19 - 04 - 2024

الاستسهال !

الاستسهال !

ربما تكون حالة كاشفة لمدي الإستسهال في إصدار الأحكام ، فكل من هللوا لإتفاق وقف إطلاق النار بإعتباره نصر هائل لحماس، وكل من هاجموه بإعتباره فشل ذريع لها (بسبب الضحايا والتدمير) ، فإنهم أصدروا أحكاما إما عاطفية تعتمد علي حب أو كره حماس، أو إنطباعية لا تعتمد علي معرفة دقيقة لبنود الإتفاق ، والتي وحدها يمكن أن تحدد مدي نجاح أو فشل هذا الطرف أو ذاك.

ولعل الحالة هنا تكون دافعا للإعلاميين والصحفيين ، بالتوقف عن الحكم في الملفات التي ليس لديهم بها خبرة حقيقية ، أن تكون أحكامهم نابعة عن دراية بالملف الذي يتحدثون عنه، وبتفاصيله وأسراره ، وبالمعلومات الحاسمة في التقييم الذي يجب أن يكون موضوعيا واقعيا ، وليس عاطفيا أو إنطباعيا.

وأفضل مثال لهذا ، هو متابعة بنود الإتفاق (أو ما يمكن تسميتها بالمبادرة المصرية المعدلة) التي نشرتها "رويترز" مساء اليوم الثلاثاء، والتي تحتاج للقراءة المتعمقة ليس بوجه عام أو لكل بند ، بل لكل كلمة وحرف فيها، لأنها تحتوي ألغاما ، وقيودا ، وإلتزامات ، وتمنيات ، وإعادة تغيير قواعد اللعبة عما كانت عليه حتي الآن.

ورغم إن مسألة هزيمة إسرائيل ومنذ الأسبوع الأول من عدوانها ، ولأسباب كثيرة سبق ذكرها .. مسألة محسومة (لدي الإعلام الأوربي والأمريكي بل والإسرائيلي نفسه)، مع التذكير أن المنتصر ليست حماس ، بل كافة فصائل المقاومة الفلسطينية ، ومعهم حركة فتح والسلطة الفلسطينية نفسها ، والتي حولت مطالب فصائل المقاومة، إلي مطالب فلسطينية عامة ، وقبل كل شيء سكان غزة العظام ، الذين دفعوا ولا زالوا يدفعون وحدهم تقريبا ثمن مقاومة إحتلال دموي، يحبسهم كما يقول الإعلام العالمي نفسه في سجن جعل قطاع غزة أكبر سجن في العالم.

من ناحية أخري فإن عدد الضحايا أو حتي الدمار ، ليس المسألة الحاسمة في المعارك العسكرية (مثلا الألمان قتلوا ملايين الروس ودمروا ستالينجراد وغيرها وإنتهت المعركة بهزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، والجزائر قتل منها مليون شهيد وتحررت في النهاية من الإستعمار الفرنسي، كما أنه لو كل بلد خشيت من تدمير الإحتلال لمدنها أو قتل عدد من مواطنيها وإستسلمت لما تحرر شعب تحت الإحتلال).

لكن الأهم .. أن ما حدث في غزة هذه المرة غير قواعد اللعبة مع إسرائيل من ناحية بإنهيار مفهوم "الأمن المطلق" أو إبقاء الوضع بلا أي تبعات سياسية أو عسكرية لأجل غير مسمي ، وغير قواعد اللعبة بحدوث توافق مباشر بين فتح وحماس بدأه "القيادي الكبير في فتح "مروان البرغوثي" بتبني مطالب حماس والجهاد ورفض قواعد المبادرة المصرية الأولي، ما إنعكس في تبنيها في الأمم المتحدة.

من ناحية أخري ، فرغم أن عديدا من نقاط الإتفاقية مجرد وعود وتمنيات غير ملزمة، وأخري تعد خطوات إيجابية في طريق كسر الحصار علي قطاع غزة، إلا أن نقاطا أخري ، لو تم تنفيذها، ستحدث تغيرا في القواعد الفلسطينية الداخلية، ومع مصر، ومنها عدم تبرئة إسرائيل من مسئولياتها كقوة إحتلال، وفي نفس الوقت إبعادها عن العلاقة المصرية الفلسطينية المباشرة في معبر رفح، إضافة لتوافق بين حماس وفتح علي إدارة غزة ، يمكن أن ينعكس في حكومة وحدة وطنية فلسطينية .

وبالتالي يؤدي لتغير في القضية الفلسطينية ، قد يساهم في تصحيح أخطاء الماضي ، نرجوا أن يتم تطبيقه ، حتي لا تكون دماء الشهداء قد ضاعت هباء ، بين أيدي سياسيين إنتهازيين فاشلين في كافة الفصائل الفلسطينية .. لا يعملون إلا لمصالح شخصية.

الخلاصة هنا أن ملفات السياسة الخارجية ، لا يصح التعامل معها بهذه الدرجة من الإستسهال، بطريقة "مرسي الزناتي" حين سألته مدرسته "في مدرسة المشاغبين" : تعرف إيه عن المنطق يا مرسي؟ ، فجاوبها : „حلو" ، فقالت له "لأ" ، فعاد وجاوب: „يبقي وحــش" . فالسياسة الخارجية .. لا تصلح فيها إجابات "حلو" أو "وحش".

مقالات اخرى للكاتب

بشرة خير !





اعلان