13 - 05 - 2025

العالمانية (بالألف) وعلاقتها بالدين والسياسة

العالمانية (بالألف) وعلاقتها بالدين والسياسة

{كنتُ أسعى إلى الفضيلة، كى نتمكن من ممارسة حريتنا على نحو أفضل. كنتُ أومن ببلد يخص الجميع، يضم الجميع، مهما كان جنسهم أوعرقهم أودينهم أوعقيدتهم} آ (الحكيم سينيكا– فى رواية "كرسى الرئاسة للمبدع كارلوس فوينتس)

{حاول رؤساء الفاتيكان شراء عقل وضمير الفيلسوف فولتير(1694- 1778) بــــأنْ عرضوا عليه منصب (كاردينال) فقال لهم (( لا.. لن أكون كاردينالا معقود اللســـان، وأنا أمتلك السيادة الفكرية)) } 

{من يبدأ بحرق الكتب، ينتهى بحرق البشر- من كتاب تاريخ البشرية الذى لم يُكتب بعد} 

***

يرى الأصوليون أنّ العلمانية تسعى لإقامة دنيا بلا دين، فى حين أنّ تجربة تطبيق مبادىء (العالمانية) فى بعض الدول تؤكد العكس..و(العالمانية) تُكتب بالألف، لأنها تعنى الإهتمام بشئون العالم الدنيوى.. وأنّ الربط بين المصطلح ومعنى العالم أدق، لأنّ الترجمة الصحيحة هى (الزمانية) لأنها ((ترتبط فى اللغات الأوروبية بالأمورالزمنية، أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض)) (د.فؤاد زكريا- مجلة قضايا فكرية- أكتوبر85..وأنظرد.مراد وهبة فى كتابيه (جرثومة التخلف)، (ملاك الحقيقة المطلقة) هيئة الكتاب المصرية - مكتبة الأسرة- عام 1998، 1999على التوالى) وكتاب الأسس الفلسفية للعلمانية للمفكراللبنانى عادل ضاهر- دارالساقى– بيروت– لبنان ط 2 عام 1998) وآخرين.

أما الإهتمام بالعلوم الطبيعية فيأتى كنتيجة لتطبيق مبادىء العالمانية..ويرى د.صادق جلال العظم أنّ العلمانية مع ((الحياد الايجابى للدولة بأجهزتها إزاء الأديان والمذاهب الموجودة فى المجتمع وبخاصة فى المجتمعات التى تحوى أقليات دينية كبيرة ومؤثرة وفاعلة كما هوالحال بالنسبة لمسلمى الهند ومسيحيى مصر)) (العلمانية والمجتمع المدنى- مركزالدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان- عام 88 ص 8) 

العالمانية والقيم الروحية:آ 

إنّ أعضاء أحزاب الخضر ليس لهم أى دورفعال إلا فى ظل المجتمعات المؤمنة بمبادىء العالمانية لأنهم أحرار فى مجتمع يعترف بحرية الإنسان، فتحدوا حكوماتهم فى دفن النفايات النووية سواء على أراضيهم أو على أراضى شعوب أخرى.. والمتطوعون الذين يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية ويُعرّضون أنفسهم لانتقال الأمراض المعدية إليهم هم أبناء ثقافة العالمانية.. والفلاسفة الذين أدانوا الحروب وهاجموا رؤساء أمريكا عالمانيون أمثال برتراند رسل وسارتر. بل إنّ أينشتين (موسوى الديانة) رفض عرض بن جوريون بأنْ يكون رئيسًا لإسرائيل.. ورفض سيجموند فرويد (موسوى الديانة) الدعاية لقيام دولة إسرائيل وعارض فكرة إقامة الدولة الإسرائيلية لعدم اقتناعه بإنشاء وطن لليهود على أرض شعب آخر.. ورفض الكاتب المسرحى آرثر ميلر جائزة القدس التى منحتها له الحكومة الإسرائيلية تعبيرًا عن استيائه من سياسة شارون ضد الفلسطينيين.

كما أنّ 37 أستاذًا من جامعة بن جوريون فى بئر سبع وقعوا على مذكرة احتجاج على منح شارون شهادة دكتوراه فخرية. فهل هناك مرجعية أخرى غير (الضميرالإنسانى الحى) وغير (البعد الروحى)؟ وبماذا نصف تصريح وزيرة العدل الألمانية التى قالت ((إنّ سياسة جورج بوش أشبه بأساليب الزعيم النازى هتلر))؟ وبماذا نصف تصريح الكاتب المسرحى البريطانى هارولد بنتر عقب شفائه من السرطان الذى قال فيه إنه لن ييأس من السعى لتقديم كلينتون وتونى بلير لمحكمة مجرمى الحرب، وأضاف أنه شاهد بعينيه الفظائع التى ارتكبتها القوات الأمريكية والإنجليزية فى حرب البلقان، وبماذا نصف تبرعات الرأسماليين فى الأنظمة العالمانية للأبحاث العلمية والجمعيات الخيرية والمستشفيات. أليس هو البعد الروحى؟

وفى الحضارة المصرية ساوى المصرى القديم بين رذيلة الكذب والبراز (أنظر كتاب الموتى– ترجمه عن الهيروغليفية- محسن لطفى السيد– روزاليوسف عام 2004، هيئة قصورالثقافة عام 2010) أما بوذا (563- 483ق.م) فذكر أنّ الوصول للسعادة يتمثل فى مجاهدة النفس حتى تبتعد عن ((الكذب والنميمة وتجنب القتل والايذاء والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسى غيرالأخلاقى واحترام الكائنات الحية جميعًا)) وعن البعد الروحى فى البوذية كتب العالم جون كولر ((تركت التعاليم الفلسفية الخاصة بالبوذية أثرها فى جانب كبير من الحضارة الآسيوية. فقد تغلغلتْ البوذية على نحو يفوق أى دين آخر فى الثقافات التى ارتبطتْ بها: بورما،سريلانكا، كمبوديا، تايلاند، لاوس، التبت، الصين، كوريا، اليابان، فيتنام، حيث سيطرتْ البوذية. وفى مقدمة خصائص البوذية الكرامة الإنسانية، التسامح، روح الشفقة واللاعنف)) وعن الكونفوشية كتب ((أكدت المدرسة الكونفوشية أنّ الأخلاق والخير فوق القوانين)) (كتاب الفكر الشرقى القديم – تأليف جون كولر- ترجمة كامل يوسف حسين- سلسلة عالم المعرفة الكويتية- رقم 199- يوليو- 1995– ص 319) 

العالمانية ومؤسسات الدولة:

تتأسس العالمانية على فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية. أى أنها لاتعنى فصل الدين عن المجتمع.. وهى تُفرّق بين الشخص الطبيعى الذى له حق اعتناق ما يشاء من أديان ومذاهب وفلسفات وبين الشخصية الاعتبارية (الشركات والهيئات والوزارات) فهى ليس لها دين ولا تتعامل بالدين وإنما بقوانين ولوائح.. ويؤكد ذلك أنّ الأنظمة العالمانية فى أوروبا وأمريكا والهند واليابان إلخ تسمحببناء كل دورالعبادة، وأحيانــًـا تكون الكنيسة والمسجد فى حالة تلاصق.. وقد صرّح مفتى جمهورية البوسنة والهرسك د. مصطفى سيريتش أنّ ((السويد تُساهم فى ترميم مساجد ومعالم إسلامية تاريخية فى مناطق مختلفة فى البوسنة بغرض إحياء هذا التراث الحضارى الفريد فى أوروبا لاعتبارات ثقافية وإنسانية)) (صحيفة القاهرة- 25/10/2005- ص 4) آ فى حين أنّ دولة عربية لاتوجد بها كنيسة واحدة. بل إنّ مصر(رغم أنها ليست ثيوقراطية بنسبة 100%) فإنها تــُـفرّق بين بناء المسجد وبناء الكنيسة>

الفصل بين المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية هو السبيل الوحيد لدرء توظيف الدين (الثابت والمقدس) لصالح السياسة (المتغيرة وغير المقدسة) إنّ هذا الخلط بين مؤسسات شئون التقديس وشئون السياسة جعل رأس المواطن أشبه بكرة القدم، فالإصلاح الزراعى حلال لأنّ السلطة السياسية (عهد عبدالناصر) أرادتْ ذلك. ثم هو حرام عندما تغير موقف الحكم. حتى الحروب (غزو العراق للكويت ثم غزو أمريكا للعراق نموذجًا) والمعاهدات الدولية والاكتشافات العلمية بما فيها الطب، تخضع لمرجعية مؤسسات شئون التقديس وليس للعلماء، فينحط البحث العلمى ويتحمل البشر الخاضعون للشيوخ ضريبة التخلف.. ولعلنا نتذكر ضحايا شركات توظيف الأموال (= نهب الأموال) الذين ردّدوا وراء موظفى الدين: هل نأخذ العوائد الحلال المرتفعة وندخل الجنة، أم نودع فى بنوك الدولة وندخل النار؟
--------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟