01 - 11 - 2024

فني إخلاص

فني إخلاص

"دينامو"، كان اسمه قبل الثورة: محمد سيد. شخص مخلص لكل من يقابلهم ويصدقهم لدرجة انه -صباح يوم ما- شارك في مظاهرة ضد القضاة أثناء خلافهم مع المحامين، ومساء نفس اليوم أقنعه صديق له "يثق به ويصدقه" بأن الحق مع القضاة فشارك في تظاهرتهم ضد المحامين.

"دينامو"، فني حاجات كتير (شبكات – كاميرات – تصوير – إعلام ...الخ )، برع فيها جميعا، لكنه أكثر براعة في الإخلاص

يسعى -منذ عرفته- لوظيفة مواطن مصري بيحب كل الناس اللي حواليه، وعايز يعيش كويس، ويشوف كل الناس مبسوطين. عنده استعداد يعمل أي حاجة عشان يشوف مصر حرة بجد ديمقراطية بجد.

.............

اتعرفت عليه على قهوة في البورصة صيف 2010. رافقني في ثاني تنظيم سري أنتمي إليه في حياتي (مجموعة الستة)، والذي كان تنظيما فاشلا بكل المقاييس. لم ينجز شيئا، باستثناء ما أنجزه اثنين من أعضائه بالتهجم لفظيا على الشاعر "عبد الرحمن يوسف" -الذي كان مقررا لحملة البرادعي وقتها- بسبب إصراره على رفض مشاركة الحملة في المظاهرات، لأنه يعتقد أن الثورة لن تقوم إلا حينما ينزل في الشارع أكثر من 50 ألف واحد.

-  هو الناس لو ناوية تنزل بجد هاتيجي تبلغ حضرتك ان 50 ألف واحد منهم ناويين ينزلوا بكرة.

المهم؛ لم نستكمل نشاطنا في حملة البرادعي، وهجر "دينامو" التنظيم إلى تنظيمات أخرى علنية بذلت الكثير من أجل كنس عفن مبارك ونظامه  ... وكان الشئ الوحيد الذي قد يحسب لهذا التنظيم (مجموعة الستة)، أنه واحد من مئات التنظيمات السرية التي نشأت في مصر في ذلك الحين. وقد كان ذلك حسنًا.

.....

اندمج "دينامو" مع كل الحركات السياسية القائمة في ذلك الحين. لم يتوان عن التفاعل مع حركة ما، بغض النظر عن أيديولوجيتها. واستمر تفاعله مع أغلب التيارات حتى بزغ عصر 25يناير ليكتشف أنه مالك موتوسيكل .. يقوده بحرفنة .. ماذا يمكن أن يفعل به؟ .. لم يرشده أحد، بل هدته بصيرته وإحساسه، وإخلاصه الفطري لدور مؤثر في الثورة.

...

بالمكنة (الموتوسيكل) الذي يمتلكه، استطاع "دينامو" إنقاذ حياة كثيرين لا يعرفهم، ولا يعرفونه.

.....

قابلته كتيرا في الميدان أيام الثورة، مرة منهم كانت في أحداث محمد محمود الأولى. كنت طيلة تلك الليلة، أحاول إقناع من أعرفهم بأنه لا جدوى من محاولة الهجوم على وزارة الداخلية، في الوقت الذي كنت ألمح فيه "دينامو" من وقت لآخر، طائرًا بماكينته، يحمل أناسا يتزينون باللون الأحمر، وأيا كانت ألوان أزيائهم ، لم يكن يزينهم سوى اللون الأحمر (الدماء)، على قمصانهم، بنطلوناتهم ، أو حتى ألبستهم الداخلية.

......

وفي النهاية استسلمت وعدت إلى الكعكة الحجرية وسط الميدان، جالسا، أدخن، أشرب شاي. ثم كان ضوء الصباح قد بدأ يلقي بظلاله على الدماء ليجعلها أقله قتامة .. ولمحت "دينامو" فوق ماكينته، يتحرك بهدوء، فناديت عليه، تحاورنا قليلا ونصحته بالعودة لمنزله ليستريح قليلا، لربما تستمر الموقعة لأيام، وعليه أن يحتفظ ببعض طاقته لأيام تالية. اقتنع برأيي، وكان على وشك الرحيل حينما دوى بالميدان صوت رجل ينادي:     

-عايزين حد يجيبلنا الدوا دا .. عايزين حد يجيبلنا الدوا دا

وفي لمح البصر كان "دينامو" قد طار بماكينته ناحية الرجل وسأله الركوب خلفه، وانطلق طائرا ناحية "باب اللوق"، بحثا عن الدواء والمدد.

......

مدد يا سيدنا الميدان .. مدد

مقالات اخرى للكاتب

مينا بيشتغلني