الشعب لن يتوقف عند "تسقط بس" وسياسيون يرسمون مستقبل السودان مع استمرار الاحتجاجات
- هشام أبو ريدة: الثورة السودانية مستمرة ومراوغات النظام لا تنطلي على الشعب أو المعارضة
- د. أيمن شبانه: لن يكون بمقدور مصر ودول الخليج تحمل تبعات "ربيع عربي جديد"
- عمار حمودة: رؤية كاملة للفترة الانتقالية تتعلق بالدستور وترتيبات الانتقال للديمقراطية
- د. هبه البشبيشي: مصالح البشير متشابكة وفصيل الإخوان له علاقة باستمرار المظاهرات
هي “ثورة الصابرين” الذين لم تفتر همتهم ولا استبدلوا طلباتهم طوال ثلاثة شهور متواصلة من الاحتجاجات..هكذا توصف الثورة السودانية التي تحركت معها الجماهير في كل المدن السودانية منذ 19 ديسمبر الماضي٬ ولم يتغير مطلبهم الوحيد “تسقط بس” ٬ في إشارة منهم بمطالبة الرئيس السوداني عمر البشير بالرحيل.
ورغم خطابات البشير ورقصه حيناً٬ وإطلاق تهديداته حينا آخر٬ ورغم الإعلانات الأربع الأخيرة وحل الحزب الحاكم، فإن المشهد السياسي والحراك الجماهيري في السودان لم يتغير٬ فهل ستسقط الجماهير النظام أم أن هناك ألاعيب سياسية ما زالت في الجعبة سيطلقها النظام في وقتها؟
الثورة مستمرة
هشام أبو ريدة عضو الهيئة القيادية للجبهة الوطنية العريضة٬ يقول إن ما يقوم به النظام من تطمينات أحيانا وتهديدات أحيانا ما هى إلا "مراوغة"٬ فالإعلانات كما تسمى في المشهد السياسي تجريب المجرب٬ والنظام يحاول إعادة إنتاج نفسه٬ وهو ما لايقبله الشعب السوداني٬ خاصة بعدما أتى البشير بكل المطالبين من المحكمة الجنائية ووضعهم معه في خط الأمان حتى يشكلوا نوعا من الحماية للنظام.
ويضيف أن كل القرارات التي اتخذها النظام السوداني، بما فيها حالة الطوارئ هي مخالفة٬ لأن الغرض منها تكرار جرائم دارفور التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف شخص٬ وتم تشريد الآلاف.
ومن حيث التكييف القانوني، فإن اعلان حالة الطوارئ في البلاد، مخالف للمادة 210 للدستور السوداني، والتي تكفل حرية التعبير والتظاهرات السلمية٬ والغرض منها لابد من مسببات كأن تكون حالة حرب أو كارثة طبيعية٬ وما يريده البشير اخماد الثورة السودانية٬ ولكن لن يستطيع اسكات الثوار، لأنهم يعملون من أجل هدف جوهري لا بديل عنه، وهو "إسقاط النظام" من خلال التظاهرات السلمية.
حزب جديد
ويؤكد أبو ريدة أن تغيير المواقف على الجانب الحكومي٬ كان في المراكز فقط، ولا يخدم الهدف الذي قامت المظاهرات من أجله٬ فالأزمة سياسية٬ وتبلورت من أزمة سياسية إلى اقتصادية٬ حتى لو كانت هناك مساعدات خارجية٬ فهي للتغطية فقط٬ ولا يمكن أن تقوم دولة على الإعانات٬ لأن المصالح تتغير٬ فبعض الدول التي لها علاقة مع السودان ولها مصالح مثل المشاركة في الحروب الخارجية٬ أو البعض الذي يعتقد أن النظام الحالي يعمل من أجل مشروع إسلامي٬ فالبشير يحاول أن يصطاد في هذه المصالح.
ويضيف أن تكليف أحمد هارون هو بمثابة تنصل من المؤتمر الوطني٬ والبشير بصدد تكوين حزب جديد٬ وهذا الحزب يمكن كل أعضاء الحزب الوطني المنحل من الانضمام لحزب البشير الجديد٬ وهذه كلها مراوغات٬ والشعب السوداني فهم اللعبة٬ وتعلمنا٬ فلن يقبل الشعب بهذه المراوغة.
ويذكر أبوريدة بكفاح الشعب السوداني في ثوراته السابقة خصوصا ثورتي 1964 ٬ و1985٬ واللتان انتهتا بإسقاط النظام٬ مؤكداً أن الثورة مستمرة حتى زوال حكم ديكتاتور ثالث.
ثلاث سيناريوهات
وفى ظل الاحتجاجات المستمرة بالسودان يتوقع الدكتور أيمن شبانه أستاذ العلوم السياسية بمركز الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة٬ ثلاث سيناريوهات٬ أولها: بقاء البشير على رأس النظام، ويضيف:" يرى البعض قدرة نظام الإنقاذ على تجاوز الأزمة الحالية والاستمرار تحت قيادة البشير٬ ولكن ذلك يظل مرهوناً بقدرته على الحفاظ على شبكة الولاء الإثنى، وتماسك مؤسسات الدولة، خاصة الجيش، واختراق صفوف المعارضة وتقسيمها، والاستعانة بالحلفاء الإقليميين والدوليين، مع إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية، تكفل قدراً من الحريات السياسية، وتسمح للمعارضة بالمشاركة فى السلطة، وتؤدى إلى تسوية عادلة للصراعات الأمنية فى البلاد، بما يحافظ على وحدة أراضيهاً.
والسيناريو الثاني الذي يتوقعه شبانة : سقوط البشير ونظامه كلية، في فى حال استمرار الاحتجاجات، وتزايد نطاقها عبر مدن السودان، وتزايد أعداد المنضمين للحركة الاحتجاجية، تحت وطأة التدهور الاقتصادى وانخفاض مستوى المعيشة، على أن يقترن ذلك بنجاح العصيان المدنى، وتكوين كيان موحد للمعارضة، يحظى بتوافق معظم الأطياف من الأحزاب والنقابات، ويتمتع بالتأييد الخارجى، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبى، والقوى الإقليمية، محور مصر والسعودية والإمارات.
فى تلك الحالة من المتوقع سقوط نظام السودان كلية، فى غضون بضعة أشهر، لكن النتائج المترتبة على ذلك سوف تكون وخيمة على الداخل السودانى، وأطراف خارجية أخرى، خاصة مصر ودول الخليج العربى، التى لن يكون بمقدورهها تحمل نتائج حدوث "ربيع عربى وربما أفريقى" جديد فى السودان ودول جواره، خاصة إثيوبيا.
تأثر دول الجوار
ويتابع أنه على مستوى الداخل السودانى، من المتوقع أن يأتى نظام إسلامى جديد بالسودان، يصعب التعامل معه -ولو مؤقتاً- بعكس نظام الإنقاذ، الذى كان أكثر براجماتية، رغم مساوئه، لكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها، إذ من المتوقع أن يمر عبر انقسامات حادة داخل صفوف الكيان المعارض الجديد، فى ظل وجود عدد كبير من التنظيمات والقوى السياسية والمدنية، ذات التوجهات الأيديولوجية المتباينة، يساراً ويميناً.
وبالتالى سوف يحدث تحول فى طبيعة الصراع بالسودان، من كونه صراعاً بين الحكومة والمعارضة إلى صراع داخل أجنحة المعارضة ذاتها، حيث لا يملك المعارضون أجندة حقيقية لمواجهة استحقاقات وتحديات ما بعد الإنقاذ، الأمر الذى قد يؤدى لنوع من فراغ السلطة، ربما ينذر بمزيد من تفكك الدولة السودانية، بما يحولها إلى مستنقع جديد للفوضى، وذلك على غرار ما يحدث حالياً فى اليمن وليبيا وسوريا.
ويقول شبانة، إنه فى حال حدوث ذلك، فمن المتوقع تأثر دول الجوار الجغرافى والإقليمى بها، إذ سيتعين على مصر الدفاع بقوة عن جبهتها الجنوبية، مثلما تفعل حالياً على جبهتها الغربية، نتيجة للفوضى فى ليبيا، بالإضافة لاستقبال جحافل اللاجئين السودانيين، التى من المتوقع لجوئها لمصر، والتى لن تستطع السلطات أن تمنعها، عمليا وأخلاقيا.
ويرى أن اندلاع الفوضى بالسودان، سوف تؤثر بالسلب على فرص الاستثمار والتجارة التى اكسبتها دول الخليج العربى ومصر بالسودان، وهو ما يعنى تعرضها لخسائر اقتصادية كبيرة، خاصة فى قطاعات الزراعة وإدارة الموانئ.
وعلى الجانب الأمنى، كما يضيف شبانة، سوف يؤدى سقوط نظام الإنقاذ لخروج السودان اضطرارياً من التحالف العربى المشارك فى عملية عاصفة الحزم باليمن، وهو ما يعنى وضع التحالف المناهض للحوثيين في مأزق سياسي وعسكري لصالح خصومهم، كما أنه سيؤثر بالسلب على قدرة السودان على المشاركة في الترتيبات المتعلقة بالأمن في البحر الأحمر، ومشروعات التنمية المرتبطة بالإقليم، خاصة مشروع نيوم، وهو أمر ضروري للغاية بالنسبة للسعودية ومصر والإمارات.
انقلاب القصر
أما السيناريو الثالث الذي يتوقعه د. شبانه هو رحيل البشير عبر انقلاب قصر٬ ويوضحه قائلا: يعبر هذا السيناريو عن حالة وسطى بين السيناريو الأول والثانى، حيث يستمر نظام الإنقاذ فى السلطة، ولكن من خلال قيادة جديدة تحل محل البشير، الذى سيخرج من السلطة فى تلك الحالة "خروجا آمنا"، على غرار السيناريو الذى حدث فى بعض الحالات، مثل اليمن وزيمبابوى.
ويمكن تحقق ذلك لدى اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية، وعدم قدرة البشير على مواجهتها، مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان، جراء قمع المحتجين، الأمر الذى يشكل حرجاً للمجتمع الدولى، مما قد يدفعه للتضحية بشخص البشير، بإجباره عن تقديم استقالته، وذلك لتهدئة الاحتقان الداخلى، مع الحفاظ - ولو مؤقتا- على مؤسسات النظام، بما يضمن استمرار مصالحه بالسودان، مع إحلال نظام سياسى جديد بالبلاد بشكل تدريجى.
فى تلك الحالة، سوف تدار السودان من خلال مجلس عسكرى، على غرار الحالة المصرية عام2011، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، تضم الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني، وصياغة خارطة طريق للانتقال السياسى، لضمان أمن السودان وسلامته الإقليمية، والحفاظ علي وجوده كفاعل دولى يمكن الاعتماد عليه.
ولعل تطورات الأحداث بالسودان ترجح السيناريو الثالث، كما يتوقع شبانة، فالبشير لن يكون بوسعه خوض الانتخابات الرئاسية عام 2020، كما أن خروجه من المشهد السياسى، سوف يسهم جزئياً فى تهدئة الاحتقان السياسى بالبلاد، فضلاً عن أنه يوجد قدر ما من التوافق بين القوى الخارجية على إمكانية بقاء النظام السودانى، كنظام ضرورة، وليس باعتباره الأفضل، نتيجة لعدم الرغبة فى تحمل تبعات حالة الفوضى المتوقعة فى حال إسقاط النظام بالقوة، إلى جانب الدور المنوط بنظام الإنقاذ فى الترتيبات الأمنية بالبحر الأحمر، والقرن الأفريقى وجنوب السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى.
إزالة النظام
ومن جانبه، يرى عمار قاسم حَمُودَة أمين الإعلام الخارجي بالتجمع الاتحادي المعارض، أن الشعب السوداني صمم في إجماع غير مسبوق عبر جميع فئاته وقواه السياسية والمدنية والمهنية على إزالة نظام البشير.
ويضيف: " لذلك فإن إعلان حالة الطوارئ و ما تلاها من قوانين باطلة لا تمثل إلا ألاعيب "حربائية" لنظام يبدل جلده وتوجهاته كيفما اتفق في سبيل التشبث بالسلطة، ولن يجدي ذلك فتيلاً، فليس بعد الدم والرصاص الحي، والدهس بسيارات الدفع الرباعي، وإهانة الموطنين من سبيل إلى التراجع، والنكوص عن مسيرة الثورة٬ ولا عن أهدافها المعلنة منذ تفجرها في 19 ديسمبر".
وجاء الرد الشعبي عملياً وسريعا كاسراً حالة الطوارئ عشية الإعلان عنها مباشرة، وامتلأت الشوارع متحدية القوانين المشوهة في مواكب الأسبوع الماضي.
ويؤكد أن الضغط الشعبي السلمي المتعاظم والذي يزداد زخما رغم القمع هو الذي يغير المواقف، ولو كان هناك من صوت للعقل وسط النظام المستبد، لاستجاب لسنن الكون وجنب البلاد إراقة الدماء، وتوقف عن قمع الشعب الأعزل المستمسك بسلمية ثورته بكامل الوعي، وسيستجيب النظام مرغما تحت الضغط الشعبي طال الزمن أو قصر.
أكذوبة التمويل
ويعتبر حمودة أن اتهام الثوار بتلقي أموال من الخارج، هي أحد الأكاذيب القذرة التي يسوقها النظام لدمغ الثوار بالعمالة، خصوصاً وأن النظام قبل غيره يعلم تماما أنها ثورة شعبية بإرادة شعبية، وتصميم يصل حد مواجهة الرصاص بهتافات السلمية.
ويضيف:" نحن في التجمع الاتحادي المعارض، ننظر للجوار العربي والأفريقي والمجتمع الدولي من زاوية التعاون بين الشعوب بما يجعلنا نساهم إيجابياً في إرساء السلام العالمي والإقليمي، ومحاربة الإرهاب، واحترام الجيران والمواثيق الدولية.
اما مستقبل الأحداث فيقرره الثوار في الشارع، صانعين للحدث وليس صداه، كما أن قوى اعلان الحرية والتغيير ماضية في طريق إسقاط النظام واستعادة الدولة المسروقة.
ويؤكد حمودة أن سيناريوهات الطغاة في التعامل مع الشعوب بالبطش والتنكيل تتكرر، ثم التراجع والمخاتلة، ثم الانهيار، ويظن كل طاغية أنه استثناء عن غيره في مكابرة مكشوفة، في حين أن الشعوب هى التي تصنع ثورتها وتقرر مستقبلها بما تبذله من نضال سلمي وشجاعة في مواجهة آلة القمع سواء العسكرية أو عبر المحاكم التعسفية المسيئة للقضاء.
ويضيف: تتغير مطالب الشعب من (تسقط بس) حال تحقق الإزالة الكاملة للنظام، إلى مضامين بناء الأوطان وإعادة تأسيس الدولة الديمقراطية’ عبر دستور الحق والواجب، الذي يضمن الحريات العامة ويصون كرامة المواطن، ويمنع تكرار اغتصاب السلطة مستقبلاً بإقامة العدل والمحاسبة التي تضمن عدم الإفلات من العقاب.
وفي هذا السياق، هناك رؤية كاملة للفترة الانتقالية، يشارك فيها التجمع الاتحادي من ضمن قوى إعلان الحرية والتغيير فيما يتعلق بالدستور وترتيبات الانتقال للديمقراطية، وقد ابتدرت حملة للتوقيعات على (التزام البناء والخدمة) من كل فئات الشعب وأفراده للمساهمة الفعالة في تشكيل مستقبل الشعب السوداني.
قوة دفع
وتعتقد الدكتورة هبه البشبيشي الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاحتجاجات السودانية ستستمر لفترة من الوقت٬ وإن كانت ترى أن فكرة تنحي البشير غير واردة على الأقل الآن أو في القريب.
وتضيف: "ما يقدمه البشير لن يرضى المتظاهرين٬ ولابد من حدث ثوري ضخم حتى تتحرك المياه الراكدة إلى الأمام٬ ولابد من تحرك في منحى جديد٬ وقوة دفع جديدة لتحريك الأمور، فما يحدث أمر صحي وطبيعي لتردي الأوضاع، وسيطرة حزب واحد على مجريات الأحداث٬ لكن أصحاب المصالح مع النظام كثر٬ وسيستمر نظام البشير لفترة٬ هو له تحركات إقليمية وداخلية وتنسيق عالي مع الجيش والمخابرات".
وتؤكد أن من الصعوبة التضحية بسهولة بالبشير، مهما تصاعدت المظاهرات٬ وأعتقد أن فصيل الإخوان التابع لتركيا له علاقة مباشرة باستمرار المظاهرات من خلال الدعم والشحن والحشد!!.
-------------
تحقيق - آمال رتيب