ياله من صباح حار، استيقظت ومازال رأسها متثاقلا من فرط التفكير، إنها ليست المرة الأولي التي تصدم فيها فيمن حسبته محل ثقة وموضعا للأمان، لكنها اعتادت تلك الصدمات، أصبحت لديها مناعة طبيعية مكتسبة من خبطات قدرية، لكم أطاحت بها واستطاعت أن تقف مرة أخري!
أمسكت بالتليفون وأخذت تتصفح الواتس اب بحثا عن رسالة من عمر، يبدو أنه مازال نائما، أو أنه لم يشأ أن يوقظها مبكرا، ابتسمت متثائبة وأغلقت التليفون، ثم نهضت لتصنع كوبا من القهوة واشعلت سيجارة مع صوت قيثارة الغناء فيروز وهي تشدو "حبيتك بالصيف"،جلست تحتسي قهوتها باسترخاء، وقطع الصمت رنين جرس الهاتف.
صباح الخير
- عمر صباح الفل، انت فين ؟
في المكتب، لم اشأ أن أوقظك مبكرا
- تعرف أني أحب ان اسمع صوتك أول شيء، أحلي بداية ليومي.
بتعملي ايه؟
- لسه صاحية بشرب قهوتي
هاشوفك النهاردة؟
- أوك تخلص شغلك امتي؟
الساعة أربعة نتغدي سوا
- اتفقنا سأكون جاهزة في الموعد.
أغلقت الهاتف وعادت بذكرياتها للوراء،عمر صديق طفولتها، كانا زميلين في الدراسة ومعا في نفس النادي، تذكرت كيف كانا دائمي الشجار والمناكفة، ضحكت حين تذكرت طبق الأرز باللحم المفروم والكفتة المشوية، التي كانا يقتسمانها مع الأصدقاء، بعد تمرين السباحة، تري كيف كانت حياتها ستمر لو أنها تزوجت عمر؟ يكفي الآن أنهما مجرد اصدقاء.
لكم يسوقنا القدر لناحية مختلفة تماما عما تمنيناه، وعما كنا نظن أنه يحمل لنا السعادة؟؟
عادت بالذاكرة مرة أخرى لتجربة زواجها الأولي حينما كانت في بداية طريق الحياة، فانزلقت لأول منعطف للحب، تاركة زواجا يباركه العقل كان يتيح لها ثراء ماديا، لكنها رفضته وسارت وراء قلبها، وكم تحملت من جراء ذلك صعوبات ومشاكل جمة، أودت بكل ما كانت تملكه وبسعادتها في آن واحد!
حين تمردت علي الفشل وطالبت بالانفصال، وجدت نفسها داخل مصيدة لا تستطيع منها الفرار، مرت سنوات عدة حتي تمكنت من الحصول على حريتها، وظنت وقتها أنها في أولي خطوات تصحيح مسار حياتها والبدء من جديد.
***
أمسكت بمفكرتها وأخذت تكتب، وكأنها تحادث حبيبها: "لقد دخلت حياتي في وقت كنت في أشد الاحتياج أن تكون الي جواري، حينما كنت في مفترق طرق، وحيدة.. بلا أمل، تتملكني حالة من التشويش بعدما مررت بزلزال عصف بكل حياتي، ظهرت أنت كوميض ضوء في نفق الحياة المظلم، فاعطيتني مساحة أمل في غد أروع"
"لكن تري أكنت أنت ذلك الشخص الذي أضع كل أملي فيه، أكنت أهلا لكل تلك الامنيات؟ أم كنت مجرد دميه للترفيه، وحينما أردت أنا الابتعاد كان ذلك دربا من المستحيل، فقد تسللت بداخلي حتي النخاع، وتألمت طويلا، ولكني بمرور الوقت اكتشفت أن الوضع ليس بهذا السوء، ساهمت بنفسك في وصولي لهذه القناعة، ببساطة المشاعر غير الصادقة تتكشف بمرور الوقت، كالسحاب الذي يتبدد بمرور الرياح، كان بنيانا هشا لاشيء سوي كلمات، مماطلات، وطواحين هواء.
تري إلي متي سأظل أتعلق بحبال مهترئة، وانتظر غدا، أبدا لا يجيء؟"
***
أفاقت علي صوت الهاتف، القناة التي تعمل بها تخبرها بموضوع حلقه برنامجها، فنجاحها كمقدمة برامج هو ما يعوضها عما لاقته من ألم في حياتها، كان كل نجاح في تقديم لقاءات مبهرة بمثابة دعم لها لتواصل الحياة.
رغم إعدادها الحوار بدقة، إلا أنها وجدت نفسها داخل البلاتوه، مبهورة بضيفها، تتحدث في موضوعات شتي خارج سياق الحوار. شخصية مثل أحمد رأفت، ذات الكاريزما الواضحة ونضج الشخصية مع مسحة من شعر أبيض تمنحه قدرا من الوقار، صاحب حديث شيق متمكن، وتفكير مرتب يأخذك إلي عالم خاص علي جناح من ضوء فضي، إنه نضج الشخصية التي طالما داعب أفكارها منذ أمد بعيد، انتهت من تسجيل الحلقة وفي نهايتها كانت كمن تعرفه منذ زمن بعيد، شخصية تألفها كأنها جزء من دمك، أو صوتك المنبعث من أعماقك.
حين فاجأها بدعوة علي الغداء في اليوم التالي، لم تتردد في القبول وكأنها تحت تأثير منوم مغناطيسي. أحمد رأفت سياسي بارز، يمتلك شخصية آسرة، تدفعك للنظر له طوال الوقت، يسيطر علي حواسك بحديثه السهل، فيجعلك تبحر علي ظهر سفينة أسطورية لآفاق بعيدة خيالية، وتغيب عن الواقع ولو لهنيهات!
بدأ ينتابها شعور جديد تماما لم تعرفه من قبل، شعور سعادة غمرها تماما، جعلها تشعر كأنها تريد أن تركض في الحدائق وتغني بصوت عال، وتضحك بلا سبب، كأنما أصابها عته مفاجيء!, الحب إله يلمس بعصا سحرية، فيبدو كل شئ حولك جميل.
هل تلك كانت البداية أم أنها النهاية؟! قصة تبدأ بعبارة "لا أستطيع أن أعيش بدونك"، وتنتهي بعد حين بـ "لا أستطيع الحياة معك بعد الآن"!! لماذا يموت الحب؟
حين سألتك يوما عن الحب، ترددت في الإجابة، وفي النهاية قلت لي: "الحب طاقة لاقدرة بي عليها، طاقة تعصف بكل الأشياء، كاالريح العاتية، قلعة الركون لروتين الايام ستنهدم فوق رأسي، قمة من الشجن لست ببالغها، فأنا قد رتبت أفكاري ومشاعري فوق الرفوف ولست علي استعداد لبعثرتها"
"أتدرين أين ذهبت فتاتي التي أحببتها وحدها يوما دون سواها؟! والتي كانت حب حياتي؟ لقد انتحرت، لم تستطع أن تبقي يوما بعد أن ذبحتها بسكين الخذلان البارد! لاتسأليني لماذا أنا هكذا؟ لأن الإجابة ببساطة أنني لا اعرف!
***
--------------------
قصة قصيرة بقلم: إيمان احمد