تختلف عادة "البقشيش" من بلد لآخر، والتي تكشف التفاصيل بأنها عادة شديدة التعقيد، حيث أن هناك تاريخ طويل لفكرة "البقشيش" واختلافات في النظر إليه وطريقة تقديمه من بلد إلى آخر، ومن ثقافة إلى غيرها
وحاولت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الكشف في تقرير نشرته مؤخراً، مسألة البقشيش، ففي أوائل شهر أكتوبر الماضي، ناقش الحزبان الرئيسيان في المملكة المتحدة (المحافظون) و(العمال) القوانين التي تحظر على أصحاب الحانات والمطاعم الاحتفاظ بحصيلة البقشيش اليومية بعيداً عن أيدي فريق العمال.
ولا عجب أن تتعامل بريطانيا مع موضوع البقشيش بهذا القدر من الجدية فأجدادهم هم أصحاب اختراع هذه العادة في القرن السابع عشر، عندما بدأ أفراد الطبقة المخملية في تقديم ما تم اعتباره "هدايا صغيرة" لأبناء الطبقات الأدنى، ومن وقتها صار البقشيش من أكثر العادات شيوعاً حول العالم، وإن كانت تتأثر باختلاف الثقافات والقيم من بلد إلى آخر.
فالولايات المتحدة عرفت عادة منح البقشيش في القرن التاسع عشر، عندما بدأ أغنياء البلاد في السفر إلى أوروبا، في البداية أثار البقشيش رد فعل سلبي لدى الأوروبيين، واعتبرها المنتقدون عادة مناقضة للديمقراطية واتهموا مانحي البقشيش بأنهم يخلقون طبقة من العمال "يتوسلون من أجل البقشيش".
أما الآن في القرن الحادي والعشرين، حيث بات البقشيش متأصلا في الثقافة الأمريكية، بات الأمريكيون يناقشون إيجابيات وسلبيات منح البقشيش.
ويقدر عالم الاقتصاد أوفير أزار أنه في عام 2007 وحده، شهدت صناعة المطاعم دفع مبلغ 42 مليار دولار بقشيشاً لعمالة الخدمة، خاصة وأنه في أمريكا يعد البقشيش مكملاً أساسياً للرواتب، وفي بعض الأحيان يعتمد عليه العامل بصورة أساسية، وعليه فدفع البقشيش واجب على كل زبون، خصوصاً في المطاعم، ما لم يرتكب مقدم الخدمة خطأ لا يغتفر.
وعلى العكس من ذلك ترفض الثقافة الصينية، مثل ثقافات أغلب البلدان الآسيوية، منح البقشيش، وكان ذلك الأمر محظورا لعقود، حيث كان يتم اعتباره أقرب إلى "الرشوة"، وحتى هذا اليوم، يبقى منح البقشيش في الصين غير شائع، ففي المطاعم التي يتردد عليها مواطنو البلد، لا يمنح الزبائن بقشيشاً.
أما الاستثناءات في الصين فهي للمطاعم التي يرتادها الزوار الأجانب، وكذلك الفنادق، ويتم السماح في هذه الحالة بمنح البقشيش إلى حاملي الأمتعة في الأساس، كما أن الاستثناءات في الحالة الصينية تشمل إمكانية منح البقشيش للمرشدين السياحيين وسائقي الحافلات.
أما اليابان يتضمن نظام الإتيكيت المعقد السماح بمنح البقشيش على مستويين، فاجتماعياً، يتم قبول المنح المالية "النقطة" في خلال حفلات الزفاف، والجنازات، وغيرهما، حيث يتم اتباع بروتوكول محدد بتقديمها داخل أظرف خاصة دليلاً على التقدير والاحترام للمناسبات الخاصة.
ولكن على المستوى العام، قد يتسبب منح البقشيش في شعور المتلقي بالإهانة، وتقوم فلسفة اليابان في هذا الشأن على أن تقديم الخدمة الجيدة يجب أن يكون متوقعاً في الأساس، أما عناصر فرق العمل بالفنادق، والمعروفون دولياً باليقظة والتهذيب، فقد تم تدريبهم على رفض البقشيش بأدب جم.
أما فرنسا فاعتمدت عام 1955، قانوناً لإجبار إدارة المطاعم على تضمين الفواتير بنداً لتغطية الخدمة المقدمة، وهو ما أصبح شائعاً بعد ذلك بين دول أوروبا وفي غيرها من دول العالم.
وجاء ذلك في فرنسا لتحسين رواتب العاملين في المطاعم، وجعلهم أقل اعتماداً على البقشيش، ومع ذلك، ظل منح البقشيش عادة متبعة، وإن كانت الاستطلاعات الحديثة كشفت عن أن الجيل الأصغر من الفرنسيين لا يميل إلى منح البقشيش، ففي عام 2014 أكد 15 % من المستهلكين الفرنسيين أنهم لا يدفعون بقشيشاً على الإطلاق، في مضاعفة للنسبة التي التزمت الموقف ذاته في العام السابق 2013.
حتى في سويسرا صاحبة أعلى حد أدنى للرواتب، اعتاد المواطنون هناك على منح البقشيش للعاملين في الفنادق وعمال قطاع الخدمات إجمالاً، ولكن راتب النادل، مثلاً، يتجاوز الـ4 آلاف دولار شهرياً، وبذلك فإن العمالة في سويسرا أقل اعتماداً على البقشيش بالمقارنة مع نظرائهم الأميركيين.
أما في الهند فالكثير من المطاعم تدرج ضريبة خدمة ضمن فواتيرها، ما يجعل من المقبول عدم منح بقشيش، ولكن آداب الذوق والإتيكيت هناك تقر بمنح ما يتراوح بين 15 و20 % من قيمة الفاتورة بقشيش، ومن غير الشائع العثور على مطعم يرفع لافتة تحظر منح البقشيش لأفراد الخدمة به.
وقد كشف استطلاع تم إجراؤه عام 2015 عن أن مواطني الهند يعتبرون من بين الأكثر منحاً للبقشيش على مستوى بلدان آسيا، حيث تأتي الهند بعد بنغلاديش وتايلاند.
وفي سنغافورة لا يعتبر منح مبالغ صغيرة على سبيل البقشيش بالفنادق والمطاعم والسيارات الأجرة مسألة مهينة، ومع ذلك فإن البقشيش يعتبر أمراً شائكاً هناك، فيذكر الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة أن "منح البقشيش ليس بسبيل للحياة".
وفي روسيا كان هناك رفضا لفكرة البقشيش خلال العهد السوفياتي، وكان يتم اعتبارها وسيلة للتقليل من شأن الطبقة العاملة، ولكن الثقافة الروسية بها تعبير خاص بمنح البقشيش، وهو "من أجل الشاي"، وقد تجددت عادة منح البقشيش في روسيا اعتباراً من بداية الألفية الجديدة، ولكن ما زالت الأجيال الأكبر سناً تعتبر منح البقشيش مسألة مهينة.
وفي الأرجنتين فمنح البقشيش إلى نادل بعد وجبة تمزج ما بين اللحم والشراب لن يتسبب في مشكلة، لكنه في الواقع محظور بالنسبة للعمالة في قطاعي الفنادق وتقديم الطعام وفقاً لقانون العمل الصادر في عام 2004، ومع ذلك، فإن منح البقشيش يتم وعلى نطاق واسع، ويساهم بما يوازي 40 % من دخل العاملين في مطاعم الأرجنتين.