15 - 05 - 2025

هل يمثل جهاز الأمن الخطر الأكبر على الثورة السودانية أم "الزواحف" الإسلامية؟

هل يمثل جهاز الأمن الخطر الأكبر على الثورة السودانية أم

السودان 2020.. نار تحت رماد النظام السابق 
- د. محمد قسم الله: أحداث ميليشيات هيئة العمليات التابعة للمخابرات السودانية تجعل الاحتقان سيد الموقف
- عباس حسن أحمد: ما يحدث من انفلات أمني يؤكد فشل المكون العسكري في أداء مهامه
- هشام أبو ريدة: مسرحية ممثلوها  13 ألفًا ليظهر حميدتي في نهايتها كبطل منقذ للثورة 
         

عادت العاصمة السودانية الخرطوم لتتصدر المشهد السياسي العربي، بعد أن كانت الأوضاع قد سكنت، وأصبحت في طريقها للوصول إلى تحقيق مطالب الثوار كاملة، ولكن 

يوم الثلاثاء، 14 يناير، وبشكلٍ مفاجئ، كانت أجزاء من العاصمة السودانية، وقعت وبشكل عشوائي تحت زخات الرصاص، خاصة في ضاحيتي كافوري والرياض؛ حيث المقرات الرئيسة لهيئة العمليات التي يعرف عن منسوبيها موالاتهم للفريق أول صلاح عبدالله (قوش) رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق، وأحد قادة جماعة الإخوان المسلمين. 

عمّت حالة من الفزع والفوضى بين سكان الخرطوم، فيما اسْتُنفرت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لاحتواء الموقف ووضع حد للتمرد، وحوصرت مقرات هيئة العمليات لساعات، أغلق إثرها المطار كإجراء احترازي، فيما شرع مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أبوبكر دمبلاب في محاولات مستميتة للحوار مع المتمردين، لم تفضِ إلى شيء، فاضُطرت القوات الأمنيِّة إلى اقتحام المقرات وتحريرها بالقوة؛ حيثُ أفاد البيان الصادر عن الجيش السوداني أنّ عملية إنهاء التمرد، أسفرت عن مقتل جنديين وجرح 4 آخرين، ومدنيين اثنين. 

 وكان نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ(حميدتي)، قد وجّه، في مؤتمر صحفي، اتهاماً مباشراً إلى رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح قوش المتواري عن الأنظار خارج البلاد، بالوقوف خلف التمرد، مطالباً بالقبض عليه عن طريق الإنتربول، كما اتهم رئيس جهاز المخابرات العامة الفريق أبوبكر دمبلاب بالتقصير وعدم القدرة على حسم انفلاتات أفراد الجهاز الذي يديره، بحسب تعبيره،  وقال حميدتي، أنّ "قوش وهيئة العمليات يتحملان وزر الأحداث الأخيرة، وأنّ المسيرات التي تنظمها فلول جماعة الإخوان المسلمين والمسماة بمسيرات الزحف الأخضر، ما هي إلاّ جزء من مخطط كبير، تدبره وتديره قيادات في جهاز الأمن، متقاعدون وعلى رأس الخدمة".

إلاّ أنّ الخبير الأمني عبد الله آدم اسحق، ألقى باللائمة على حميدتي نفسه، بصفته نائباً أول لرئيس مجلس السيادة وقائداً لقوات الدعم السريع التي تعتبر القوة الضاربة بين الوحدات المسلحة السودانية، بل ولربما تفوق القوات المسلحة نفسها.

فبماذا تنبئ هذه الأحداث؟ « المشهد» تستطلع آراء المحللين السودانيين وتقرأ ما بين سطور هذه المطالب التي تبدو في ظاهرها فئوية، أما باطنها ففي التحقيق التالي..

احتقان أمني

أكد الكاتب الصحفي والأكاديمي السوداني الدكتور محمد قسم الله محمد أن الخرطوم عاشت أحداثًا أمنية عاصفة، افتعلتها هيئة العمليات المحلولة التابعة لجهاز الأمن السابق قبل هيكلته، ليصبح جهاز المخابرات العامة، بصلاحيات محدودة لتلبية مطالب الشارع السوداني.

وأضاف: لعلّ الأحداث في مجملها دلالة على الاحتقان الأمني الذي لا تزال تكابده العاصمة السودانية وهو من أكبر المخاطر التي تحيط بالبلاد، في ظل وجود مليشيات مسلحة ومتعددة هنا وهناك، فالنظام السابق استسهل تسليح كيانات مؤدلجة، خارج سياق المنظومة العسكرية الرسمية في القوات المسلحة السودانية، ولذلك ستظل هذه الظواهر ماثلة وقابلة للانفجار غير المتوقع كل لحظة، وبلا مقدمات، على النحو الذي حدث الثلاثاء - 14 يناير-  جهاراً نهاراً، وبفعل أفراد مسرحين فعلياً منذ فترة، بعد قرار حل هيئة العمليات التابعة للأمن وليس للجيش، ولكنهم أطلقوا الرصاص بكثافة، واحتلوا مقار استراتيجية في قلب العاصمة، وكادت عمليتهم الممتدة إلى فجر اليوم الثاني كفيلة بالعصف بالبلاد لمنحدر يصعب تلافيه، كما حدث في بلدان المحيط الإقليمي من سوريا إلى ليبيا إلى اليمن.

ثمة شيء

ورغم ذيوع الرواية الرسمية بأنّ أفراد هيئة العمليات كانت تقودهم دوافع مطلبية وفئوية واحتجاجات على ضعف المقابل المالي المكافئ لسنوات خدمتهم بجهاز الأمن، لكن اللافت في تلك الأحداث غياب ردة الفعل الرسمية  طوال النهار، ليظل الشارع نهباً للشائعات وأنّ ثمة تمرد وانقلاب يجرى تنفيذه بواسطة عناصر تدين بالولاء الأيديولوجي والتنظيمي للنظام السابق، واللافت أكثر هو ظهور الفريق "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة وقائد الدعم السريع، وهي قوات انشأها النظام السابق بمعزل عن الجيش الرسمي، لمهام محددة بغرب السودان، ثم تطورت بها الأحوال والأقوال فيما بعد،  ظهر الفريق حميدتي من مدينة جوبا التي كان يتواجد بها ليعقد مؤتمراً صحفياً حول الأحداث، وبعث بإشارات مهمة مقروءة وغير مقروءة، في مقدمتها أنّ ابتدار الفعل وزمام المبادرة تمتلكه قوات الدعم السريع في البلاد، ورغم وجود الفريق البرهان بالخرطوم ورئيس الوزراء حمدوك لكنهما غابا تماماً عن المشهد الساخن، ولم يظهرا إلا فجر اليوم التالي، بعد استسلام المقار التي انطلق منها رصاص عناصر الأمن المسرحين، وكان اللافت بطبيعة الحال وجود ضباط الدعم السريع خلفهما بالزي الرسمي المميز وفي ذلك رسالة أيضاً.

الشاهد أنّ ثمة شيء كان في طور التخلُّق ولم يُقدَّر له أن يكتمل ذلك النهار، وفي تقديري أنّ الاهتزاز الذي صاحب الغياب الرسمي وغياب ردة الفعل الرسمية للحكومة، هو مؤشر على أنّ الرواية الرسمية لأحداث ذلك النهار لم تكن مكتملة، أو لم تتم روايتها حتى الفصل الأخير حيث أرادت الحكومة حصرها في مطالب ودوافع مالية للأفراد المسرحين.

تحت جسر الحكومة

وأضاف: من نافلة القول إنّ الطابع العسكري والولاء التنظيمي لنظام البشير لهؤلاء الأفراد المسرحين الذين قادوا العمليات المتزامنة، في قلب الخرطوم حيث مقر هيئة عمليات جهاز أمن النظام السابق وفي مواقع أخرى في سوبا على المدخل الجنوبي للعاصمة الخرطوم وأمدرمان، بل امتدّ تمرد تلك العناصر إلى مواقع حيوية في مناطق حقول البترول في غرب السودان، هذا التزامن لم يكن اعتباطاً ولم يكن عن طريق (الصدفة)، مقروءاً ذلك بارتباك وتأخير البيان الحكومي والصمت لساعات طويلة عما يجري دون توضيحات، كلها عوامل تشي بأنّ ثمة مياه كانت ستجري تحت جسر الحكومة الانتقالية في الخرطوم، كما أنّ الأحداث برُمَّتِها مؤشر أنّ ثمّة نار تحت رماد النظام السابق.

المتهم الأول

ويرى عباس حسن أحمد أمين عام الإعلام بالجبهة الوطنية العريضة ببريطانيا أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية، هو عمل منسق ومرتب وتم الترتيب له، والمتهم الأول فيه هو جهاز الأمن والمخابرات، وتم الترتيب له خلال الأسابيع والشهور الماضية من خلال الانفلات الأمني في بور سودان ودارفور، وفي وادي مدني وغيرها، وهو عمل يصب في خانة فلول النظام السابق، والهدف منه القضاء على الثورة السودانية، ورعاته إنتاج النظام القديم، هذا العمل يؤكد فشل المكون العسكري، وقيادات المجلس العسكري، في المجلس السيادي، المكون من شق مدني وآخر عسكري، عندما تم التفاوض معه من قبل قوى الحرية والتغيير، كان رأينا في الجبهة الوطنية العريضة عدم التفاوض مع المجلس العسكري، لأنه كان يمثل اللجنة الأمنية التي عينها البشير لقتل الثوار والقضاء على الثورة، فكان اعتراضنا بأن الشعب السوداني خرج من أجل الحكم الديمقراطي الكامل، ولا يكون هناك أي تواجد لعسكريين في مستقبل السياسة السودانية، ولكن كانت هناك قوى سياسية نحت هذا المنحى وجرت خلفها كثيرين للتفاوض مع المجلس العسكري، فكانت النتيجة هي هذه الحكومة الهجين التي نرفضها تماما، وأثناء التفاوض أصر المجلس العسكري أن يكون جزءًا من السلطة، لأن هناك دواعٍ أمنية تستدعي ضرورة وجوده للحفاظ على الأمن خلال الفترة الانتقالية، ولكن ما يحدث الآن من انفلات أمني يؤكد فشل المكون العسكري في أداء مهامه الأساسية، وهذا يعني أنه لم ينحز بنوايا صادقة إلى الثورة السودانية.

الزواحف

وبقول صريح أكد عباس: نتهم الإسلاميين في داخل المجلس العسكري بالتنسيق مع جهاز الأمن والمخابرات الذي يمثل النظام القديم بكامل هيئته، بالتنسيق للقيام بهذا العمل، وأيضا بالتنسيق مع بعض الإسلامويين المدنيين لإحداث الفوضى، والذين نسميهم "الزواحف"، ويقومون بإجراء عدد من التحركات باسم "الزحف الأخضر"، والمتهم الأول في هذا العمل جهاز المخابرات الحالي بالتنسيق مع بعض الإسلامويين داخل المجلس السيادي، والدليل على ذلك التعاطي الضعيف من قبل المجلس العسكري مع الحالة الأمنية، جهاز الأمن يمثل الخطر الأكبر على الثورة السودانية، وطالبنا مرات عدة وما زلنا بحل جهاز الأمن بكامله وتصفيته تصفية كاملة.

وأضاف: الثورة السودانية قطعت شوطًا بعيدًا، ولكنها لم تنجح بشكل كامل، هنالك جهازين لابد من حلهما وهما الأمن والمخابرات، ثم القضاء على كل الميليشيات العسكرية التي انشأها النظام السابق لحمايته مثل "كتائب الظل" وكتائب الطلاب وكتائب الدفاع الشعبي، وغيرها، حل المحكمة الدستورية العليا، وإحالة جميع قضاة المحكمة إلى المعاش، ومحاكمة كل من قاموا بهذه الفوضى والتخريب، بدء من مدير الجهاز وحتى أصغر فرد أمن.

أما قولهم بأن السبب وراء إطلاق الرصاص "مطالبات مالية" فهو تبرير ساذج وقراءة خاطئة، فالسبب الرئيس هو ارباك المشهد السياسي، وإشاعة الفوضى في المدن، بهدف إعادة طرح النظام السابق، أو على الأقل أن يجد لنفسه موطيء قدم في المرحلة المقبلة، ولكن مطالبات خاصة بمحاكمة رموز النظام السابق، وما يدعم هذا التحليل محاولة اقتحام سجن"كوبر" واطلاق سراح البشير ومن معه من مجرمين محتجزين، ولكن تم احباط هذه المحاولة، التي صحبتها محاولات في شرق دارفور بالقرب من حقول النفط، وفي الأبيض، فكلها محاولات متزامنة ومدروسة، وهي كلها تصب في مصلحة الثورة المضادة، ومقدمة لكارثة، إذا لم يتعامل المكون العسكري في مجلس السيادة بالحسم التام، وإلا سيكون متواطئا مع الأجهزة الأمنية في هذه الفوضى.

وسياق الاعتراض على الإجراءات المالية التي تمت داخل جهاز المخابرات وأنها تعويضات مالية ضعيفة لا ترقى لمستوى ما قدموه من خدمة، ووصفه باعتراض، يعني أن جهاز الأمن هو المتهم الأول فيما يحدث من استباحة لمدينة الخرطوم وتحويلها إلى ثكنة عسكرية، وهذا توصيف لما حدث. 

ويؤكد أن هناك خطة مدروسة وموضوعة بعناية للانقلاب على الحكومة المدنية، والاستيلاء على السلطة من جديد، بمخطط يقوده جهاز الأمن، ولكن هذا الوضع يضع الفترة الانتقالية في مهب الريح، وتشكل خطرًا على الثورة السودانية، إذا لم يتعامل المجلس العسكري بحسم، وفرض نفسه أنه المسؤول عن تثبيت الأمن بالسودان، فهذا يؤكد أن هناك تواطؤ من العسكريين داخل مجلس السيادة، وما يفعله جهاز الأمن يؤكد أنه ضالع في إشاعة الفوضى وترويع المواطنين، ويقود الثورة المضادة في الفترة الانتقالية.

مطالب

وأوضح عباس أن المطلوب الآن اعتقال جميع منسوبي جهاز الأمن المتسببين في الفوضى، واحالتهم إلى المحاكم بعدما قاموا به من إطلاق رصاص حي، فهؤلاء تحولوا إلى مجرمين، يقعون تحت طائلة القانون، ولا أسمي ما حدث بتمرد إنما انقلاب، وكان المخطط أن يتلوه اعلان البيان رقم (١) من قوات تتبع لفلول النظام السابق والانقلاب على الثورة، ولكن جهاز الأمن اصدر بيانًا بأن الأمر قد انجلى، وحمدوك يقول الوضع تحت السيطرة، ولكن أحداث الشارع تقول بعكس ذلك، ما جرى يشكل تهديدا للثورة ولابد أن يتحرك المجلس العسكري لحفظ الأمن والسير بالاتجاه المتفق عليه، ولابد من إقالة جميع ولاة الولايات العسكريين وتعيين مدنيين بدلا منهم.

مسرحية 

وشبه الناشط والمحلل السياسي هشام أبو ريدة الأحداث بمسرحية وصل عدد الممثلين فيها إلى 13 ألف ممثل، وقال: نعتقد أنها مسرحية كانت تمارس من قبل، لأن هيئة المخابرات بها أكثر من 13 ألفًا، أعطوهم ثلاث خيارات إما التسريح، أو الدمج في الجيش، أو في الدعم السريع، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا قامت الاحتجاجات في هذا التوقيت، وهل هي احتجاجات فعلية ومجرد مطالب فئوية، نقول لا، هي مسرحية من أجل أن يظهر حميدتي بمظهر الرجل المدافع عن الثورة ومكتسباتها، وما دار من إطلاق أعيرة نارية في الهواء دون إصابات، فهل يعقل أن هذه المجموعة( 13,000) ولا يقع منهم ضحايا، الأعيرة النارية التي تم اطلاقها في الهواء، أصابت بعض المدنيين، وطالت شظاياها بيوت المدنيين، مما تسبب في مقتل اثنين، ولم نشاهد أي نوع من الخسائر بحسب التقارير الإعلامية.

قوانين انتقالية

وامتدح أبو ريدة موقف شباب الثورة، وقال: الشباب واعٍ وسخر من هذه المسرحية، فالثورة المضادة تعمل ليل نهار لوأد الثورة السودانية، وتعمل على خلق الأزمات، هناك ضائقة في توفر المواد البترولية، سعر الخبز، وترتيبات لرفع سعر الدولار، وكلها ترتيبات من دولة عميقة، لأن الثورة منذ انطلاقها ونحن نعمل في الجبهة الوطنية العريضة على دحض الثورة المضادة، بإعداد القوانين منذ 2012، قانون لمحاسبة الفساد المالي، والإداري، والإعلامي، وكذلك قانون للعزل السياسي، وقانون انتقالي؛ عن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، وقانون لإعادة هيكلة الأحزاب وكيف لها أن تكون غير طائفية، وكلها تم إعدادها للفترة الانتقالية، ولكن الآن إذا كان العزل السياسي قبل أن نفقد الشرعية الثورية وتصفية هذا النظام من خلال قوانين تم الإعداد لها بحصافة، وأن يتم العزل السياسي ومحاسبة كل الإعلاميين والتابعين للنظام وأبواقه، وكلهم معروفون، سواء في الصحف أو القنوات الفضائية، إضافة لذلك الفساد السياسي وكل من شاركوا في النظام، حتى وإن لم يكونوا أعضاء في الحزب، إنما نتحدث عن كل أعضاء الحركة الإسلامية، فلابد من المحاسبة.

ورؤيتنا في الفساد المالي، أن يتم مباشرة القبض على كل الذين نهبوا المال العام، ورده إلى خزينة الدولة، وكانت رؤى واضحة للخروج إلى بر الأمان بعد الفترة الانتقالية وقيام الانتخابات، ولكن هذه الازمات المفتعلة لإعاقة التحول الديمقراطي المنشود والدولة المدنية التي يحلم بها جميع الثوار.
---------------------------
تحقيق - آمال رتيب  
من المشهد الأسبوعي