منذ عدة سنوات كانت الكتابة عن (حذف خانة الديانة) من البطاقة الشخصية، أقرب إلى المُـحرّمات، مع (كبشة) من الاتهامات من عينية الإلحاد.. والعداء للإسلام وتكفير من تجرّأ وكتب..وهوما يعنى إرسال (شفرة) التحريض على قتله.آ
وفجأة قرأتُ لبعض الصحفيين والإعلاميين الرسميين مقالات مُـدافعة (بشكل غيرمباشر) عن إلغاء خانة الديانة.. ومن بين تلك المقالات- على سبيل المثال- مقال الصحفى والمذيع أحمد موسى، الذى ذكر أنه من المُـقرّر أنْ يـُـناقش مجلس النواب مشروع تعديل المادة 49 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 الذى قـدّمه النائب إسماعيل نصرالدين لإلغاء خانة الديانة من البطاقة.. واعترض الأزهر على هذا الاتجاه.. وكذلك الجماعات ((الظلامية)) والإخوان.. ومعهم الأصوليون أمثال د.محمد سليم العوا، الذى زوّرالواقع عندما قال: إنّ الدول التى ألغتْ خانة الديانة، ألغتْ الدين من حياتها (أهرام14ديسمبر2018).. كنوع من التخويف لأنّ هذا الكلام غيرصحيح.
فما أسباب التطور الأخير؟ وهل تطوّع الإعلاميون الرسميون للكتابة عن إلغاء خانة الديانة من تلقاء أنفسهم؟ أم بعد تلقى الضوء الأخضر من المسئولين؟ أغلب الظن الاحتمال الأخير لأنّ هذا الموضوع يـُـعتبر(من أعمال السيادة) كما سار عليه الأمر بعد يوليو1952.. وإذا كان الأمر كذلك، فهل يحق استنتاج أنّ الحكومة تــُـمهـّـد للإلغاء؟ وهل هذه الخطوة لها علاقة بقرارشيخ الأزهربالاعتكاف فى قريته؟
أتمنى أنْ يكون ظنى فى محله، للأسباب التالية:آ
خانة الديانة فى الرقم القومى وفى شهادة الميلاد إلخ هى من توابع الدستور الذى نصّ على أنّ ((الإسلام دين الدولة..ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدرالرئيسى للتشريع)) (مادة رقم2 من دستور 1971 بعد تعديلات 2007) وبعد انتفاضة شعبنا فى يناير 2011 أصدر المجلس العسكرى الإعلان الدستورى فى 30 مارس 2011.. واحتفظ بنفس تلك المادة الكارثية، لأنها تــُـكرّس لمفهوم الدولة الدينية، التى هى النقيض للدولة المدنية، التى يتساوى فيها المواطنون فى الحقوق والواجبات، بغض النظرعن ديانة المواطن. آ
وأعتقد أنه من المهم مراعاة الفرق بين دستور سنة 1923 ودستور 1971 وما تلاه، حيث أنّ الدستور الأول نصّ على ((الإسلام دين الدولة)) أى أنه لم ينص على كارثة القيد الحديدى (مبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) وهوما جعل القضاء المصرى شديد التزمت فى أحكامه ضد الليبراليين (نصر أبوزيد نموذجـًـا رغم دفاعه عن الإسلام) خاصة عندما يكون القاضى من الإسلاميين.. كما يجب مراعاة أنّ المادة فى دستور 1923 جاءتْ فى الذيل (مادة رقم149) وليستْ فى مقدمة المواد كما فى دستور 71 وما تلاه، ورغم ذلك فإنّ مثقفى مصر هاجموا دستور 23 بسبب تلك المادة الكارثية أمثال محمود عزمى وآخرين. أما طه حسين فقد رأى أنها لن تــُـفرّق بين المسلمين.. وغيرالمسلمين (فقط) وإنما بين المسلمين والمسلمين أنفسهم لأنهم لم يفهموا الإسلام على وجه واحد (مجلة الحديث- فبراير1927) آ
وأعتقد أنّ الخطوة الجريئة التى اتخذها رئيس جامعة القاهرة سابقــًـا (د.جابر نصار) بإلغاء خانة الديانة من الاستمارات التى توزّع على الطلبة، تستحق التقدير.آ
كما أعتقد أنّ النص فى الدستورعلى (دين الدولة) انعكس- حتى- على الجمعيات الأهلية وبعض النوادى وبعض النقابات بل بعض منظمات حقوق الإنسان، حيث لاحظتُ أنّ استمارة الاشتراك فى تلك الجهات بها خانة للديانة، وكنتُ أشتبك مع المسئولين فى مناقشات حادة من جانبهم هادئة من جانبى، لأقنعهم بخطورة تلك الخانة التى تــُـكرس للتمييز بين الأعضاء على أساس الدين.. ولكن معتقداتهم التى دخلت رؤوسهم ولها خصائص الاسمنت، أغلقتْ عقولهم فلم ينصتوا لكلامى ولم يـُـناقشوا حججى وأصروا على رأيهم فكنتُ أرفض التوقيع على الاستمارة. وقبل أنْ أمشى كنتُ أسمع من يسألنى ((هوّانت مسلم ولاّمسيحى؟)) فكنتُ أعطيه ظهرى وأنا أخاطب نفسى: هوّفيه واحد مسيحى لقب عيلته (رضوان)؟
وإذا كان النص فى الدستورعلى (دين الدولة) يـُـشكــّـل كارثة، حيث وضعه أصوليون إسلاميون تملقــًـا للرئيس السادات، الذى فرح به ووافق عليه على الفور، فى إطار صفقة شريرة بينه وبين التيارالإسلامى بكل فصائله.. وكانت نهايته على أيديهم، فإنّ الكارثة الأكبر هى صمت أغلب المتعلمين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة (من شعراء وروائيين وباحثين وإعلاميين وسياسيين) أى أنهم لم يـُـحاولوا مقاومة التيار الأصولى والدفاع عن مفهوم الدولة العصرية. رغم أنّ الدفاع عن هذا المفهوم أمرٌ بسيط ويسير، ويعلمه طلاب كليات الحقوق، حيث يدرسون الفرق بين الشخصية الطبيعة والشخصية الاعتبارية.. وأنّ الأولى تشمل الأفراد مثل (محمد أو جرجس) أما الثانية فتشمل الهيئات والمؤسسات والشركات والوزارات إلخ..وإذا كانت تلك الجهات ينطبق عليها مصطلح (الشخصية الاعتبارية) فمن باب أولى ينطبق على (الدولة) لأنّ الدولةآ Stateآ لاتتعامل بالدين.. وليس لها دين، إنما الدين يحمله الشخص الطبيعى ومن ممتلكاته الشخصية.. ورغم كل ذلك تجـنـّـب المتعلمون الخوض فى هذا الموضوع، بما فيهم قطاعات عريضة من المسيحيين، بل إنّ بعضهم بالغ فى تملق السلطة.. وقال إنّ الإسلام فيه حماية للمسيحيين.آ
***
فى عام 2004 اشترك مصريون لتكوين (حزب مصر الأم) تحت التأسيس.. وفى الجمعية العمومية الأولى.. وافق الحاضرون بالإجماع على أنْ يكون رئيس الحزب عالم المصريات الراحل الجليل (محسن لطفى السيد) وكان معنا أيضـًـا الراحل الجليل (بيومى قنديل) وقد تضمّـن برنامج الحزب (إلغاء خانة الديانة من كافة المُـحرّرات الرسمية) رفض رئيس لجنة شئون الأحزاب (صفوت الشريف) الموافقة على إشهار الحزب.. كما صدرحكم المحكمة الإدارية بالرفض (كما ذكر أحمد موسى، دون أنْ يـُشير إلى حزب مصر الأم الذى رفع الدعوى).. ومع ملاحظة أنّ تقرير لجنة مفوضى مجلس الدولة.. كان لصالح الحزب.. وأنّ المستشار الذى كتب التقرير ذكر بالحرف: إنّ برنامج الحزب ينطبق عليه الشروط الموضوعة (من لجنة شئون الأحزاب) للموافقة على الأحزاب الجديدة.. ومن أبرز هذه الشروط فى برنامج (حزب مصرالأم) هو(تميزه) عن كل الأحزاب السابقة.آ
---------------------
بقلم: طلعت رضوان