14 - 06 - 2025

الكاتب الأمريكى "غارى شتاينجارت".. بحيرة النجاح أم مستنقع الفشل؟!

الكاتب الأمريكى

ربما بدا الحلم الأمريكى مثل سحابة بيضاء تكسو السماء، فإذا ما أصابتها تقلبات الطقس أمطرت، صانعة بحيرة ممتلئة، تبتلع داخلها العديد من المكتسبات تحت ستار "النجاح" الذى ربما لم يكن "نجاحاً" بالمعنى المفهوم بقدر كونه "غاية" تلهث خلفها "امريكا" طيلة الوقت، وكثيراً ما ربطتها هذه الغاية بصورة أتوماتيكية بالثراء، فصارت لا ترى سبيلاً لنجاتها وبقاءها سوى بتأمين المدخرات المالية الكافية لحمايتها فحسب. 

تتحدث رواية الكاتب الأمريكى الشهير"جارى شتاينجارت Gary Shteyngart"بحيرة النجاح/Lake Success"، عبر مفارقات سردية مليئة بالإسقاط والرسائل الضمنية، عن مديرى "صناديق التحوط" الأمريكان، والمهاجرين الروس، فى عهد (أمريكا/ ترامب)، إذ تتميز كتابات شتاينجارت الساخرة بالتغنى الدائم بـ "الكوميديا السوداء"، ما جعلها دائماً كتابات مثيرة للجدل، فهى تطوى بين ضفتيها آرآءه السياسية ورؤاه التحليلية للأوضاع الراهنة التى يقوم باستعراضها فى غلاف أدبى ساخر.

ولد "غاري شتينجارت" في لينينغراد عام 1972، ثم هاجر في عام 1979 مع والديه اليهود من أصل روسى، ونشأ في منطقة "كوينز" في نيويورك. نشر روايته الأولى "كتيب المبتدأ الروسي" في عام 2002 ، التى حصدت العديد من الجوائز، كما حصل على زمالة الأكاديمية الأمريكية في برلين عام 2007. والواقع تتميز  مؤلفات "شتينجارت" بأسلوب السرد الساخر الذى يقوم بتضفيره بمهارة فائقة مع فن كتابة السيرة الذاتية. 

في روايته "بحيرة النجاح/ Lake Success" يحاول "شتينجارت" بطريقة سلسة وماكرة انتقاد الحلم الأمريكي الذي تحول في عهد "ترامب" إلى كابوس، فى ظل تعالى نغمة العنصرية والكراهية والتشظى، وزيادة قابلية الانشطار المجتمعى في أي لحظة.. يتخذ "شتينجارت" من بطل روايته "بارى كوهين"، أحد مديرى "صناديق التحوط" الأمريكية الذى يعانى حالة من الانهيار العصبى جراء انهيار مفاجىء فى سوق الأسهم والسندات، مرتكزاً للعديد من الاسقاطات الهامة داخل الأحداث فى ظل المزاوجة الأدبية ما بين ما يعتري البطل من مزاج حاد والتناقض الفج الذي يكسو الأوضاع السياسية فى بلاده.

يلقي "كوهين"، ذلك الرجل الخمسينى،  بهاتفه المحمول وبطاقته الائتمانية فى سلة المهملات، بعد أن قرر سحق كل مكتسباته الواهية والاستسلام للحظة توهج قديمة أحكمت قبضتها على إدراكه المُجهَد ، فإذا بها يستقل حافلة تحمله إلى  ولاية "فيرجينيا" التى ترك بها حبيبته منذ أن كان فى عمر الرابعة والعشرين.. قرر أن يلتقط عبر هذه الرحلة طرف الحياة بحثاً عن حلم قديم وقصة حب غير مكتملة تركها فى الماضى، ثم عاود الركض خلفها فى الحاضر، بعد أن بدا له المستقبل أكثر قتامة وتعتيماً، فقد أراد اللحاق بالعربة الأخيرة فى القطار، الذي ربما غير مسار حياته، تاركاً خلفه حياته الثرية الجوفاء وزيجته البراقة الفاشلة وطفله الوحيد المصاب بمرض التوحد والعاجز عن الكلام. 

وفي خضم هذه الرحلة المفاجئة التى تأهب لها فى لحظات إحباط شديد، نجد مشاعر الحقد والكراهية يتلازمان جنباً إلى جنب فى رحلة البحث عن "الحب الواهى" للوطن المزعوم، الذى لم يكن أبداً موجودا ذات يوم، إذ يطرح "شتينجارت" تساؤلاً حرجاً، فى روايته، حول إمكانية مطاردة الأحلام القديمة حتى النفس الأخير، صانعاً من بطل روايته "باري كوهين"، نموذجاً لحلم أمريكي كوني متفسخ، إذ جعله يترك كل شىء خلفه ويقفز في حافلة عابرة، لِحاقاً بحلم حماسى دون أى تخطيط مسبق، وهو ما يخلق منطقة تماهي مع تلك المرحلة الانتقالية التى فقد خلالها المجتمع الأمريكي القدوة والمُثل بعد أن ظلوا يحلمون بالعيش والحرية في وطن لم يعودوا يشعرون تجاهه بأي قدر من الانتماء الحقيقي.

يقيناً لن يستطيع "شتاينجارت" وحده الإجابة على تساؤلات باتت تهدد أبناء هذا الكوكب المتصدع في الصميم، لكنه استطاع بجرأته المعهودة انتقاد الحلم الأمريكي بعدما استحال إلى  كابوس مزعج مكتمل الأركان فى عهد "ترامب" وإدارته. فهى محاولة منه لإطلاق نفير التحذير في وجه القائمين على حياكة سياسة هذا العالم الآخذة في الانحلال والتفسخ والتمركز حول المكاسب المادية والطموحات الاقتصادية حتى وإن خلت هذه الغايات من غطاء أخلاقي وقيمي آخذ فى الانصهار والتحلل.
--------------------
شيرين ماهر