19 - 07 - 2025

نيويورك تايمز: تفاصيل أزمة الجامعة الأمريكية في القاهرة وسر المطالبات بعزل رئيسها

نيويورك تايمز: تفاصيل أزمة الجامعة الأمريكية في القاهرة وسر المطالبات بعزل رئيسها

في خطاب ناري ألقاه من الجامعة الامريكية بالقاهرة الشهر الماضي، وقف مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي مع الطغاة المتحكمين بالشرق الاوسط، واستهان باحتجاجات الربيع العربي التي ألهبت المنطقة في ٢٠١١

هذا الاسبوع، أشعل ذلك الخطاب فتيل تمرد ضد الرجل الذي استضافه: وهو فرانسيس ريتشاردوني رئيس الجامعة والدبلوماسي الامريكي سابق. إذ يواجه السيد ريتشاردوني تحديا علنيا من أساتذة الجامعة، التي تعد إحدى اكثر الجامعات المرموقة في الشرق الأوسط، وأثار جانبا من سخطهم عليه قراره إعطاء السيد بومبيو وحده تلك المنصة دون منازع.

وقد صوت الثلاثاء الماضي بأغلبية ساحقة مجلس أمناء الجامعة بطرح  الثقة في السيد ريتشاردوني، السفير الأمريكي السابق في كل من مصر وتركيا والفلبين وبالاو. وقال الأساتذة الجامعيون في حيثيات قرارهم إنهم فقدوا الثقة في قيادة السيد ريتشاردوني للجامعة، وناشدوا مجلس أمناء الجامعة، ومقره نيويورك، البدء فورا في البحث عمن يخلفه.

وقال الأساتذة إن شكاواهم ضد السيد ريتشاردوني، المعين بالمنصب ٢٠١٦، تعود للوراء ابعد بكثير من موعد خطاب السيد بومبيو يوم 10 يناير الماضي.

وأشار أساتذة الجامعة في خطاب لرئيسها، عدة شكاوى تتعلق بأسلوب إدارته، والمظالم بشأن عقود عمل واتهامات باعمال تمييز مخالفة للقانون.

لكن الذي فجّر هذه التوترات بشكل علني، كان خطاب السيد بومبيو الذي انتقد فيه سياسات أوباما في الشرق الأوسط، كما أكد على معتقداته المسيحية، وعبّر عن دعمه الودي لحكام (متهمين بالاستبداد) مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الموالي لواشنطن.

وأثار سخط أساتذة الجامعة انه لم تُعط لهم اي فرصة في إدارة المناسبة. بل إنه أعطى السفارة الأمريكية كل الصلاحية فيمن يُدع من ضيوف للخطاب، بالتالي اقتصرت دعوة اساتذة الجامعة على نذر مختار منهم. كما أن السيد بومبيو لم يقبل تلقي اي أسئلة عقب انتهائه من إلقاء خطابه. 

وفي خطاب إلى السيد ريتشاردوني، كتبته باسكال غزالة رئيسة قسم التاريخ بالجامعة، ولقي انتشارا واسعا بالبريد الإلكتروني والفيسبوك، قالت:

" هل تشاورتم مع أحد في جامعتنا، عما إذا كان يصح دعوة مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية، سي آي إيه، الذي تحدث مؤيدا التعذيب مخاطبا الجامعة الأمريكية بالقاهرة؟"

وفي مقابلة معها، قالت استاذة غزالة إن مناسبة الخطاب مثلت أبرز نموذج للأساليب الخاطئة المتبعة بالجامعة. وأضافت: " إنني أرفض التعامل مع الجامعة وكأنها ملحق تابع للسفارة الأمريكية." 

ولم يرد السيد ريتشاردوني على طلبنا منه التعليق. لكنه كان قد وجه رسالة بالبريد الالكتروني إلى كل موظفي الجامعة عقب التصويت بعدم الثقة فيه يوم الثلاثاء واصفا ذلك بأنه "لسوء الحظ" ثم قال إنه يحترم آراء اساتذة الجامعة. 

رغم ذلك، قال السيد ريتشاردوني إنه يتوقع البقاء في منصبه متزعما احتفالات الجامعة على مدى هذا العام بمرور مائة عام على تأسيسها. ومع انتشار أنباء التصويت ضده بأنحاء الحرم الجامعي في اليوم التالي: الاربعاء، حاول بعض الأساتذة الفصل بين خطاب السيد بومبيو وبين انتفاضة الجامعة.

و كتب عمرو شعراوي رئيس مجلس الجامعة في رسالة لزملائه الأساتذة، يقول فيها إن التكهنات بأن خطاب يناير هو سبب التصويت يُعد "تسييسا لأزمة الأساتذة ويُبعد بنا عن قضايانا الرئيسية."

كانت الجامعة الأمريكية قد تأسست في عام ١٩١٩ على أيدي مبشرين بروتستانت أمريكيين أنشأوها أولا كمدرسة ثانوية بنين تأهيلية للجامعة, لكنها نمت وتطورت لتصبح حرما جامعيا متقدما ومزدهرا بنحو ستة آلاف وخمسمئة طالب وطالبة، ينتمي كثيرون منهم إلى صفوة مصر السياسية والاقتصادية.

كما مثلت الجامعة مركز انطلاق للعديد من المهتمين بالعالم العربي من الباحثين الغربيين والمستشرقين. ورغم ان إسمها، يدفع بعض المصريين المتأثرين بنظرية المؤامرة للنظر إليها باعتبارها مجرد أداة للسياسة الأمريكية، فإن الجامعة الأمريكية لم تعد تحصل على كثير من الدعم المالي من الحكومة الأمريكية. فبينما كانت وزارة الخارجية الأمريكية تقدم للجامعة دعما ماليا كبيرا في الستينيات والسبعينيات، فقد اقتصر اغلب الدعم الأمريكي لها في السنوات الأخيرة على المنح الدراسية المقدمة بالمثل لجامعات مصرية أخرى.

وظلت الجامعة الأمريكية مفتوحة خلال عام الربيع العربي في ٢٠١١، حيث كانت قد انتقلت قبله بعامين من وسط القاهرة إلى حرم جامعي رحب وحديث بضواحيها. لكنها تعرضت لاحقا لأزمة مالية بسبب الانخفاض الحاد في عدد الطلاب الأجانب، الذين تمثل رسومهم الدراسية العالية مصدر دخل رئيسي للجامعة.

كان لمقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني عام ٢٠١٦ تأثير مفجع على الباحثين وتذكرة لهم بمخاطر الوجود في مصر. إذ يتهم الإدعاء العام الإيطالي قوات الأمن المصرية بمسئولية قتل السيد رجيني، الذي كان يبحث في النقابات العمالية، ولم يٌقدم أحد للعدالة في قضيته للآن.

وفي مقابلات اجريناها، أعرب العديد من الأساتذة عن عدم ثقتهم في الخلفية المهنية للسيد ريتشاردوني كدبلوماسي، واعتبروا أسلوبه في الإدارة يمثل تعاليا في التعامل ربما يصلح في سفارة ولكن ليس جامعة. 

أما مؤيدو السيد ريتشاردوني فيرون ان كل ما فعله كان تنفيذا لرغبات مجلس أوصياء الجامعة، والذين يصلون القاهرة هذا الاسبوع للمراجعة السنوية. وربما يكون الأمر متروكا لهم الآن لحل الخلاف بين رئيس الجامعة من جهة واساتذتها الساعين للإطاحة به.