خبراء يطالبون بدعم الطبقة المتوسطة وتسعيرة موحدة للرقابة على الأسواق
- كريم عادل: مصر تحتل المركز الثالث عالمياً من حيث معدلات النمو الاقتصادي
- سعيد الفقي: نتائج الإصلاح لا تظهر بين يوم وليلة وتحتاج فترة زمنية لقطف الثمار
- وليد جاب الله: مصر بحاجة إلى حوار مجتمعي للتأسيس لعقد إجتماعي جديد
- محمد جاب الله: ارتفاع الضرائب وراء عدم احساس المواطن بالتحسن الاقتصادي
- محمد راشد: الطبقة المتوسطة الأكثر تضرراً بالاصلاحات وتحتاج إلى مساندة خلال الفترة المقبلة
- سيد قاسم: المواطن البسيط تحمل تبعات الاصلاح و" قطف الثمار" قريباً
كثرت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية التي تتحدث عن تحقيق الاقتصاد المصري لنتائج جيدة على صعيد برنامج الاصلاح الذي وقعته مصر قبل 4 سنوات مع صندوق النقد الدولي، مقابل حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار، لكن في المقابل لا يلمس المواطن المصري نتائج هذه الاصلاحات على أرض الواقع إذ لا تزال أسعار العديد من السلع عند أعلى مستوياتها، كما أن أسعار الطاقة بكافة مشتقاتها باتت فوق طاقة الجميع.
وعلى أرض الواقع، يتساءل المصريون مع كل حديث عن نتائج غير مسبوقة لبرنامج الإصلاج الاقتصادي عن حقيقة ذلك على أسعار السلع وعلى معيشة المواطنين، إذ يعاني أكثر من ثلث المصريين أي واحد من كل ثلاثة مصريين من الفقر، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
يقول خبراء اقتصاديون لـ" المشهد" إن المواطن المصري هو من دفع فاتورة الإصلاح الإقتصادى، وأنه سيجنى ثمار ذلك خلال الفترة المقبلة، خاصةً، وأن هناك بالفعل منتجات وسلع سجلت تراجعاً في أسعارها في الأسواق.
ويسشهدون بالتقارير الدولية التي تتحدث عن تقدم اقتصادي في مصر، تؤكده مؤشرات عدة منها تراجع معدل البطالة الى أدنى مستوياته، وإنخفاض معدل التضخم، وإرتفاع معدل النمو وإحتلاله المرتبه الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وإرتفاع الإحتياطي النقدى الى أعلي مستوياته.
ويطالب الخبراء بإيجاد رقابة حقيقية على الأسواق والتجار، وأن يتم وضع تسعيرة موحدة، لكافة المنتجات الغذائية وكل مايحتاجه المواطن البسيط.
مؤشرات ايجابية
يقول الدكتور كريم عادل مدير مركز العدل للدراسات الإقتصادية والإستراتيجية، إن مصر حققت مؤشرات اقتصادية جيدة حازت على اشادة من كل من صندوق النقد والبنك الدوليين وكبرى المؤسسات المالية العالمية؛ إذ احتلت مصر المركز الثالث عالمياً من حيث معدل النمو البالغ 5.6%، في وقت تشهد الاقتصاديات الكبرى تباطؤاً في معدلات النمو، وفيما يتعلق بسوق العمل والبطالة، يُعد مٌعدل البطالة في مصر أفضل من نظيره في دول المُقارنة، إذ انخفض إلى 7.5% في الربع الرابع من عام 2018/2019 مُقارنة مع 9.9% في الربع المناظر من العام السابق.
وعلى المستوى الاجتماعي كما يضيف، نجحت الحكومة في تنفيذ مبادرة حياة كريمة، وتنفيذ عدد من المشروعات في قطاعات الإسكان، والنقل، والتعليم، والتنمية المحلية، والري في العديد من المحافظات، كما تراجع معدل التضخم إلى 4.3% لشهر سبتمبر 2019، مٌقابل 15.4% لذات الشهر من العام السابق، إذ انخفضت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 7.5%، والفاكهة بنسبة 4.3%، والخضراوات بنسبة 0.7%.
وتعكس هذه المؤشرات مدى تحسن أداء الاقتصاد المصري، وأن الحكومة تبذل المزيد من الجهد لاستمرار تحقيق هذه المعدلات وزيادة التحسن في المؤشرات الاقتصادية، بما يعود بالنفع على المواطنين.
ويتفق الدكتور سعيد الفقي الخبير الإقتصادى، مع كريم في أن المؤشرات الاقتصادية كافة تؤكد على أن مصر تشهد تحسناً إقتصادياً على صعيد خفض معدلات التضخم والبطالة ورفع معدل النمو إلى أعلى مستوياته.
ويضيف أن منظومة الإصلاح الإقتصادى جرت بسرعة كبيرة وبالضغط على الشعب الذي تحمل الأعباء الإقتصادية إذ ارتفعت أسعار السلع كافة، وتحمل المواطن البسيط تبعات الاصلاح الاقتصادي ، لكن في المقابل لا يمكن إنكار أنه تم إقامة بنية أساسية جيدة، وتوفير أرض خصبة للإستثمار.
والمؤكد أن نتائج الإصلاح الإقتصادى لا يمكن أن تظهر بين يوم وليلة، فهى تحتاج الى فترات زمنية طويلة حتى نستطيع قطف ثمارها، وإن كانت الفترة الأخيرة بدأت تظهر بعض البوادر إذ يشعر المواطن بتراجع أسعار العديد من السلع مثل اللحوم والدواجن والسكر والمكرونة، وإن كانت الأسعار لا تزال مرتفعة على المواطن الفقير.
لذلك يدعو الفقي إلى تشديد الرقابة على الأسواق والتجار من خلال إيجاد تسعيرة موحدة للمواد الغذائية حتى يستفيد المواطن من التحسن الإقتصادى، وما لم يحدث ذلك سيكون التاجر هو المستفيد الوحيد.
مساندة اجتماعية
ويرى وليد هلال مدير شركة ميجا انفستمنت لتداول الأوراق المالية، أن خطة الإصلاح الاقتصادي إعتمدت بشكل كبير على رفع أسعار الطاقة (كهرباء ومياه وغاز)، بالاضافة الى تقليص الدعم عن الوقود، ووصوله الى سعر السوق العالمى، مما كان له أثره الايجابي على الاقتصاد الكلى.
ومن المتوقع كما يضيف أن يصل معدل النمو الإقتصادي إلى 6% خلال العام المالي المقبل، بفعل الإصلاحات الإقتصادية المستمرة، وتحسن بيئة الاستثمار، ويكون مدعوماً بتعافي الإستهلاك والتصدير، كما من المتوقع وفقاً للبنك الدولي أن يصل معدل التضخم إلى 10% عام 2020 مقارنة بـ 13,9% عام 2018/2019
ومن جانبه، يرى الدكتور وليد جاب الله خبير التشريعات الإقتصادية، أن الشعور بنتائج الإصلاح الاقتصادي مسألة نسبية، تفتقد لمعيار محدد، إذ يمكن أن يشعر انسان بالقليل ولا يشعر أخر بالكثير، لكن هناك حقيقة وهى أن الدولة نفذت برنامجها للاصلاح الإقتصادي مدعومة بمساندة إجتماعية، إذ جرى مد تغطية برنامج الدعم النقدي تكافل وكرامة إلى 3,2 مليون أسرة لأكثر من 14 مليون مواطن بتكلفة نحو 18,5 مليار جنيه، كما جرى رفع الحد الأدنى للمعاش إلى 900 جنية، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ألفي جنيه، وزيادة مُخصصات دعم التموين إلى 89 مليار جنيه من 35,5 مليار جنيه.
ومع الاعتراف بهذه النتائج الايجابية، إلا أنه يجب على الحكومة أن تعمل على تلبية أكبر قدر من الإشباع لحاجات المواطن، بعدما تحسنت قُدرات الدولة بنجاح برنامج الإصلاح الإقتصادي، ذلك أننا بحاجة إلى خلق حالة من الحوار المجتمعي، للتأسيس لعقد إجتماعي جديد يٌحدد العلاقة بين المواطن والدولة، وينظم دور الفرد والأسرة والحكومة، من أجل خلق معيار مُحدد للنجاح.
ويرى الدكتور محمد جاب الله خبير أسواق المال، ورئيس قطاع تنميه الأعمال، والإستراتيجيات بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية، أن التحسن الذي يشهده الاقتصاد المصري لم يمتد إلى جيب المواطن، والسبب يعود إلى ارتفاع الضرائب، وإلى أن الإستثمار المباشر لم يؤت ثماره حتى هذه اللحظة، وهو الأهم حالياً بهدف خلق فرص عمل جديدة، وإرتفاع الأجور مما سيؤدى الى التحسن المطلوب فى معيشة المواطن.
ويضيف:" هى معادلة صعبة، ولكن الصبر مطلوب، ولا يمكن أن ننكر أن المواطن المصرى دفع فاتورة الإصلاح الإقتصادى جميعها، لكن المؤشرات حالياً تؤكد ان المواطن سيجنى ثمار الإستثمار قريباً".
دعم الطبقة المتوسطة
ويؤكد الدكتور محمد راشد المدرس بكلية السياسة والإقتصاد جامعة بنى سويف، أن الحكومة نجحت بشكل كبير فى إدارة ملف البرنامج الإقتصادي، على الرغم من الآثار الجانبية السلبية على معيشة المواطنين التى يتعين العمل على إحتوائها الفترة القادمة.
ويشير إلى رفع مؤسسات التصنيف الدولية للتصنيف الائتمانى لمصر إلى B+ بنظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يرفع درجة ثقة المستثمرين فى الإقتصاد المصرى، ويجعله قبلة لتدفقات رؤوس الأموال، كما أن التحسن فى التصنيف الائتماني يمكن الحكومة من الإقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة أقل، مما يخفض تكلفة تمويل عجز الموازنة، كما يمكن ذلك أيضا من إستبدال القروض الأعلى تكلفة بقروض أخرى أقل تكلفة، مما يدعم استدامة الدين العام، من خلال خفض أعباء خدمة الدين.
ويوضح أن الاقتصاد المصرى هو ثالث أكثر الاقتصادات نمواً بعد الصين، والهند العام الماضى وفقاً لصحيفة الإيكونوميست، بعد تحقيق معدل نمو قدره 5.6%، وقادت هذه المعدلات إلى تراجع معدلات البطالة لنحو 7.5%، جراء تنامى الاستثمارات العامة والخاصة، كما تراجعت معدلات التضخم لتصل الشهر الماضى دون 5%.
غير أنه راشد يقول أن الإجراءات القاسية التى صاحبت برنامج الإصلاح الاقتصادي، أثرت بالسلب على القوة الشرائية والتكاليف المعيشية للطبقات الدنيا وحتى على الطبقات المتوسطة التي تأثرت بشكل أكبر، بسبب محدودية الإجراءات، والسياسات التعويضية الموجهة للطبقة المتوسطة للتخفيف من وطأة الآثار الإصلاحية مثلما حدث مع الطبقات الدنيا التى يوجه إليها غالبية محفظة الدعم، وزادت مخصصاتها مؤخرا للتخفيف من وطأة الآثار الإصلاحية من خلال ارتفاع دعم السلع التموينية وبرنامج تكافل وكرامة، والذى أصبح يغطى نحو 3 ملايين أسرة بمخصصات تقترب من 20 مليار جنيه.
ويطالب بضرورة توجيه وتسخير السياسات الاقتصادية لدعم الطبقة المتوسطة باعتبارها رمانة الميزان للمجتمع، على أن يتواكب ذلك مع تواصل قدرة وفاعلية الاقتصاد على توليد فرص العمل.
ويتابع أنه إذا كانت معدلات النمو الاقتصادى شرطاً ضرورياً لارتفاع متوسط دخل الفرد، فإنها غير كافية لشعور أغلبية المواطنين بثمار النمو، إلا من خلال المزيد من فتح قنوات توزيع الدخل، وتحقيق العدالة التوزيعية من خلال نظام ضريبى وشرائح ضريبية تصاعدية، باعتبارها الأكثر عدالة لتحمل الأثرياء القدر الأكبر من التمويل الضريبى، لصالح الطبقات الأقل ،بحيث تضمن توافر التمويل اللازم لدعم الطبقات الأخرى، وهو ما يعضد مسار العدالة الاجتماعية.
وهذا هو ما سينعكس مع الوقت وبشكل تدريجي، على شعور المواطن بثمار الإصلاح الاقتصادي، وبالتالى فإن نجاح الحكومة فى احتواء الآثار الجانبية للإصلاح الاقتصادى الفترة القادمة، بعد إدارتها الناجحة للملف الاقتصادي، سيجعل المواطن يشعر بالفعل بثمار الاصلاح الاقتصادي.
برنامج شاق
ومن جانبه، يصف الدكتور سيد قاسم، إستشارى الصحة المالية وتطوير الأعمال، برنامج الإصلاح الإقتصادى التى تنتهجه الحكومة بالاستراتيجي، ويضيف أنه يتكون من عدة مراحل متتالية، وبدأ بتحرير سعر الصرف في عام 2016، ثم جاءت المرحلة التالية والتي اثببت المؤشرات الدولية انها سجلت تحسناً خلال الفترة من 2014 الى 2019، إذ شهدت مصر تحسناً إيجابياً بمؤشر التنافسية العالمية، حيث حسنت مصر من قدرتها التنافسية خلال المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الإقتصادي أكثر من 60 مؤشراً من أصل 103 مؤشرات تقاس بها فى تقرير المنافسة العالمية، وهناك أهمية كبيرة لمواجهة التحول الهيكلي لخلق بيئة أعمال موازية للمنافسة من خلال إصلاح المناخ المالى والمؤسسى.
ويؤكد أن برنامج الإصلاح الإقتصادى كان شاقاً للغاية، وبالأخص على المواطن البسيط، لكن يجب على الجميع أن يعلم أن برنامج الإصلاح الإقتصادى ذو هدف إستراتيجي، وأن تأثير نجاح كل مرحلة ينعكس على قطاعات بعينها وعلى سبيل المثال قطاع الصحة، إذ شاهد المواطن البسيط عدة مبادرات من الدولة منها مبادرة 100 مليون صحة وغيرها، وعلى القطاع الصناعى، شاهد العالم بأكمله الطفرة الصناعية الذى إنفردت بها مصر وأثرت على إنخفاض معدل البطالة وكذلك تراجع معدل التضخم.
وفي رأي الصحفى المتخصص فى الشأن الإقتصادى محمد فضل، أن لا أحد خلال مراحل البناء يشعر بالتحسن الملموس، لكن القرارات الإقتصادية الأخيره نقلت مصر من موضعها النظري علي خريطة العالم الإستثمارية، الي الموضع العملي والتنفيذي.
ويضيف:" مصر اليوم تمتلك بنيه تحتية ولوجستية قادرة علي الصمود لوقت طويل ، بعدما عانت مصر قرابة 30عاماً من إهمال البنية التحتية والتوسعية، لذلك أصبحت الدولة قادرة اليوم علي شراكات صناعية ضخمة، وإستقبال الشركات الكبري في العالم، ومع الضوابط، والقوانين الجديدة، تكون مصر مقصداً إستثمارياً جيداً للمستثمرين.
والمؤكد أن كاقة المؤشرات تعكس تحسناً فعلياً في الإقتصاد، والخبراء ويقر صانعو السياسات الإقتصادية في العالم بتحسن مناخ مصر الإقتصادي ، والمؤشرات تدل علي ذلك بدليل تراجع معدلات البطالة إلى أقل من 7.5٪ خلال العام الجاري، ويقارب معدل النمو الإقتصادي من 5.8%، كما أن هناك التصنيفات التي تؤكد علي إستقرار وتحسن الإقتصاد المصري، مثل تصنيفات وكالتي "موديز ، وفيتش، في حين يوجد تباطؤ في نمو الإقتصاد العالمي.
وبحسب فضل فإن الشعب لن يشعر بالتحسن حالياً طالما أن البلاد لا تزال تسير في مرحلة البناء الإقتصادي، لكن مصر دخلت عصرا اقتصاديا جديدا، قادرة فيه علي المنافسة مع من حولها، بل وتتفوق بعاملي الأمان، وقلة التكلفة، وهي أهم عوامل جذب الإستثمار الخارجي.
---------------------
تحقيق- بسمة رمضان