07 - 05 - 2025

سياسة تعطيش السوق لرفع الأسعار تفاقم أزمة نواقص الدواء

سياسة تعطيش السوق لرفع الأسعار تفاقم أزمة نواقص الدواء

مطالبات بإنشاء هيئة ومجلس أعلى للدواء وتعديل سياسة التسعير:

سهل الدمراوي: ضرورة العمل على توفير الأدوية الناقصة دون مزايدات واختلافات حول هذه الكارثة التي تتفاقم يوميا على مرأى ومسمع الجميع

علي عبدالله: بيروقراطية "الصحة" تساهم فى أزمة النواقص حيث إن هناك عينات تخضع لرقابة هيئة الرقابة الدوائية لفترات طويلة تصل لأشهر بدلا عن أيام لتوفير الأدوية بالسوق دون حدوث أزمة نواقص 

نقص الدواء أزمة طاحنة تعاني منها مصر على مدار عقود، تُحل أحيانًا وتتعثر أحيانًا أخرى، وهي من الأزمات التي ترتبط وتؤثر على المواطن بشكل مباشر، فهناك أكثر من 30 مليون مواطن يعانون من أمراض مزمنة، أي نحو ثلث سكان مصر، بالإضافة إلى نسب مرتفعة أخرى في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى علاج بشكل عام، والذي يزداد أعدادهم سنويًا بمعدلات كبيرة، وفي ظل أزمة نقص الدواء وغلائه، يعجز كثيرون عن الحصول على دوائهم، مما يشكل أعباء إضافية ومعاناة للمواطنين في ظل ظروف إقتصادية صعبة. 

تعد الأزمة من ضمن ملفات الفساد المسكوت عنها، والتي فُتحت ونوقشت قليلاً بعد ثورة 25 يناير، ولكن سرعان ما أغلقت بعد ذلك، وإلى الآن والأزمة تتفاقم عامًا بعد عام، تحديدًا بعد قرار الحكومة بتعويم الجنية وتحرير سعر الصرف الذي ذهب بالأزمة بعيدًا دون تدخل مباشر من الدولة للحد منها ليس إلا مسكنات ضعيفة دون جدوى.

هناك جانب آخر من القصة أكثر تعقيدًا ويرجعه البعض إلى كونه من الأسباب الرئيسية في أزمة نقص الدواء، وهو "صناعة الدواء"، فكما أهملت الدولة أزمة نقص الأدوية، هناك إهمال أكبر في صناعة الأدوية محليًا، بعد أن كانت مصر في حقبة الستينات تنتج 90% من السلع في سوق الدواء، من خلال شركة النصر للكيماويات بالقليوبية، التي أنشأها عبدالناصر، حيث كان أول مصنع في أفريقيا والشرق الأوسط لإنتاج المادة الخام للدواء، فها هي مصر الأن لا تنتج سوى 5% من إحتياجاتها، وفي ظل حكومة تخصص ميزانية لا تتعدى 3% فقط من الناتج القومي للصحة، لا يبدو أن الأزمة في طريقها للحل الجذري.

وينقسم سوق الدواء المصري إلى قطاع عام وخاص، يغطي القطاع العام حوالي 20% فقط من احتياجات السوق، بينما يغطي القطاع الخاص الذي يمثله مستثمرون مصريون وأجانب النسبة الباقية، فصناعة الدواء في مصر قائمة على استيراد 10% من الأدوية في شكلها النهائي، واستيراد 85% من المواد الخام، ثم تصنيعها وتعبئتها وتغليفها حتى يصل الدواء لشكله النهائي، وهنا لتحرير سعر الصرف بالغ الأثر في حدوث أزمة الاستيراد.

عقدة الخواجة أم صفقات فاسدة؟ 

يتهم البعض الحكومة بالتعاون مع الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات وتسهيل عملية الاحتكار لسوق الدواء في مصر، والاعتماد علي الادوية المستوردة دون اصلاح الخلل في شركات الدواء العامة التي تقلصت حصتها الي 9% فقط من حجم السوق في الوقت الذي يشهد زحفا للاستثمارات العربية علي قطاع الرعاية الصحية في مصر، و ارتفعت حصة الشركات الأجنبية من 49% الي 60% فى عشر سنوات، منها 30 شركة فقط تستحوذ على 90% من السوق، كما أدى الاعتماد على الشركات الأجنبية إلى انخفاض صادرات الدواء إلى 500 مليون دولار فقط صادرات لـ154 مصنعا.

حلل الدكتور عبدالخالق فاروق الباحث والخبير الاقتصادي المصري أزمة نقص وتصنيع الدواء في سلسلة دراسات نشرها على أحد المواقع، و أرجع أنه من ضمن أسباب عدم صناعة المواد الخام محليًا هو سيطرة الشركات الأجنبية والقطاع الخاص على مدار العقود الثلاثة الماضية على سوق الدواء في مصر، وأوضح أن ذلك أدى إلى بروز عدة ظواهر من أهمها، الانخفاض التدريجي لحصة شركات القطاع العام المملوكة للدولة في مبيعات السوق لصالح القطــاع الخاص والأجنبي والمشترك، بحيث انخفضت حصة القطاع العام من 80% في منتصف السبعينات إلى أقل من 20% في منتصف التسعينات ثم إلى 6% عام 2014، ومازال نصيبه يتجه للانخفاض عاماً بعد آخر، مؤكدًا أن المجال الطبي وتحديدًا العلاجي من الأفضل له أن يكون تحت سيطرة الحكومة بشكل كامل لأنه يمثل أمن قومي.

الفساد لم يطل الأدوية فقط، بل حتى طال التغليف. كان قد طالب أحد أعضاء غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات بأن يتم محاربة غش الدواء بطريقة حديثة بدلًا من الطريقة التقليدية، بحيث يكون ضمان سلامة العبوة بنظام الباركوود، بأن تكون لكل علبة دواء رقم قومي مسجلاً عليها، وأشار العضو إلى أنه كانت هناك شركة مصرية تقدمت بعرض لتطبيق تلك المنظومة وعمل باركود للدواء كما تقدمت شركات أجنبية أيضًا، وتم تجاهل الشركة المصرية، وتم التعاقد مع شركه أمريكية بـ45 مليون دولار، لعمل تلك المنظومة بالرغم من أن الشركة المصرية عرضت عمل التطبيق مجانًا للشركات مقابل الحصول على ثلاثة قروش من كل علبة دواء. 

التعويم هو السبب والتسعيره هي الحل

بالتأكيد هناك أسباب أخرى لنقص الأدوية، وهي تسعير الدواء، فبعد تعويم الجنيه سحبت بعض الشركات بعض أدويتها من السوق، لتطرحها مرة أخرى بعد مدة بسعر أعلى، كما أوقفت بعض خطوط الإنتاج عددًا من الأصناف لعدم جدواها الاقتصادية، وهذا يظهر الوجه القبيح للشركات العالمية التي لا تضع الانسان في بؤرة اهتمامتها وتضع للربح في المرتبة الأولى، حتى لو كان الدواء يهدد حياة المواطنين.

يقترح خبراء الدواء لإنهاء هذه الأزمة من أساسها هو إنشاء هيئة ما تابعة لوزارة الصحة تختص بأزمة نقص الدواء، وتراقب كميات الأدوية والمخزون المتوفر في السوق، ومجلس أعلى للدواء يجمع كل الهيئات الخاصة بالدواء في كيان واحد، وتعديل سياسة التسعير التي تربط سعر الأدوية بدول أخرى دون مراعاة فروق متوسط الدخل، ووضع حل للتسعيرات التي تسمح بوجود عدة بدائل لنفس الدواء بفرق سعر كبير.

في هذا الصدد أوضح سهل الدمراوي عضو غرفة صناعة الدواء بإتحاد الصناعات، أن هناك أدوية هامة جدًا غير متوفرة بسوق الدواء، وطالب بسرعة العمل على توفير هذه الأدوية التي تخص صحة وحياة المريض المصري دون مزايدات واختلافات حول أمور بعيدة عن حل هذه الكارثة، والتي تتفاقم يوميا على مرأى ومسمع الجميع.

وأكد الدمراوي أن التعويم له بالغ الأثر على استيراد المواد الخام الفعالة وغير الفعالة ومواد التعبئة والتغليف، وارتفاع أجور العاملين بشركات الدواء، مع ثبات تسعيرة هذه الأصناف والتي تم تسعير معظمها من عشرات السنين عندما كان سعر الدولار لا يتجاوز أربع جنيهات، ولم يتم مراجعة ذلك رغم وعود الجهات المعنية، مما اضطر المصانع إلى تقليل الإنتاج حتى تم إيقافه لتعرضها لخسائر مالية من إنتاح معظم هذه الأصناف.

وأضاف الدمراوي، أنه تم زيادة سعر بعض أصناف الدواء مرتين خلال 2016 لبعض الأصناف الهامة أيضًا، وهي خطوة إيجابية، ولكن حدث خلط واضح أن الأصناف الهامة التي تم زيادتها هى الأكثر مبيعات وليست الأصناف الناقصة حاليا، وهذا أمر هام يلزم أخذه في الاعتبار.

من جانبه قال الصيدلي علي عبدالله، ومؤسس المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء، أن هناك عدة أسباب تؤدى لتفاقم أزمة نواقص الدواء منها عدم وجود مصانع منتجة للمواد الخام مما يجعلنا نستورد من الخارج بالعملة الصعبة، مؤكدا أن ذلك يتطلب الاهتمام بإنتاج المواد الخام محليا حتى لا تعطل عملية إنتاج الدواء وتوزيعه بالسوق ووصوله للمريض، مشيرا الى أن البيروقراطية المتبعة بوزارة الصحة تساهم فى أزمة النواقص حيث إن هناك عينات تخضع لرقابة هيئة الرقابة الدوائية لفترات طويلة تصل لأشهر من أجل التأكد من مطابقة التشغيلات للمواصفات الطبيعية، مؤكدًا أن مثل هذه الإجراءات الرقابية يجب ألا تتعدى أيامًا لتوفير الأدوية بالسوق دون حدوث أزمة نواقص بسبب انتظار القرار الوزارى بالإفراج عن الأدوية.

 وطالب عبدالله بضرورة تحريك أسعار الدواء وخاصة بشركات قطاع الأعمال وذلك لمصلحة المريض المصرى والاستثمار الوطنى بما يتماشى مع سعر الدولار والعملات الصعبة. موضحا أن رخص الأسعار يؤدى لزعزعة الثقة بالدواء المصري، كما أن الدواء يخضع لسعر الدولار، ومن جهة أخرى يجعل بعض الشركات تقوم بحالة "تعطيش" للسوق، ولا تنتج الدواء إلا عندما يتم تسعيره مجددًا، وهذا ليس في مصلحة المواطن على الإطلاق. 

----------------------

أشهر الأدوية الناقصة في الأسواق

من أبرز الأدوية الناقصة في السوق والتي يحتاجها المصريون: 

Atrocent vial الخاص بجهاز التنفس لأزمة ضيق التنفس

Cycloprogynova لتنظيم الدورة الشهرية للمرأة

Controloc الخاص بتقليل أفراز حمض المعدة 

Meronem vial مضاد حيوي 

Refresh plus drop قطرة مرطبة للعين

Alphagan drop قطرة للمياه على العين

Pulmicort .25

Epifasi vial

----------------------
تحقيق- عبدالرحمن العربي