09 - 05 - 2025

الشرط الأساسي للنجاح في إفشال صفقة القرن

الشرط الأساسي للنجاح في إفشال صفقة القرن

الرئيس الاميركي دونالد ترامب أعلن عن هويته ولونه وأهدافه منذ حملته الانتخابية الأولى  (2015)، فقد قال بالحرف: "سأثبت أن لا رئيس اميركي خدم اسرائيل وساندها كما سأفعل وسوف أبرهن عن ذلك وسأفعل مالا يحلم الاسرائيليون بفعله"، ولم ينكث ترامب بتعهداته ووعوده وانهال على الشرق الأوسط بقرارات وإملاءات تخدم هذه الأهداف، ولا تخدم غيرها بمافي ذلك مصالح الولايات المتحدة الأميركية على المدى البعيد والمتوسط .

ويظن كثيرون أنه فعل ذلك طلبا لدعم أصوات اليهود الأميركيين، والحقيقة أن ترامب فعل ذلك لأنه مكلف به وليس طمعا بمزيد من أصوات اليهود، فاللعبة الصهيونية هي لعبة ادخال ترامب البيت الأبيض لتنفيذ ماهو مطلوب منه صهيونيا، ومواجهة ترامب وقراراته بشأن فلسطين لايمكن أن تتم بمعزل عن المواجهة الدولية لسياسات ترامب العدوانية، والتي تحاول أن تحفظ للولايات المتحدة تحكمها بالقرار الدولي، وأن تبقي العالم قائما على تحكم دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة .

والمواجهة لايمكن أن تتم بمعزل عن ربط القضايا الاقليمية الساخنة بالحرب الدائرة لمنع بقاء العالم ضحية قرار دولة واحدة هي الولايات المتحدة .

وعلى مدى السنوات الثلاث التي تربع خلالها ترامب على عرش البيت الأبيض لم يتردد في اتخاذ قرارات شن من خلالها حربا سياسية واقتصادية وشبه عسكرية أبقت العالم في حالة التأهب لحرب لا يعرف متى يشنها ترامب عسكريا، ولذلك اعتبرت الدول الكبرى الاخرى أن العمل لمنع تحكم قوة عظمى واحدة بالقرار الدولي أمر له الأولوية لأن الانتصار فيها سوف يضع سدا أمام غطرسة العنصرية البيضاء وغطرسة الصهيونية الاجرامية.

قمة روسيا والصين التي عقدت الاسبوع الماضي لم تكن الخطوة الأولى على هذا الطريق، بل كانت نتيجة تراكم كمي من نوع المواجهات في أكثر من مكان منها القرم وأوكرانيا، ومنها سوريا والعراق وإيران، ومنها فنزويلا وأيضا أوروبا ولو بشكل صغير.

القمة تثبت نهج المواجهة الاقتصادية التي تتضمن الانطلاق نحو "الجيل الخامس"، من الاتصالات ، والجيل الخامس بالنسبة لنا ليس ما يخص الاتصالات فقط بل هو تدشين لسباق في التقدم التكنولوجي الذي يحرم الولايات المتحدة من القدرة على التحكم بموازنة التجارة العالمية والسيطرة على صناعات هامة عبر شركاتها المتداخلة مع شركات الحلفاء وبعض شركات المنافسة، ويعمل معسكر المواجهة العالمية على منافسة الولايات المتحدة في عقر دارها، ونعني بذلك داخل الولايات المتحدة وفي البلدان التي تحكمها أنظمة تخضع كليا للإملاءات الاميركية مثل دول الخليج والجزيرة العربية، فقد فرضت اميركا على هذه الدول التطبيع مع إسرائيل والسير في مخطط لتصفية قضية فلسطين، وتمويل استمرار الحرب على الأرض السورية وفتح معارك جديدة للعراق، والحشد في جبهة الحرب مع إيران وشن حربها على محور المقاومة.

أمام هذه الحقيقة: وهي أن المعركة الساخنة هي التي تدور على الصعيد العالمي بين الولايات المتحدة التي تتحكم بالقرار العالمي وحدها وبين القوى العظمى الاخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا لتحويل القرار الدولي الى قرار مجموعة من الدول الكبرى وليس واشنطن وحدها.

هذه الحقيقة تضع القيادة الفلسطينية أمام مسؤولية تحديد موقفها بالضغط، وكيف تصبح قضية فلسطين جزءا من هذه المعركة لأن النجاح في تثبيت وضع فلسطين ضمن خريطة الصراع الدولي هو أول شرط لإفشال مخطط تصفية قضية فلسطين.

في يالطا.. لم يجد المنتصرون في الحرب العالمية يوما ملفا إسمه استقلال فلسطين، وبقيت فلسطين ملفا بيد الاستعماريين البريطانيين الذين وظفتهم الحركة الصهيونية لتنفيذ وعد بلفور ولم يكن أمام ستالين وجهة نظر اخرى، واليوم نرى احتدام الحرب التجارية والاقتصادية وستصل الى مؤتمر شبيه بمؤتمر يالطا لتتم عملية رسم جديدة للحدود الاقتصادية والتجارية والسياسية بطبيعة الحال في ظل عالم متعدد الرؤوس ولا يخضع لرأس واحدة هي واشنطن، وعندها سيكون ملف فلسطين موجودا ومدعوما من معسكر المواجهة الذي تترأسه روسيا والصين، وتشارك فيه دول اوروبية لها موقف مبدئي من حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة .

هذا الشرط الأساسي.. ضمان لعدم نجاح مخطط ترامب ونتنياهو، ولكن السير حثيثا لاجراء مفاوضات حوله مع الصين وروسيا وأوروبا لايعني أن مهام الشعب الفلسطيني على الأرض لمواجهة المخطط قد انتفت، لا، بل على العكس تماما.

فالموقف الفلسطيني الذي اتخذ بالاجماع الشعبي والفصائلي والرسمي يجب أن يتابع لتأمين اللحم والعضل والعصب لهيكل سليم، وهو الموقف الرافض لمشروع ترامب نتنياهو، الموقف يبقى سليما ولكنه ضعيف إذا لم يسند بعوامل القوة، وعوامل القوة متاحة للسلطة والفصائل وهو التحرك الشعبي ضد الاستيطان ومحاصرة محاولات اسرائيل لمحاصرة مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية.

انظروا لقوة الحركة الشعبية في السودان والجزائر وقريبا في الخليج والعراق، على السلطة أن تعمل بكل طاقة لتأمين هذين العاملين: الانضمام للنادي العالمي لمنع احتكار واشنطن للقرار الدولي، وتأمين عوامل القوة للموقف الفلسطيني الجماعي الرافض لمشروع ترامب نتنياهو.
----------------------
بقلم: بسام أبو شريف*
*المستشار الخاص للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات

        

مقالات اخرى للكاتب

الشرط الأساسي للنجاح في إفشال صفقة القرن