10 - 05 - 2025

الخلافة المتنازع عليها بين “داعش” و”بوكو حرام”

الخلافة المتنازع عليها بين “داعش” و”بوكو حرام”

bokoharam

يبدو أن موجات الخلافة المتلاطمة على ضفاف المنطقتين العربية والإسلامية باتت السمة الرئيسية للمشهد الإسلامي المتوتر في واقعنا المعاصر، فلم يكد ينتهي المرء من اللغط والصخب الكبيرين اللذين أحدثهما إعلان الخلافة الإسلامية في العراق من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”, حتى ظهر إعلان جديد للخلافة ولكن بثوب أفريقي من قِبل أشد الجماعات الإسلامية تطرفا “بوكو حرام” وعبر قائدها النيجيري “أبو بكر شيكاو” لندخل في مشهد آخر ضمن مشاهد الخلافة المتنازع عليها في واقعنا الإسلامي الراهن .

قبل الخوض في جدلية الخلافة وجغرافيتها الجديدة في العمق الأفريقي وتحديداً الدولة النيجيرية, لابد من إلقاء الضوء على هذه الجماعة من الداخل عبر أطوارها التكوينية والتي جمعت مرحلتين مهمتين كانت أولاها مع المؤسس وعالم الدين “محمد يوسف” 2002 تحت اسم “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، ونشطت الجماعة في الولايات النيجيرية الشمالية بشكل كبير تدعو إلى الالتزام بتعاليم الإسلام وتطبيق الشريعة، غير إنها لم تلتزم العنف كوسيلة لغايتها، بل غلب الجانب الدعوي على الآخر الجهادي رغم ما حمله الاسم من إشارة، لذلك اشتهرت بين النيجيريين بـ”بوكو حرام” والتي تعني بلغة قبائل “الهوسا” المنتشرة في الشمال بأن التعليم الغربي حرام.

 

بعد سنوات عدة, نشبت مشادات بين الحكومة من جهة وبين الجماعة ورئيسها من جهة أخرى، تم -على إثرها- اعتقال رجل الدين محمد يوسف في 2009، الأمر الذي أثار حفيظة الجماعة فانطلقت موجات الغضب، وسرعان ما تطورت إلى حالة من العنف المتبادل ثم قُتل الرجل، لتطوى صفحة مهمة وأكثر وضوحا من تاريخ الجماعة، لتبدأ أخرى ما زال حولها الكثير من الشكوك التي تلتف حول شخصية القيادة الثانية للجماعة والتي تعد المرحلة الجديدة لها تحت قيادة “أبو بكر شيكاو”.

 

في المقابل بدت “بوكو حرام” بثوب مختلف على يد قائدها “أبوبكر شيكاو” في طورها التكويني الثاني, المعروف بدمويته وجهله بالواقع من حوله وضيق معرفته الدينية والدنيوية في آن معا، على الرغم من دراسته للفقه على يد رجال الدين المحليين في “مايدوغوري” عاصمة ولاية “بورنو” المجاورة في الداخل النيجيري في فترات سابقة، وما يؤثر عنه في ذلك كثير منها على سبيل المثال تهديداته السابقة لكل من رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت وبابا الفاتيكان الأسبق رغم رحيلهما منذ سنوات، وعرف عنه مآخذه على قائده السابق “محمد يوسف” أنه كان معتدلا أكثر من اللازم, وهو ما يفسر طابعه الوحشي في تعاملاته مع خصومه وأسوأها ما بدا منه في أسر الفتيات النيجيريات وخطفهن.

 

بيد أن الجديد الذي قدمه شيكاو هو إعلان الخلافة الإسلامية في الشمال النيجيري متخذا من بلدة “جوزا” بولاية بورنو شمال شرق نيجيريا عاصمةً لخلافته تلك عبر تسجيل مصور معلنا ذلك، وهو ما فتح الكثير من التساؤلات حول دلالات التوقيت والهدف والغاية التي أرادها بهذا الإعلان.

 

ففي الوقت الذي انتفض فيه العالم رافضا لإعلان أبي بكر البغدادي الخلافة الإسلامية في العراق والشام وتنصيب نفسه أميرا للمؤمنين، لم يثن ذلك “أبوبكر شيكاو” في الإعلان المماثل عن خلافة أخرى في الشمال النيجيري غير مبالٍ بعواقب الأمر داخليا أي في الداخل النيجيري وتداعيات ذلك على الغالبية المسلمة هناك، وخارجيا أي من قِبل العالم الغربي الذي بدأ يجيش قواته لمحاربة “داعش” وكأنه يدفع مسلمي نيجيريا دفعا نحو النفق المظلم.

 

هذا التهور -إن جاز الوصف- من قبل قائد بوكو حرام يحيلنا إلى ما ذكره الداعية النيجيري داوود عمران ملاسا -أمين عام جماعة تعاون المسلمين هناك- في مقابلة مع موقع “إسلاميون” بأن هذه الجماعة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين، بل أداة بأيدي ما اسماهم بالمتآمرين للقضاء على وحدة نيجيريا وإضعاف الشمال سياسيا واقتصاديا وأمنيا ولتشويه صورة الإسلام والمسلمين.

 

فيما يجب الإشارة إلى أن ظهور “بوكو حرام” في الداخل النيجيري سبب الكثير من التداعيات السلبية والخطيرة على المسلمين هناك, فتواجدها كان بالتزامن مع إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا وظهور الصحوة الإسلامية في جنوب نيجيريا، ولعب المسلمون دورا كبيرا في البرامج الخيرية والتعليمية ودعم النظام التعليمي في ولايات تطبق فيها الشريعة الإسلامية، إلا أن ذلك توقف كله كردة فعل من الحكومة على ممارسات الجماعة الأشد خطرا وتطرفا وتشددا.

 

وكأنها خطة ممنهجة للقضاء على الوجود الإسلامي في نيجيريا بدأت مع خطف الفتيات وانتهت بإعلان الخلافة الإسلامية، ولعل ما كشفه أمين عام جماعة تعاون المسلمين النيجيرية يؤكد على ما نذهب إليه، وذلك من خلال إشارته إلى الممول الأكبر للجماعة وكشفه ممثلا في الجنرال المتقاعد (جيريميا أوسين) المسيحي الديانة والمعروف عنه عمله مع المخابرات النيجيرية.

 

خلاصة القول: إن محاولة فهم إعلان الخلافة الإسلامية في الشمال النيجيري على يد “أبوبكر شيكاو” مع ترقب إعلان الرجل نفسه خليفةً للمسلمين هناك، يؤكد -بلا جدال- حجم الاختراق الاستخباراتي للكيانات الإسلامية المتطرفة ليس في نيجيريا وحسب، إنما ينسحب على الكثير من التيارات الإسلامية التي تتبنى العنف خيارا إيديولوجيا لا عدول عنه، وهو ما يعني أن تلك التنظيمات لديها القدرة والاستجابة للاختراق الاستخباراتي الأجنبي بفارق كبير عن القوى الإسلامية الأخرى التي تحقق من خلال مساريها الدعوي والسياسي الكثير من النجاحات على الأرض، رغم إخفاقاتها المحدودة فكريا وتعثراتها السياسية الواضحة، إلا أن قدرتها على المحاولة تدفعها نحو تحقيق أنموذج قابل للتصدير والممارسة في آن معا، لذلك فلا ينفصل إعلان “داعش” للخلافة عن “بوكو حرام” كثيرا، فكلاهما يخدم مخططا واحدا ويحقق هدفا واحدا، هو تقسيم وتمزيق البلدان والعوالم العربية والإسلامية وضياع مظلوميتها أمام الأنظمة الفاشية والغرب المتآمر عليها.

 

يحيلنا هذا المشهد إلى استقراء مستقبلي, يدفع نحو تنازع مرتقب وجدل ربما يتصاعد خلال الفترة القادمة بين الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” من جهة وجماعة “بوكو حرام” من جهة أخرى، حول مشروعية وحجية كل خلافة على حدة، أو أن يلعب سفراء الخلافة من الجانبين -عبر رحلات متبادلة- دورا مستقبليا، إما لتوحيد الخلافة تحت راية أبي بكر البغدادي وانضواء “بوكو حرام” تحت لواء الدولة الإسلامية الكبرى، أو أن يكون “أبوبكر شيكاو” هو العدو الأول لتلك الدولة وربما يتحالف مع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لتتعدد خصوم “داعش” وتتنوع.

 

The post الخلافة المتنازع عليها بين “داعش” و”بوكو حرام” appeared first on IslamOnline اسلام اون لاين.