09 - 07 - 2025

رواية "رقصة اللبلاب".. عندما يكتب الصحفي عن أبناء مهنته

رواية

عندما تكون صحفيًا وتفتقد المعلومة التي تشبع بها ذلك الفضول، وتروي بها غريزتك الصحفية، فربما يكون التفتيش فيما تحت بلاط صاحبة الجلالة هو الأقرب، خاصة لصحفي متمرس، عرف كثيرًا عن كواليس المطبخ الصحفي، ونوادره ومعاركه التي لا تتصدر عناوين الموضوعات، فأبناء المهنة عادة لا يهتمون سوى بملاحقة الحقيقة، أو ما يظنون أنها حقيقة.

ورواية "رقصة اللبلاب" للزميل «محمد رفعت» نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر، ليست الأولى التي تتحدث عن سلوكيات الصحفيين وما يدور داخل المؤسسات الصحفية من نفاق، أو مداهنات، أو حتى دهس لمواهب ربما لو قدر لها أن تكون في مكانها الحقيقي لغيرت كثيرًا من الواقع.

تحمل الرواية بين طياتها كل تفاصيل العمل الروائي الجيد، من حبكة درامية وتفاصيل الشخصيات وتتبعها، وتطورها، ولو التفت صناع الأعمال الدرامية لهذه الرواية لتصدرت السباق الرمضاني أو السينمائي، بعد أن افتقدنا زمنًا تقتبس فيه الأعمال السينمائية والدرامية عن روايات أدبية.

لغة الرواية سهلة، سريعة الإيقاع، تتماشى مع سرعة الحياة الحديثة، استطاع الكاتب بحرفية ما يملك من أدوات أن يطوع الرواية وكأنها فصل واحد متصل، يطغى النَفس الصحفي عليها، وعلى تفاصيل أحداثها، فكأنك تتابع تفاصيل جريمة يتكشف منها فصل تلو الآخر، دون توقف، أو كأنك ترتشف كوبًا من الشاي دفعة واحدة، ولا مجال أن تضعه أمامك للحظات، فهكذا كانت "عفاف" بطلة الرواية  التي لم تنل من اسمها أي نصيب، سريعة التنقلات، ما أن تنتهي من علاقة حتى تبدأ في أخرى، في حالة شبق مستمر، تدفعها المصلحة بكل قوة لاستثمار جسدها مع مَنْ يدفعها للأمام في طريق الشهرة والمجد الصحفي، وبالطبع تحقيق المكاسب المادية، فعلاقاتها كلها  2X1 ولا مانع أن تكون 3,4,5X1 ،  فعشيقها تسكن معه ويكتب لها موضوعاتها، ولا مانع أن تسرق بعض أفكار أو مواد بكاملها من محررين آخرين يعملون معه في الصحيفة العربية، تلتئم جراحها في لمح البصر، لا تحترق أو تمل، ولا تأخذ حذرها من علاقة لأخرى، فهي لا تدرس خطواتها وتندفع بلا روية، حتى عندما قررت أن تكون أمًا، اختارت كيف ومَنْ سيكون هذا الزوج كأب لابنها، لكني – كقارئة- لم تستطع شخصية عفاف أن تجتذبني لأي لحظات تعاطف، ربما كانت مقصودة من الكاتب.

 نجح الكاتب إلى حد بعيد أن يجعل من "عفاف" شخصية محورية لكل الأحداث، شخصية تدور في فلكها كل الشخصيات الأخرى، من أحبها، وعشقها، ومن خانها، أو كرهها، وربما النجاح الأكبر كان في ذلك النفور الذي تسرب إلىّ– كقارئة، طغيان النفس الذكوري كان واضحًا، يقدم عفاف تلك الصحفية متواضعة الأفكار والثقافة، فائقة الجمال والحضور الذي يبهر كل مَنْ يراها، رغم عدم واقعية هذا النموذج، إلا أنها كانت كذلك،  فليكن، شهية، بهية، وكما هو النموذج السائد أن هذا  الجسد الفاتن على تلك الرأس الفارغة لا تجعل منها إلا وعاء شهوة، لم يلتفت أي ممن مروا في حياتها إلى الإنسان الذي بداخلها، أو يوقظ تلك الروح التي خمدت منذ أن كانت طالبة في المدرسة.

الخط الزمني للرواية أكثر ما استوقفني فالبطلة ابنة أحد مدعي الزعامة لحزب يساري، ويظل يتنقل الكاتب محتفظًا بمتابعة هذا المسار الفكري الضحل، حتى انتهى به المطاف إلى أن تغير "عفاف" قناعتها وتؤمن بانضمامها للحزب الحاكم ولجنة وريث الحكم المتوقع، فهل كان لدينا حزب يساري فاعل إلى هذه الدرجة، أم أن تلك الأحزاب ومن اقتنعوا بها لفترة، رفعوا الراية البيضاء منذ التسعينيات؟

ابتعدت الرواية عن التشبيهات، والمحسنات، أو وصف الزمان والمكان، رغم غنى  الأحداث بأماكن وأزمنة ، كان من الممكن أن يلتقط فيها القاريء أنفاسه، ليذهب بخياله إلى الريف المصري، أو جبال الأردن، أو ينعم قليلًا بهدوء ضاحية المعادي، فكانت شديدة المباشرة، منزوعة المشاعر، سواء تعلق الأمر بالكره والحقد والنميمة، أو العشق والعلاقات الخارجة عن الدين والأعراف، والتي اكتفى الكاتب أن يضع على أصحابها "علامة" يساري، ليسهل قبول ذلك السلوك منهم، دون قيد أو شرط، حتى الحزن والفقد الذي يعتري الإنسان ويكشف عن ضعفه، حتى بينه وبين نفسه، مر عليه الكاتب مرور الكرام، سواء كان ذلك الفقد بالابتعاد والقطيعة والطلاق، أو حتى بالموت، فموت ابن عفاف، لم يستغرق سوى بضعة سطور من الرواية، وكأن الكاتب نقل فيها مجرد خبر من صفحة الحوادث، أم تفقد وحيدها، ولا أمل لها في غيره، انهارت وخرجت من المستشفى بعد أسبوع، لتستكمل حياتها وروتينها اليومي، مصممة على الطلاق، لتنطلق بعده إلى عالم المجد السياسي والترشح للبرلمان، هكذا ؟!

يبقى أن رمزيات الرواية قليلة، تتناسب مع شخصياتها وقناعاتهم وسلوكياتهم المباشرة، فلم يحتج الكاتب إلى الإغراق في الرمزية، أو أن يستخدم اسقاطات، ربما سوى في العنوان،"اللبلاب" المتسلق، تشبيه متسق مع نماذج الرواية على كثرتهم، ولكن كل منهم كان لبلابًا بطريقة أو بأخرى، وربما تلك اللغة الجافة، هي الأنسب لواقع تجرد فيه من ورقة التوت التي كانت تحفظ له انسانيته.

همسة..

أحيانًا نتلهف على بريق أمل بين سطور خيال روائي، فالواقع فيه ما يكفي من سواد، والعتمة لم تعد مبهرة!
-----------------------
قراءة - آمال رتيب