قد يتوهم بعض الحمقى أن شعار (تحيا مصر) هو مجرد شعار تردده الألسن، أو حناجر تهتف به فى أسواق الكذب والنفاق الرخيص أملا فى الحصول على مناصب زائلة، أو إرضاء لحاكم، أو بهدف اتخاذه ستارا لنهب أموال الشعب.
كم من رجال أعمال وفنانين وإعلاميين تتحشرج أصواتهم أو تكاد تنقطع أحبالهم الصوتية وهم يرددون هذا الشعار الذى يحمل أسمى معانى الانتماء والوطنية!
ولا تتعجب إذا رأيت أحدهم تهطل دموعه الحارة على وجنتيه، وقد يصاب بنوبة إغماء أو تشنج وهو يردد هذا الشعار الوطنى النبيل، ثم لايلبث أن تراه يقهقه وهو يدخن السيجار بعد فترة وجيزة جدا من إغماءته المصطنعة، وبعد ان تكون كل الكاميرات ووسائل الإعلام قد انصرفت بعد أن أخذ اللقطة المستهدفة الذى أراد عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد الترويج لها، أملا منه فى أن تصل رسالته المزيفة لمن يهمه الأمر!
نقسم بالله غير حانثين أننا على استعداد أن نجوع لتحيا مصر، بشرط أن نكون جميعا فى مركب واحد، فقراء وأغنياء، رجال اعمال وموظفين بسطاء، معلمين وطلاب، إعلاميين وفنانين.. نتقاسم لقمة العيش سويا فى ظل هذه الظروف التى تئن فيها مصر من وطأة أزمة اقتصادية خانقة.
نحن على أتم الاستعداد على أن نشد الأحزمة حول بطوننا، وأن نتحمل شظف العيش وقسوة الحياة، وأن نحرم أبناءنا من كل متع الدنيا بشرط العدل والمساواة بين الجميع ومن دون استثناء.
فما معنى أن يوجه بعض المذيعين رسائل غاضبة مستفزة إلى الشعب بشد الأحزمة والتقليل من الطعام الضرورى جدا لبقائهم على قيد الحياة، وهم يتقاضون رواتبهم بملايين الدولارات من أموال الشعب! كيف يصدقهم البسطاء وهم على مرأى ومسمع من الجميع وهم يقودون أفخر السيارات ذات الماركات العالمية، ويترددون على أفخم المطاعم ليتناولوا الكافيار والأطعمة والمشروبات الفاخرة، والتى يكفى ثمنها لإطعام عشرات بل مئات الأسر الفقيرة المعدمة التى قد لاتجد ثمن الخبز الحاف، أو التى قد تتجمد أطراف بعضهم من المشردين بردا لأنها اتخذت من الأرض فراشا والسماء غطاء فى هذا الشتاء القارس الذى لايرحم!
وأين رجال الأعمال من هذا كله وبنوك سويسرا متخمة بأموالهم وهم يضنون على وطنهم بمد يد العون والمساعدة إلا بالفتات، وطن كان له الفضل عليهم فيما هم فيه من نعمة وترف!
أليس من بينهم الآلاف القادرين لبناء الف مدرسة أو ليس من بينهم من يتبرع لمشروعات المياه والصرف الصحى لإنقاذ المصريين من الأوبئة والأمراض؟
وكيف يصدق البسطاء المطربين والمطربات والممثلين والممثلات وهم يتغنون بحب مصر وعشق مصر، وهم يهرلون لأمريكا للحصول على جنسيتها، طمعا بالإقامة الدائمة بها فى الوقت المناسب ، بعد أن أن يكونوا قد حلبوا أموال الشعب واستنزفوا أموال الشباب من خلال إقامة حفلاتهم الغنائية الباهظة الثمن!
كيف يصدق الفقراء والبسطاء وأبناء الطبقة المتوسطة التى اندثرت بفعل غلاء فاحش الدعوات التى تطالبهم بالصبر والجوع من أجل مستقبل أفضل لهم ولأولادهم وهم يستمعون لهذا الكلام منذ أكثر من خمسين عاما، دون أن يتحسن مستواهم المعيشى طوال هذه العقود فى وقت أصبحت فيه بلدانا عديدة لاتملك ما نملكه من خيرات ومقومات نمورا اقتصادية خلال وقت قياسى؟؟ أنى لهم أن يصدقوا هذه الشعارات والغالبية العظمى من عامة الشعب هى وحدها من تتحمل فاتورة الغلاء أو الإصلاح الاقتصادى كما يقول لنا صندوق النقد الدولى!
كيف يصدق الشعب المسكين أن مصر تمر بظروف استثنائية ، وأن الجميع عليه أن يصبر ويتحمل، وهو لايرى ترشيدا فى الانفاق الحكومى، أو بوادر تؤشر على أن الوزراء يعانون نفس معاناة الشعب!
ياساده ..لم تعد هناك أسرار يمكن إخفاؤها فى ظل هذا الفضاء الإعلامى والإلكترونى الكاسح والذى بات يكشف كل صغيرة وكبيرة .. فها هو فرح فلان أو فلانة من أبناء الطبقة المخملية يتكلف ملايين الدولارات تكفى لإقامة مائة مدرسة، وها هو فنان يحصل على ملايين الدولارات فى حفلة واحدة، وتلك راقصة تحصل على مائتين وخمسين الف جنيه فى ساعة واحدة نظير وصلة رقص فى أحد الفنادق، وهاهو ممثل يتباهى بسياراته الفاخرة وطائرته الخاصة فى بلد شعبه يئن ويعانى؟
نجوع نجوع وتحيا مصر إذا تحققت العدالة والحرية والمساواة.. نجوع نجوع وتحيا مصر ونفديها بأرواحنا ودمائنا إذا أثبت هؤلاء بالأفعال لا بالأقوال أن مصر المحروسة حية فى قلوبهم، مثلما هى حية فى قلوبنا، وحبها يسرى فى عروقهم مثلما هى تسرى وتجرى فى عروقنا ودمائنا .
نجوع نجوع وتحيا مصر ..إذا أيقن الشعب أن المنافقين والمخادعين والطبالين تم إقصاؤهم ، واستبدالهم بالمخلصين المحبين لوطنهم ، الراغبين بحق فى نهضته وتقدمه وازدهاره، لا الرقص على أشلائه .
لاتقتلوا كلمة الحق فهى طاقة نور نهتدى بها جميعا لكى نسير على هدى وبصيرة فى دروب الخير، فنحن نريد لوطننا مستقبلا مشرقا بالأفعال لا بالأقوال، بالصدق لا بالكذب والنفاق، بكشف أماكن الخلل لا بالتستر والتغطية عليها، بوطن يجمعنا جميعا تحت مظلة العدل والحرية مسلمين ومسيحيين، بإيقاظ المارد الجبار الكامن فى نفوس كل المصريين للمشاركة الحقيقية فى بناء وطنهم الذى يمتلك كل المقومات الاقتصادية لكى ينهض من عثرته ويصبح خلال وقت وجيز نمرا اقتصاديا يشار له بالبنان.
تحيا مصر ..تحيا مصر ..تحيا مصر، فعلا لا قولا، حبا وانتماء، تحيا مصر عفية بهية فتية نفخر بها فى كل زمان وكل حين.
--------------------
بقلم: محمد عويس