14 - 08 - 2025

قصتان قصيرتان لمحمد مصطفى الخياط

قصتان قصيرتان لمحمد مصطفى الخياط

الشمس

يستيقظ الوجه الجميل الهادئ الساكن والشمس لم تبعث بعد، مازالت غشاوة الفجر تحيط المكان، تغلفه، يتكاثف خيط ماء على زجاج النافذة، تلملم الروب حول جسدها الربيعى، تفتح النافذة بحذر، فيصافح النسيم البارد الخد الساخن، تُحكم الروب حول جسدها المتفتح فى عناقيده، تنظر إلى هناك، إلى بعيد، يمنعها الضباب أن ترى أبعد من كوبرى طلخا. حركة السيارات ضعيفة، أنوار صفراء على البعد، ترى أى حكاية، بل حكايات تحملها هذة العربة؟ وياترى فيم يفكر ركابها؟.

رسمت على النافذة الزجاج، رجلاً وامرأةً، هلالاً وصليباً، ورداً وشوكاً، بحراً وجسراً، وقطار، قطارُ لم تعرف من أين يأتى، لكنه يدوس الرجل والمرأة، الهلال والصليب، ويطحن الورد والشوك، غصة فى الحلق لا تدرى مصدرها، تتمتم "متى تأتى الشمس ؟؟ ..!!". 

صوت الماء القادم عبر شرايين الزمن ليستقر فى جوف كنكة القهوة، تقليب البن، ملعقة السكر المعتادة، سكون فنجان القهوة فى يسراها بينما تتكئ بيمناها على أفريز الشباك، ترشف منه رشفات منتظمة، تنتظر قدوم الشمس، تَبَدُدَ الغيم.

"جيهان ... جيهان" الصوت الحنون الذى صار له عشرين عاماً يهمس بهذا الأسم، يناديها، هى صورة منها لكن العمر ضعفين، تُحكم الأم إغلاق زجاج النافذة مُتسائلة، "كيف نمت بهذا الشكل طوال الليل؟ ، هيا فالساعة تخطت التاسعة...!!!".

تتثاءب فى خمول لذيذ، تتسائل فى كسل ... " هل جاءت الشمس يا أمي؟ ..." تبتسم المرأة .. تحثها على النهوض ونفض الكسل، تنظر بعينيها العسليتين نحو النافذة/الزجاج فإذا الشمس قد بخرت أحلامها.

-----------------

السراب

كان الوقت مساءً .. والعمر كئيباً .. ولمبة الجاز تضئ غرفة المعيشة .... كنا جلوسًا، أنا وأمى وجدتى وابن أختى الصغير ... الوجوة نصف مضاءة ولزجة بفعل الرطوبة .... يسكن فى جوفها عتمة أبدية.

ضاع العمر ياجدتى .. أكل الزمان علينا وشرب .. ضاع كل شئ .. الأمنيات .. أحلام الصبا .. بسمة العمر .. الشوق إلى الأحباب .. ضاع كل شئ .. وضاعت .. ضاعت جيهان ... ضاعت ياجدتى .. ضاعت !! .. أين؟.. لاأدرى؟ علَّها الآن هناك.؟ حيث الزوج والفراش الدافئ والطفل الرضيع والإضاءة الباهرة ...

أحلى ما فى العمر ضاع !! .... مضى .. يهدر الزمن القديم ساحقا أجزائى.. راغماً عينى على البكاء ومحذراً .. "إياك والبوح...!!". "تزوج حمدان ابن عمك..." قالت جدتى، "آه..... أعلم أنك ستعيدين تلك المقولة .. أعلم أنك ستكررينها على .. أعلمى يا جدتى .. لأنه حمدان فقد تزوج .. أما أنا .. فلا أستطيع ... لا أعرف كيف أبدأ من جديد .. لا أستطيع النسيان".

متخذا من ألمى القديم جرحا لا ينفد دمه وتتجدد آهاته .... طامتى الكبرى أنى أحببت .. تخيلت .. تمنيت .. عشت الأمنيات .. رأيتها تمشى على قدمين .... وعندما اصطدمت بالحائط .. سقطت منى .. ضاعت فى الظلام إلى حيث لا رجعة ... أغتصبها هواة الحديث عن خبايا البشر .. سرقوها من قلبى ومن عيونى.

كسيخ محمى .. يعبر جسدى .. يخترقنى صوت الجدة .. راداً أياى إلى الحقيقة .. وإلى أن "حمدان ابن عمى قد خطب "....