ستة عشر ديوانَا في جُعبة أبرز شاعرات العالم العربي؛ والعديد من الألقاب وأنواط الاستحقاق والشجاعة
سرقوا وطني وقتلوا أهلي وغرَّبوا أسرتي؛ فجنّدتُ شِعري لأدب المقاومة
أمسك تفاحة روحي كيلا أسقط
عشقَتِ العراق حتى صار شهقة روحها؛ فلما بكتْه تبدّل حالها من "نخلة العراق" إلى "تمثال من الحزن"، تمسك تفاحة روحها كي لا تسقط، فالريح تراود تفاح الأرواح - على حد تعبيرها- بَيد أنها ما تزال تمتطي حُلم القصيدة رسولا لوطنها؛ ذلك الذي يليق به الأمل والنهوض من كبوته، حيث ترى الوطن سفينة تخوض غمار طوفان الاحتلال والصراعات الداخلية لتصل للمَرسى مهما واجهت من هيجان وزبد وغث يطفو بلا جذور.
تسألها عن حُلمها تقول العراق؛ وعن تاريخها الإبداعي فتسرد لك تاريخ العراق، وعن مكانتها الأدبية فتحكي لك عن مكانة العراق وحضارته وآدابه، حتى وقر في يقينها أنّ الشِّعر قد اختارها ليكون الهدهد الأمين على توصيل رسالة عشق وتحدٍ لتجاوز الإحباط والقنوط وترميم الواقع الذي آل إليه وطنها.
"المشهد" تلتقي بالشاعرة الماجدة "ساجدة الموسوي"؛ التي أبدعت في أدب المقاومة؛ لكنها أخرجتها في ثياب الحسن والدلال الذي يليق بامرأة، فكانت عناوين بعض دواوينها: طفلة النخيل؛ عند نبع القمر؛ هديل اليمام؛ شهقات؛ قل للغريبة؛ موقنة أنها عائدة لوطن النوارس وبسمة الأطفال.. مرددةً: غصن عمري التوى على نخلة في العراق.. فإن شاءت الريح أن نفترق لنفترق.. غير أنّي أموتُ ويبقى العراق.
*كثيرون يرشحونك وبقوة للعالمية، فهل ترين الطريق مُعبّدًا في المشهد العربي الحالي؟
- بدايةً لم يصل أديب ولا شاعر للعالمية دون أن يكون مخلصًا لمحليته؛ فالمتنبي وحمزاتوف الداغستاني ونجيب محفوظ وماركيز وشكسبير لم يخرجوا أبدًا مِن عباءة المحلية التي ارتقتْ بهم ليحلقوا فوق صهوة العالَمية، لذلك فلتأت العالمية لي أوِ لا تأتي؛ فما يهمني وطني العراق؛ وعودة الصف العربي بأي شكل وعلى أية صورة.
القرن الماضي حقيقة كان يعج بالقمم الثقافية والإبداعية؛ أما الآن أجد عددًا محدودًا من الشعراء - على وجه الخصوص- يشق طريقه بصعوبة بالغة وسط ركام مِن مُدَّعي الإبداع وتلال من الكتب التي تدَّعي الأدب، والسبب يعود لحال الوهن العربي الذي نحياه؛ وتراجُع مستوى التعليم؛ ومأزق اللغة العربية الذي نعانيه، والمشهد العربي الذي بات مسرحًا مهيئًا لتمرير أفكار وسموم الطرف الآخر (القوى الاستعمارية) وبذلك تنطمس الهوية العربية رويدًا رويدًا، أضيفي لذلك الاهتمام بالشأن السياسي على حساب الشأن الثقافي، دون أنْ نعي أنَّ "العتاد" الثقافي وسيلة للانتصار على الفقر والجهل والتخلف؛ ولا يقل اهمية عن العتاد العسكري، فحاجتنا للثقافة لا تقل عن حاجتنا للمدفع والصاروخ.
* فزتِ بلقب واحدة من أبرز ست شاعرات بعالمنا العربي؛ وتم منحكِ ألقابًا عدة منها: نخلة العراق.. النجمة السادسة.. شاعرة الشتات.. تمثال من الحزن.. الماجدة الأصيلة.. شاعرة أم المعارك؛ فما حكايتك مع الألقاب؟
- في العام 1991 كنتُ بلندن في رحلة علاجية لزوجي وابنتي؛ وسمعت المذيعة البريطانية تقولك (لقد كُسر ظهر العراق) عندما قصفت أمريكا الجسر العراقي الشهير، لم أنم ليلتها من الوجع؛ وكتبتُ قصيدتي: "قمر على جسر معلق" ولما تعِب ظهري افترشتُ الأرض حتى أنهيتها، مؤمنة أن الجسر الحقيقي لا تستطيع أمريكا أن تكسره وهو جسر المحبة بين العراقيين، وأرسلتُ قصيدتي لصدام حسين فمنحني لقب "شاعرة أم المعارك"، ومن قبلها كان يلقبني بـ "الماجدة الأصيلة" و"النجمة السادسة"،وقد تحققت أمنيتي واستطاع العراق إعادة بناء الجسر ثانية من طابقين بدلا من طابق واحد كما كان في السابق، وقد دعاني وطني لحضور الافتتاح، وألقيت قصيدتي تلك من فوق الجسر ذاته.. أما الشاعر فاروق شوشة فهو الذي أطلق عليّ لقب" شاعرة الشتات العراقي"، كما منحتني المقاومة العراقية لقب "نخلة العراق" حين انتشرت قصائدي المقاوِمة للاحتلال الأمريكي للعراق.
* "ليلة شوق" قصيدة تعتزين بها؛ فما السبب؟
- كنت بلندن عام 1991 عندما قامت قوات التحالف بضرب العراق بالصواريخ، على مدى أربعين يومًا! وانقطع الاتصال بالعراق، كتبتُ أبثُّ وطني شوقًا:
فوق مياه البحر الصامت
أبحثُ عن باخرة أو زورق
يوصلني لبلادي
عند مطار أغلقه الحراس بوجهي
وجوازٍ صار مريبًا
أبحثُ عن طائرة تقلع بي لسماء بلادي
فوق تخوم الأرض الباردة السكرى
أبحثُ عن دربٍ يوصلني لبلادي
أو كيف انسدّت في وجهي كل الأبواب!
كيف اخترعوا لعذابي كل الأسباب!
أصرخ: يا بغداد
فلا صوتًا يأتي أو ريح جواب
أصرخ: يا بغداد
يفيض الدع تغض به الأهداب
بغدادُ...
خطاي تحنُّ
وقلبي مجنونٌ يهذي
في ليلة شوقٍ
آهٍ من يسمعُ؟ من يسمعُ؟
من يا بغداد؟
*ماذا تعني لكِ الحرب؟
- نهر من الدماء يختلط بدموع الأمهات، ونايات حزينة تئن، ومنفيون؛ ولاجئون؛ وأيتام؛ وخيام، وأرامل؛ وجرحى ومعاقون تلتهمهم أفعى خرافية بعِدة رؤوس، تلد الأحزان والظلام والفقر والجهل والعمى.
الحرب سرقتْ مني الوطن والأمان، شردتْ بعض أفراد أسرتي، اُختطف أخي، وقُتل اثنان من أولاد إخوتي والكثير من أقاربي، وكل ذلك كان أكبر معين لتجربتي الشِعرية فكان جُله في أدب الاغتراب والمقاومة.
الحرب أذاقتني الاغتراب مذ نحو عشرين عامًا؛ تنّقلتُ ما بين لندن وسوريا وتونس وليبيا وأخيرًا الإمارات التي أعيش الأمان فيها؛ لكن فجيعتي ووجعي على وطني لا ينتهي.
*تُرجمت قصائدك لست لغات؛ فما أجمل ما كتبته في العراق؟
بل ساسرد عليك أجمل ما في العراق: وطني بلد الخصب والنماء، بلد كلكامش وأنخدوانا وأنكيدو وسنحاريب وحمورابي وجناين بابل المعلقة، وطني وطن الشّعر والنخيل وشط العرب والفراتين، بلد الفنون والآداب، وأرض السواد لكثرة نخيله وشجره، أرض الأنبياء آدم وإبراهيم وهود وصالح وأيوب وأولياء الله الصالحين.
العراق زهو التاريخ والخلافة العباسية ودار المأمون والرشيد والعلماء والفلاسفة الكبار، موطن المتنبي والزهاوي والرصافي والجواهري والسياب ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وعمالقة الأدب والشعر، بغداد حُلم الشعراء وجنّة العلماء والأدباء.
حتى بعد الحرب وطني جعل المبدعين فلاسفة ، والعارف مريد لأنّا صرنا أصحاب رسالة وقصة ذات بُعد وجداني إنساني... هل هناك قصيدة تُكتب أجمل من حكاية وطني؟!
إمسك تفاحة روحكَ كي لا تسقط
فالريح تراود تفاح الأرواح
مِن آدم حتى نيوتن
تتوارد أسئلة التفاح
وسقوط إثر سقوطٍ
لا يهدأ أو يرتاح
دول كبرى سقطت
ودماء سقطت
أعلام سقطت
أسماء سقطت
أحلام سقطت
لم يسأل أحدٌ
والدنيا بين غدوٍّ ورواح
إمسك تفاحة روحك كي لا تسقط
إمسك روحك.. أرضك.. قلبك
إمسك وطنك..
في زمن الحاسوب هناك جيوش من الأشباح
مَن يطعمها.. مَن يدعمها؟
لا تدري، فلسفة أخرى
والدنيا تجري هي الأخرى
لا تدري أين البابُ وأين المفتاح
الدنيا تعتمُ.. تعتمُ
والكل بلا استثناء
يبحثُ عن مصباح.
-----------------
حوار: حورية عبيدة
من المشهد الأسبوعي