سبق أن كتبنا ثلاث مقالات حول أسباب تعيين نتنياهو لثلاثة ضباط يشكلون "ثلاثيا عنصريا صهيونيا دمويا"، وهم رئيس الأركان ورئيس أمان ورئيس الموساد، وذكرنا أن التعيين جاء خلافا للتقاليد المرعية منذ أيام بن غوريون .
فرئيس الأركان لم يأت عبر تسلسل عسكري في الجيش الإسرائيلي، بل نقل من موقعه كرئيس استخبارات إلى رئاسة الأركان مما أثار حفيظة كبار ضباط الأركان في الجيش الاسرائيلي، وعين تامير هايمن رئيسا للاستخبارات العسكرية وهو على توافق كبير مع رئيسه السابق أبيب، وهو متطرف ودموي يعتبر من أكثر ضباط اسرائيل تتبعا للحرس الثوري الايراني والتطورات الحاصلة على أسلحته.
أما يوسي كوهين – مدير الموساد الجديد أتى به نتنياهو من داخل الموساد، وبدأ نشاطه في الموساد كخبير وباحث في الاتصالات، وعرف طوال الوقت انه " الموديل – وهذا لقبه بسبب اهتمامه الفائق بهندامه وتصفيف شعره وظهوره كعارض أزياء، الا أنه الأبرع في تقصي وملاحقة شبكات الاتصال، وقد طور في مختبرات الموساد برامج اختراق لم يسبقه اليها أحد ونجح في اختراق شبكة الحرس الثوري وحزب الله، وكان هذا سببا رئيسيا لترقيته ثم تكليفه من رئيسه آنذاك "مئير داني"، لقيادة دائرة خاصة لامهمات لديها سوى ملاحقة الشبكات الايرانية وشبكات حزب الله .
وبما أن الولايات المتحدة وحلفاءها صعدوا تهديداتهم بالحرب على إيران، ونسجوا مقومات تحالف بين اسرائيل ودول عربية مجاورة لإيران، فان نتنياهو اختار الثلاثة ليتعاونوا وينسقوا في عمليات ضرب ايران وتوظيف علاقاتهم الخليجية للتجسس عليها مستخدمين برامجهم الماسونية وقرصنتهم وتقدمهم في هذا المجال.
ويهمس موظفو الموساد بأن يوسي كوهين يستخدم في دائرته بعض تطبيقات الجيل الخامس الذي يمكنه من استخدام طاقة الجيل الخامس في الاختراق والتجسس، اذ أن طاقة الجيل الخامس توازي مئة ضعف طاقة الجيل الرابع .
بعد هذا التلخيص لماسبق أن حذرنا منه نأتي لخطاب هايمن "جنرال تامير هايمن"، رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لتفسيره والتقاط المراد منه (بشكل مسؤول وليس بشكل عصابي عنصري) ، لماذا الخطاب حول استراتيجية اسرائيل الآن ؟
هل كان خطاب هايمن ردا على خطاب السيد حسن نصرالله؟
نعم كان بالشكل العام ردا على حزب الله، لكنه أتى ضمن سباق أوسع وهو التحدث عن استراتيجية اسرائيل، وخطابه يتحدث بوضوح عن ساقين لهذه الاستراتيجية الأول: هو تنامي علاقات اسرائيل مع السعودية ودول الخليج مما يشكل قواعد ارتكاز لإسرائيل في حربها المعلنة والدائرة ضديران ومحور المقاومة، أما الساق الاخرى فهي الاعتماد على التفوق اسرائيلي في الجو للحد من تحرك إيران عسكريا على الأرض السورية، والاعتماد على خطة اسرائيل الحرة في توجيه ضربات قاضية لفصائل المقاومة التي تعتبرها اسرائيل الأجنحة المتحركة والفاعلة لإيران في المنطقة .
وتحدث هايمن بإسهاب حول دور القوى في الشرق الأوسط بدءا من روسيا التي تعيد بناء الجيش السوري والتي لاتخطط للرحيل عن سوريا، ومرورا بالتقدم السريع لاستعادة الجيش السوري لعافيته الوجود العسكري الايراني ونهوض داعش في أكثرمن مكان (لكنه كان يعود للقول: ان الأجنحة الفاعلة هي فصائل محور المقاومة، وانها تفعل ذلك بدعم مالي وتسليحي من ايران ) .
وتحدث باسترسال حول غزة وتقديرات أمان ان حماس لاتريد حربا مع اسرائيل، وأشار الى وجود فصائل اخرى تحضر لاشتباك مع اسرائيل، ومنها الجهاد الاسلامي لكنها لاتملك قدرات حماس، وإن كانت تحاول أن تهيء نفسها لتكون قادرة (ولم يأت على ذكر الضفة الغربية والمقاومة فيها)، وهذا ملفت لأنه لم يأت على تحليل الوضع في الضفة كما هي عادتهم فالاسرائيليون يخشون دائما من مقاومة الضفة اذا بدأت، ويقيمون الوضع من هذه الزاوية باستمرار، أراد تامير هايمن أن يقول "دون أن يقول ذلك"، ان اسرائيل تتبع الآن استراتيجية "توجيه الضربات لمحور المقاومة وليس إيران"، لأن الشكل الفاعل لدور "إيران الإرهابي"، هو ماتقوم به فصائل المقاومة بتمويل وتسليح إيرانيين.
وهذا إعلان عن نية اسرائيل تصعيد عملياتها في سوريا ولبنان وفلسطين، وربما العراق وبالتعاون مع القوى التي لعبت دورا أساسيا في تنفيذ المخطط السابق الذي انتهى الى الفشل (داعش – النصرة – عملاء في العراق يظهرون بعد فترة واستخدام المعلومات التي تزودها الموساد وبرامج التجسس في القيام بذلك ) .
هذا هو أهم ما أراد هايمن أن يقوله، أن يعلن للإسرائيليين أن استراتيجية إسرائيل الراهنة هي شن الحرب على محور المقاومة.
وذلك رغم ما أعلنه السيد حسن نصرالله حول قوة الردع التي يملكها حزب الله، بطبيعة الحال كل خطاب من هذا الوزن يستهدف الرأي العام الاسرائيلي أيضا، وهو رفع معنويات الاسرائيليين الذين يشعرون بالقلق، وهذه النقطة مهمة لأن شاشاتنا التلفزيونية تبالغ في تصوير الوضع بإسرائيل وكأن معنويات المجتمع الاسرائيلي منهارة.
يجب ألا نقلل اطلاقا من أهمية واقع الحال في المجتمع الاسرائيلي، فالسائد هو موجة من العنصرية والفاشية والتطرف التي أوصلت هؤلاء العنصريين الى ثقة عمياء بالنفس لاترى ماذا يمكن أن تواجه، ولاشك أن هنالك فئات " أقلية "، تقلق من وجود قوة رادعة لدى حزب الله .
وهذا يملي علينا خطوات لابد من اتخاذها سريعا، فاذا كان محور المقاومة قد امتلك "على سبيل المثال" ، صواريخ دقيقة التهديف علينا ألا نركن الى هذا المستوى فقط ، بل أن نسارع للانتقال للجيل الخامس أيضا، ويجب على غرف العمليات أن تبحث في كل الطرق والسيناريوهات لمفاجأة العدو ومعرفة نقاط ضعفه (وهذا النشاط هو ماتقوم به إيران تجاه القوات الاميركية وأرعب قائد القوات الاميركية في المنطقة الوسطى).
تحدث هايمن عن سوريا وغزة وجنوب لبنان كجبهات قتال! فأين هي جبهاتنا؟
الاستهانة بما يقوله العدو يضر بنا (أخيرا نقول لقنواتنا العربية ان تعليق بعض الاعلاميين الاسرائيليين على القناة الأولى أو 12 أو الثالثة ... هي تعليقات خرجت للتو من مكتب الرقيب الاسرائيلي، وعلينا ألا نبتلع كل مايقولونه وان كان ينتقد هايمن ؟؟!)، فالوقوع في هذا الخطأ خطيئة... ودعونا ننبه: في لبنان الآن مئات من عناصر تعمل للمخابرات الاسرائيلية "لقد سرب ربما عن قصد"، ان اسرائيل تخلصت من عملائها السابقين وأنشأت جيشا جديدا من العملاء، اضافة لذلك ننبه الى أن مئات الأوروبيين يزورون لبنان للتجسس لصالح إسرائيل.
والتنبيه الأكبر هو لقيادات حزب الله والقيادات الوطنية، إذ يجب ألا ننسى (وأن نعرف اذا كنا لانعرف أن الجنرال تامير هايمن)، هو أحد رجالات المخابرات المتحمسين للاغتيالات وعمليات التفجير.
حذار فإن عدونا ماكر، ان ماجاء به تامير هايمن ينبع من خداع جنون العظمة تماما كما تنفخ الضفدع نفسها عندما تواجه خطرا، ومثل هذه الحالات تولد عند أصحابها أحلام يقظة، فيقللون من قوة أعدائهم ويبالغون بقوتهم، وأبلغ دليل قول تامير هايمن بأنه يعرف عن حزب الله أكثر مما يعرف نصرالله، لكن هذا القول يجب أن يؤخذ على محمل الجد فلاشك لدي أن عددا كبيرا من مواقع حزب الله ومرابضه قد تم تصويره من قبل الاسرائيليين، كما لايساورني شك بأن السيد حسن نصرالله يعلم ذلك، لكن المهم هنا أن نأخذ كلام هايمن على محمل الجد وأن نضع نظاما للتغيير الدائم في المواقع بحيث يفاجأ تامير هايمن بأن المواقع التي قصفها هي مواقع تمويهية.
هذا من جانب ، لكن للأمر جانب آخر أكثر أهمية الشيء الذي لايتوقعه تقرير تامير هايمن هو أن تشن المقاومة هجوما دفاعيا، فهو وتقريره وصلا الى خلاصة مفادها أن حماس لاتريد الحرب، وأن الجهاد الاسلامي تريدها لكنها لاتملك القدرة بل تحاول تحضيرها، واعتبر أن اسرائيل بما تعرفه وتملكه من أسلحة قادرة على ضرب حزب الله فيما تضربه من أهداف في سوريا ولبنان.
الجنرال تامير هايمن استند الى تقارير يوسي كوهين – مدير الموساد المتخصص باختراق شبكات الاتصال والقرصنة ويستخدم أجهزة متقدمة قام هو بتطوير بعضها، وهذا يعني أن كمية المعلومات التي تملكها اسرائيل مقلقة، وهذا الافتراض يجعل من خيار المفاجأة التي لايتوقعها تامير هايمن ويوسي كوهين خيارا أفضل، فهو هجوم دفاعي.
نعود لنقول ان وزن الأمور بشكل أدق ضروري، وهو من اختصاص ذوي الاختصاص لكن التدقيق فيما يقوله العدو أساسي، وعدم الوقوع في شباك تعليقات الإعلاميين الإسرائيليين.
---------------------
بقلم: بسام أبو شريف*
* المستشار الخاص للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات