء والمهمشين ولا الحق فى الحياة. 

إنها  ابتسامة أمل تتحدى القبح الأخلاقى الذى اعترى تلك المجتمعات.. ابتسامة تتحدى الصراع الدائر بين فقراء تلك المجتمعات ومترفيها، وإن اصطبغت تلك الابتسامة بلون الدم.

تدور أحداث فيلم الجوكر فى مدينة جوثام بأمريكا عام 1981، فى مجتمع طبقى مفلس أخلاقيا  تنتشر فيه الجريمة والبطالة، و يسيطر عليه ذوو النفوذ ، مما جعل كثيرا من شرائح المجتمع تعانى الفقر والحرمان.

فى هذا المجتمع  يعيش مهرج الحفلات والممثل الكوميدى الطموح "آرثر فليك" مع والدته "بينى" كبقية تلك الشريحة السكانية الفقيرة، فهويعتمد على خدمات الضمان الاجتماعى للعلاج من مرض اضطراب عقلى يجعله يضحك بطريقة هيستيرية فى أوقات غير مناسبة ولايستطيع السيطرة على نفسه، خاصة عند شعوره بالاستياء من تصرفات غير لائقة ممن حوله. 

وكانت أول واقعة اصطدم فيها آرثرعند تعرضه للتنمر من قبل بعض المراهقين الذين قاموا باختطاف لافتة كان يحملها، فاضطر ارثر للحاق بهم لانتزاعها منهم،  فكانت النتيجة ركله بالأقدام وضربه وتحطيم اللافتة، وبدلا من أن يلتمس مديره له العذر أخبره بضرورة إرجاع اللافتة وإلا سيتم خصمها من راتبه.

واقعة أخرى تعرض لها آرثر، وذلك أثناء مداعبته لطفل فى الترام ومحاولة إضحاكه، فكان نصيبه الزجر من والدة الطفل لتنتابه حالة من الضحك الهستيري. إلى هنا يظل آرثر محتفظا بشخصية الانسان الطيب، البسيط ، المتسامح، الطموح فى أن يصبح فنانا كوميدىا يرسم الضحكة والابتسامة على وجهه من أجل إسعاد الآخرين، فمجموعة الصبية الذين قاموا بضربه واختطاف اللافتة منه هم مجرد صبية صغار السن من وجهة نظره، ووالدة الطفل التى زجرته اثناء مداعبته لطفلها لها العذر فهى لا تعلم شيئا عن حقيقة مرضه النفسى.

يستمر فيلم الجوكر فى تسلسل درامى  تصاعدى  الى أن يصل الفنان الكوميدى آرثر فليك إلى نقطة التحول ليتقمص شخصية الجوكر الذى يرتكب عددا من الجرائم.

بدأت نقطة التحول عند آرثر فيليك عقب حرمان الدولة له من العلاج المجانى، الذى كان يساعده على استقراره نفسيا وعقليا، لتزداد حالتهسوءا، إذ كثرت حالة الضحك الهيستيرى التى تنتابه كلما تعرض لمواقف يستاء منها فى المجتمع اللا إنسانى. 

وكانت  جريمة الجوكر الأولى قتله لثلاثة أشخاص داخل المترو يعملون فى شركة "توماس واين" الثرى ذو النفوذ والمرشح فى الانتخابات، إثر  تنمرهم عليه عندما  انتابته هيستيريا الضحك عقب مشاهدته واقعة  تحرشهم بفتاة، وتعتبر تلك الجريمة على رأس الجرائم التى ارتكبها الجوكر حيث أعقبها بأعمال تخريبية عندما  وصف توماس واين من قام بالجريمة بأنهم جماعة من الفقراء الحاقدين على الأثرياء، الأمر الذى نتج عنه نشأة حركة تدعو لقتل الأثرياء، لتعم الفوضى فى المدينة، حيث ظهر المتظاهرون الفقراء وهم يرتدون أقنعة المهرج تضامنا مع آرثر فيليك الذى كان يرتدى قناع المهرج أثناء وقوع الجريمة، وتتوالى الفوضى فيقوم المتظاهرون بقتل "توماس واين" وزوجته ردا على تصريحاته الكارهة للفقراء.

يذكر أن السلطات الأمريكية قامت أثناء عرض فيلم الجوكر منذ عدة أشهر بتأمين دور السينما ومنعت ارتداء ماسكات المهرج، تحسبا لحدوث أعمال عنف عقب مشاهدة الفيلم. ولم تتوقف جرائم الجوكرعند ذلك فحسب بل تتالت ليتخلص الجوكر من كل من تعامل معه بطريقة غير لائقة  أو أصابه  بالاستياء.

ولو تناولنا فيلم الجوكر بالشرح والتحليل سنجد أن أحداثه ترجع الى مطلع الثمانينات بداية توحش المجتمعات الرأسمالية، حيث يكشف الفيلم عن مدى بشاعتها فى اعطاء ظهرها للفقراء والمهمشين وحرمانهم من الحق فى الحياة،  فنجح الفيلم فى تسليط الضوء على تدنى الاخلاق فى المجتمعات الرأسمالية وبخاصة أخلاق طبقة الأثرياء بعد تخلى أنظمة الحكم  عن المطحونين، ويذكر أن الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان قام بالغاء مظلة العلاج المجانية للفقراء التى كانت مطبقة فى عهد سابقه جيمى كارتر.

ركز الفيلم على تأثر الطبقة المتوسطة أيضا فى المجتمع الرأسمالى الذى يعيش فيه "الجوكر" حيث  أوضح  أن تلك الطبقة أيضا لم تسلم  من تجاهل نظام الحكم الرأسمالى لها وهو ما قالته طبيبة ارثر النفسية فى الفيلم بان الدولة لم تعد تهتم بمثله ومثلها وتقصد هنا فئة الأطباء التى تنتمى للطبقة المتوسطة.

تناول الفيلم أيضا انهيار القيم الاخلاقية فى المجتمع الأمريكى، فتفشت ظاهرة التنمر التى تعرض لها ارثر من قبل عدد من الصبية، وكذلك اعتداء الرجال الثلاثة عليه فى المترو. ايضا تطرق الفيلم للتحرش مثلما حدث لفتاة المترو التى تحرش بها  هؤلاء الرجال الثلاثة الذين اعتدوا على ارثر فيلك فقام بقتلهم دفاعا عن نفسه. كما ركز على قسوة المجتمع وافتقاره للنبل والحب، كما بدر من زميله راندال الذى دبر له مكيدة لفصله من العمل. وايضا موقف والدته وخداعها له .

تناول فيلم الجوكر ايضا الطبقية بين شرائح المجتمع الأمريكى  فى مواقف عديدة فى الفيلم، ويمكننا ملاحظة ذلك عندما ذهب ارثرفيلك ليرى واين توماس فى المسرح وتنكر ارثر فى ملابس الخدم حتى يتمكن من دخول المسرح وهو ينظر للحاضرين من طبقة الأثرياء لتعتريه نظرة الضعف و الانكسار. وأيضا عندما ذهب لقصر  واين توماس ليقوم الحارس بطرده. وكذلك عندما اعتبر واين توماس أن من قام بقتل الرجال الثلاثة فى المترو هم ثلة من الفقراء الحاقدين على الأثرياء.

ولا يمكننا الكتابة عن فيلم الجوكر دون  الاشادة بالممثل  خواكين فينيكس الذى لعب دور الجوكر ببراعة فائقة النظير والذى اضطر لانقاص وزنه حتى يبدوا هزيلا ليناسب دوره فى الفيلم، كما نجح فى اقناعنا وتوصيل الرسالة التى صنع الفيلم من أجلها، حتى استحق بجدارة أن يحصل على جائزة أوسكار كأفضل ممثل.

وأخيرا فإن فيلم الجوكر ليس دعوة للعنف كما صنفه بعض النقاد، من الذين حاولوا منعه من العرض، وانما هو رسالة تحذيرية يقدمها  عبر ابتسامة حزينة ضد القبح الاخلاقى الذى اعترى تلك المجتمعات الرأسمالية وإن اصطبغت تلك الابتسامة بلون الدم.
--------------------
رؤية بقلم : هدى مكاوي