16 - 05 - 2025

مـا يُبهرك

مـا يُبهرك

لا يستطيع الزائر لبلد أوربى تجاهل الوجود المغربى في مدنه. أدناه وجوه تُفصح عن أصولها الشرقية دون مواربة، تقابلك وأنت تتمشى لتتعرف على المدينة، أو خلف طاولة البيع في المجمعات التجارية. يتجمع المغاربة في أحياء تنسب إليهم، في باريس/فرنسا، وبروكسل/بلجيكا، ودوسلدورف/ألمانيا، واسطنبول/تركيا، ودبى/الإمارات، وغيرها. يأنسون ببعضهم البعض، أخلاط من تونس والجزائر والمغرب وربما موريتانيا. المسجد سمة أساسية، وكذلك محلات الأطعمة تتصدرها كلمة (حـلال) بالخط المغربى الـمُمدد ورجال يرتدون العباءة المغربية ونساء محجبات. 

للمغاربة ولع بالسفر والترحال. ولدوا ليرحلوا فى إثر جدهم ابن بطوطة، أمير الرحالة، محمد بن عبد الله المولود فى طنجة بالمغرب، استمرت رحلته سبع وعشرين عاماً. لذا، لم يكن غريباً أن يكون بطل أحد أشهر روايات الكاتب الإنجليزي وليم شكسبير مغربياً، حتى وإن دارت الأحداث فى مدينة البندقية/فينيسيا بإيطاليا.

وقع عُطيل، ذو البشرة السمراء والملامح غير المتناسقة والشعر الخشن، فى غرام ديدمونة الجميلة، ابنة أحد كبار المدينة، انتهى بهما الأمر إلى الزواج دون علم والدها الذى ثار، حين علم، وكاد يفتك بابنته لولا تدخل البعض، فيذعن للأمر على مضض. تتصاعد الأحداث ويترقى عطيل ليصبح قائداً للجيش، وفى رحلته إلى قبرص يصطحب معه زوجته، لتبدأ خيوط المأساة. يحقد عليه ياجو، حامل علم الجيش وحافظ أسراره، لزواجه من ديدمونه مقارناً بين جمالها ودمامته، فيدبر مكيدة تنتهى بشك عطيل فى زوجته وقتلها، لا يلبث بعدها أن يكتشف الحقيقة فيقتل نفسه.

يقترب ما كتبه شكسبير عن حياة عطيل، نوعاً ما، مما صاغه الروائى السودانى الطيب صالح، فى روايته (موسم الهجرة إلى الشمال)، يتعرف مصطفى سعيد الطالب السودانى على جين موريس، اثناء دراسته فى انجلترا، بهرها بعقله وذكاءه وبهرته بجمالها، وقتلها بحسد الآخرين لهما وغيرته عليها، ليعود بعد انقضاء فترة سجنه إلى قريته، يحرث أرضه هارباً من ماضيه حتى يختفى فجأة ولا يعثر له على أثر. ما كابده مصطفى فى غربته صاغه الفيتورى في شعره، فكتب (فقير أجل/ ودميم، دميم/ بلون الشتاء، بلون الغيوم/ يسير فتسخر منه الوجوه/ وتسخر حتى وجوه الهموم/ فيحمل أحقاده في جنون/ ويحضن أحزانه في وجوم/ ولكنه أبدا حالم/ وفي قلبه يقظات النجوم). لم يرحم الفيتورى نفسه، ولا أمثاله، من بشرة فُرضت عليه.

على ذات الوتيرة، تسبب قبح النعمان بن المنذر، ملك الحيرة، في غيرته على زوجته وقتل الشاعر الـمُنَخل اليشكُرى. ذلك أنه، النعمان، خرج للقنص، فلما عاد سمع الناس تخوض في عِرضه وأن زوجته خَلتْ باليشكُرى في غيبته، فاستدعاه إلى قصره ولم يُعثر له بعدها على أثر. ويعرف الـمُنَخل في عموم الأدب ببيته الأشهر (أُحبها وتحبنى ويحب ناقتها بعيرى)، قالها في محبوبته هند مؤكداً أن الحب إذا وقع تسرب إلى ما حوله من حيوان ونبات وجماد، فإذا واليته بالعناية والرعاية سما مُغادراً الأجساد إلى الأرواح لتصبح الأولى أوانٍ للثانية.

روى الأصمعى قال، شوهدت امرأةٌ باهرة الجمال تجوب السوق وفى صُحبتها رجل بالغ الدمامة وعندما سُئلت عنه أجابت (زوجى)، فأبدى السائل دهشته، كيف اقترن الجمال بالدمامة فقالت (قُربُ الوساد وطولُ السواد). نعم، جمعتهما وسادة واحدة ولفهما ليل طويل. تقاربت النفوس فتوارت الملامح. رأت ديدمونة في عُطيل فروسية وشجاعة ورأى فيها وسامة وجمال، بـَهر مصطفى سعيد جين بذكائه وبهرته بجمالها، وفي النهاية يبحث كل منا عما يُبهره في الطرف الآخر كى يقع في حبه طواعية، هلا أخبرتني ما يُبهرك؟.
----------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد