29 - 03 - 2024

فانتازيا الرحلة

فانتازيا الرحلة

عجباً لهذا القطار الذي يُشبه حياتنا لدرجة غريبة ، تُبهرني تفاصيله و تشابهها مع ما نقابله في دنيانا، نسيج يتشابك لينتج عنه صورة لحياتنا مُتمثلة في أسوار ونوافذ، أرصِفة وقُضبان، أنفاق وسلالم , وجوه ووِجهات، أشياء تباع بداخله وشخصيات لا تتضح إلا بداخله، فالمترو يُمثل فانتازيا الحياة فهو رحلة إما أن تعيشها أو أن تعيشك. لكل إنسان فى المترو رحلة مختلفة، تشعر أنها ليس لها خريطة.

هذه العبارات تذكرتها وبتصرف من كتاب عن عالم القطارات و أنا فى القاهرة لبعض الأعمال التى تتطلب تواجدى هناك و التى أحب فيها استخدام  مترو الأنفاق وركوب عربة السيدات التى أشعر فيها بشئ من الأمان و الخصوصية ...  عالم ترى و تسمع فيه أشياء عجيبة .خاصة فى عالم البيع والشراء !!!

ليه ترجع فاضى ما دام تقدر تهادى

كورة لحمادة وواحدة لميادة

معايا الإيشارب اللى بيتباع ب 25 و 30 هنا ب 10 جنيه و بس

اشحن وسيطر

بص بص بص ... سعر حاجاتنا النص

خد فكرة واشترى بكرة

كوميديا وفانتازيا النداءات الموزونة : بلاغة في العبارات المرتجلة، وفلكلور شعبي معظمه يلفت نظرك و بعضه غريب تضحك منه ، لكنه فى النهاية يجذبك.

كل هذه النداءات تشترك جميعاً فى استغلال الطاقات الفنية للبائع نغماً وبلاغة،واللعب على أوتار قلوب الناس بطرق مختلفة لتشجيعهم على الشراء فمثلا فتاة جميلة تلبس بشياكة  كانت تقول :

بديهات..شرابات..اكسسوارات..قلم كحل.. روج .أرجوكم اشتروا منى علشان أعيش بالحلال .. مش عاوزة أنحرف !!!.

عالم المترو والوجوه فيه لها حكايات و عالم البائعات أشد عجبا فعلا شعرت أنه فانتازيا الحياة .

عالم يجعلك تفكر أهم ضحايا أم جناة ؟؟؟!!!!

عالم غريب ... يشدك ويدهشك .... تختلف نظراتك اليه ...ما بين الشفقة .. والحذر ... و التعجب ... و الضيق ...والرغبة فى الشراء وعموما اللى ما يشترى أهو بيتفرج .

ظاهرة الباعة الجائلين ليست في مصر وحدها، بل بطول الكرة الأرضية وعرضها تجدها في شوارع بومباى وتايلاند وروما وغيرها. و لكن ظاهرة البيع داخل المترو قد تختص و تنفرد بها مصر .

وفى الآونة الأخيرة  بدأت المطاردات لهؤلاء الباعة و بدأت شرطة النقل فى التضييق عليهم والقانون يجرم البيع في وسائل المواصلات لأنها تمثل أعتداء على حريات الآخرين.

حينما تقرأ عن الظاهرة والتى تتناولها  الصحف بكثرة تتحامل على الباعة فى المترو بشدة وعندما تراهم  بنظرة المتفرج والمتابع فى المترو تشعر بتضارب فى مشاعرك نحوهم ، وعندما تترك المترو مغادرا و تفكر وتقول أن حل هذه المشكلة  ليس  فى بترها مرة واحدة والقضاء عليها  و خاصة بعد تركها لزمن فتفاقمت ، ولكن دراسة هذه الظاهرة و مراعاة أطرافها جميعا ووضع الحلول. قد يكون أحد الحلول اعتماد بعض الباعة بلبس مميز فرعونى أو شعبى ويكون له ركنة داخل المترو يبيع فيها  بعض الحلويات أوبعض العاديات للسياح فى حالة انتعاش السياحة مرة أخرى  نظير مبلغ يدفعه البائع ....و يواكب ذلك  دراسة استثمار المترو سياحيا بالإعلانات داخل المحطات وعلى عربات المترو وبذلك يكون مصدر دخل وفائدة .

أتمنى من كل مسؤؤل أوصاحب قرار التركيز ووضع حلول بديلة من الممكن أن تعود بالفائدة على الباعة والركاب ومصر كلها .

المهم كل من يفكر فى الخير للناس و لمصر لابد أن يعرف أن لكل شيء ثمن، فإذا أردنا الترحال والترحل عما نحن فيه وعن مشاكلنا  لا بد أن ندفع ثمن وصولنا للجهة الأخرى من الرحلة .

فارتباطنا بهدف وغاية ورغبة فى التغيير بإخلاص سيجعلنا نمر بثقة من خلال كل هذه الأنفاق لنصل للنور

المهم أن يكون هدفنا هو الوصول للنور.

##

مقالات اخرى للكاتب

فانتازيا الرحلة





اعلان