11 - 05 - 2025

المزاج العام المؤقت لايصنع الدساتير

المزاج العام المؤقت لايصنع الدساتير

الدستور ليس قرآنا حتى لايتم تعديله، لكن التعديل لابد أن يكون فى مصلحة الأمة المصرية، ولكى يتم ذلك، فلابد وأن تكون الديمقراطية الحقيقية والتحول الديمقراطى الحقيقى هما محور ارتكاز التعديلات الدستورية المرتقبة، بل هما فلسفة التعديل نفسه ، ولكى يتحقق ذلك، لابد وأن تكون التعديلات ليست لمصلحة مواطن بعينه أو فئة بعينها، وإنما لمصلحة الوطن  كله، بكل فئاته، وأعتقد أن القائمين على التعديلات الدستورية المرتقبة، حكومة ومجلس نواب ومواطنين بسطاء يتفقون معى فى ذلك.

أى عاقل لديه القدر المناسب من الحكمة، يجب أن لا يتجاهل دروس التاريخ والحركات التاريخية الكبرى والظواهر السياسية والاجتماعية، وأعتقد أن ما حدث فى 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013 يندرج تحت ما أشرنا إليه ، وبالتالى يجب قراءته وفق مدلولاته السياسية الحقيقية، ولكى تكون القراءة كذلك، فلابد أن تكون بعيدة عن شوائب الانتقائية، كتعلية جزء على حساب جزء أخر، أو تذكر فترة ما و تعمد نسيان  فترة أو فترات أخرى، "فهذا وذاك" لايستقيمان مع العمل السياسى الرصين، وإذا سيطرا "هذا وذاك" على المشهد، وأقصد هنا مشهد التعديلات الدستورية المرتقبة، فهذا معناه نفاق للحاكم وخداع للمواطن والوطن، وأخطر ما فيه أنه سيكون سيرا هرولا عكس حركة التاريخ. 

الحكومة والبرلمان فى أى دولة من الدول، إذا ما كانا مدركين لقواعد اللعبة، فإنهما لابد وأن يكونا على علم تام ووعى كامل، بأن الدساتير أو التعديلات الدستورية لايتم صياغتهالترجمة "مزاج عام مؤقت"، وإنما تتم لوضع قواعد نظام حكم، تعكس بمصداقية كاملة، المزاج العام الدائم للشعب، فإذا كان مزاجه العام يميل إلى الديمقراطية، فلابد من تعديلات ديمقراطية تصب فى خانة التحول الديمقراطى الحقيقى، وأعتقد أن الشعب عندنا لايميل أبدا، وفق مفهوم "المزاج العام الدائم"، إلى فرض الوصاية عليه بنصوص دستورية تحت أى مبرر، أو إلى تأبيد الحاكم فى الحاكم، خاصة إذا ما كان هذا الحكام فى المدى البعيد لاينطبق عليه شروط "الحاكم الضرورة"، خاصة وأن المزاج العام للشعب حتما سيتغير مع الوقت من المزاج العام المؤقت إلى المزاج العام الدائم. 

المزاج العام الدائم للشعب يمكن استنباطه بقراءة تحليلية موضوعية، بعيدا عن أى مصالح شخصية وذاتية، من خلال حركة التاريخ السياسى لهذا الشعب، الحركة بأكملها غير منقوصة، وهى الحركة الممتدة من الثورة العرابية إلى ثورة 30 يونيو 2013، مرورا بثورة 1919، وثورة 25 يناير، وكل مظاهر وظواهر وفعاليات النضال الوطنى من أجل الحرية والديمقراطية التى تخللت تلك الثورات الكبرى، التى ستظل، شاء من شاء، وأبى من أبى، محفورة فى الذاكرة الجمعية للشعب، وراسم أساسى لشكل ومضمون مزاجه العام الدائم. 

المزاج العام المؤقت غالبا ما يسيطر على المشهد السياسى برمته، فى حالة الفعل السياسى الشعبى غير المكتمل، أو الفعل السياسى المشوه بانتهازية من الداخل أو تآمر من الخارج، وقد سيطر هذا المزاج العام المؤقت على دستور 2014، وكانت النتيجة وجود ضرورة حتمية لتعديل بعض مواده، وهذا ليس كلامى، وإنما ترجمة أمينة لكل كلام المطالبين بالتعديلات المرتقبة، وكلهم وطنيون شرفاء، ولكن بعضهم مدفوع بمزاج عام مؤقت يعلى من فلسفة ورؤية وقتية فى ذاكرة ووجدان فئات واسعة من الشعب، على حساب رؤية وفلسفة دائمة فى الذاكرة الجمعية للشعب كله.

تلك كانت كلمتى، قلتها وكتبتها بدافع وطنى وبدافع خوفى على البلد، وهو نفس الدافع الذى يسيطر على دعاة الإفراط فى التعديلات المرتقبة، لتكون أشبه بـ "دوارة سيارة" تعيد الدولة والشعب إلى اتجاه أخر، دون الأخذ فى الحسبان النتائج المحتملة للرعونة فى القيادة من جانب السلطة التشريعية باعتبارها صاحبة الاختصاص فى التعديلات الدستورية المرتقبة.
---------------------
بقلم: سعيد نصر  

 

مقالات اخرى للكاتب

المزاج العام المؤقت لايصنع الدساتير