لما تشوف حد ظهرت عليه علامات الغنى فجأة أو بيفتح مشاريع ورا بعضيها وامورة اتظبطت بدون اسباب، اعرف انه ياحرامي سرق سريقة ضخمة ، يا بتاع اثار يا إماشغال في غسيل الأموال ..
آ الأولاني نادر الوجود وكان في عصور ماضية وانقرض ،والنوع التاني غالبا بيتدارى او بيتجه لانشطة في نفس مجاله .. لأن اغلب اللي عرفوا يسرقوا ويهربوا اثار هم بتوع الاثار نفسهم او اللي قاعدين عليها ..
يعني موضوع انزل يامحما.. ابوك لقى مساخيط .. ده مبيحصلش ...كله نصب في نصب ..وحكاياته دايما ابطالها مستوى تعليمهم وذكاءهم محدود وتفكيرهم ضيق وبيصدقوا في اساطير الزيبق الاحمر ونصب بعض المغاربة والافارقة والجو ده.
النوع التالت هو المنتشر في العالم كله ، وتحديداً في الدول اللي القوانين فيها مخربقة شوية والمسئولين وموظفين الجهاز الاداري والتنفيذي ذممهم مرنة..
علشان كده مصر من اوائل الدول اللي اشتهرت بغسيل الاموال من سنين طويلة ..نقدر نقول من بداية عهد السادات بس وقتها كانت محلية آ مش دولية ..
تجار مخدرات مثلا بيشتروا اساطيل عربيات ويفتحوا مشاريع ضخمة ومحلات دهب
قوادين وبتوع دعارة واللذي منه بيفتحوا شركات انتاج ومطاعم وكده
بس الحكاية وسعت في النص الاخير من حكم المخلوع ، لما الورثة كبروا وبلغوا .. سن الرشد والمشاركة في المشاريع الكبيرة واللغوصة في أي فلوس داخلة البلد .
( حكاية 1 )
اول مرة بدأت الاحظ او اهتم بموضوع الغسيل ده ، كان في بداية الالفينات لما فتح جنبنا في شارع فيصل محل 3 ادوار فيه من الابرة للصاروخ ، وسألت عنه واحد من القدام في الشارع لما لقيت عربيات غالية جدا احتلت مساحة الرصيف كله للبيع بالتقسيط ، وكان صاحب المعرض ده يحط ترابيزة وكراسي ويقعد يشيش في الشارع من بعد الساعة 2 بالليل وللصبح ...وعربيته المرسيدس اخر موديل سادة نص الطريق ..
ومعاه شوية حريم من اللي هم قطعية ولبس كباريهات الخمس نجوم ..
والمنطقة كلها منزعجة من الحالة دي ...والباشا حواليه شوية بدل طول بعرض من اللي شبه جاردات عمرو دياب كده،
واستغربت لما لقيت ان ده رابع محل بنفس الحجم ده يفتحه في الجيزة ..
ودي كانت البداية اني احاول اجيب قرار صاحبنا ده ، وكان من أهم مصادري الغالي المرحوم الدكتور عزازي لأن تصادف ان الراجل ده من بلد جنب بلدهم ...وتابعت باقي الخيط لغاية ماجبت اوله ...من وقت ماكان الباشا ده كل شغلته انه يحمي عربية الشباشب بتاعة امه واخواته ..
ومفيش داعي للخوض في الجزء الاخلاقي اكيد لأني " مواطن شريف " ومحبش اضر المجتمع ..
المهم ان عربية الشباشب اللي كانت بتفرش نصبة في سوق اسبوعي في مركز في الشرقية كبرت ماشاء الله وفي ييجي 5 آ سنين اتحولت لامبراطورية ضخمة ...
ومحدش يعرف بالتاكيد الراجل ده جاب كل الفلوس دي منين ..
كان نشاطه الاساسي التقسيط ..تقسيط اي حاجة من اطقم الحلل والملايات للعربيات النقل الكبيرة ..
واللي بيحمي النشاط ده ويضمن دفع الاقساط جيش من البلطجية اللي الرحمة خلت من قلوبهم ..
اللي هم بيجيبوا اللي متأخر في دفع القسط ويتعلق من رجليه لغاية مايجيب المطلوب منه ..ودي حاجة معروفة عند كل اللي بيقسطوا خاصة في الريف والمناطق الشعبية ..
وساخات الراسمالية المريضة اللي كومت مليارات من استغلال حاجة الغلابة وعدم وجود سيولة معاهم ..
هامش: حاولت اعمل تحقيق استقصائي كده للنشر في الجرنال علشان انا بطل وعايز اتشهر وكده ...بس قالوا لي كفاية يبعت لك اقل واحد في البلطجية بتوعه يجي يسلخك حي .
( حكاية 2 )
بعدها بكام سنة ...حد من مصادري ( اغلب مصادري كانت شعبية مش رسمية زي كل "الفاشلين" من الزملاء ) قال لي فيه 2 محامين في شبرا الخيمة دايرين يدوا الناس قروض بتوصل ل 50 الف
( كان المبلغ ده رقم وقتها على الاقل يجيب عربية مستعملة نضيفة شادة حيلها )
ونزلت انا وأحد الزملا والاصدقاء رفقاء الكفاح من أبناء المنطقة ( لا داعي لذكر إسمه ) وبدأنا بدعبس على تفاصيل ..
شوية شوية عرفنا نوصل للمحامين نفسهم ..
واتكلمنا معاهم على اساس اننا عايزين قرض وكده ، وفي الاخر نجحنا نقنعهم يرتبوا لنا معاد مع سيادة العميد..
مين سيادة العميد ؟
ده واحد عامل مكتب فخم ضخم في عمارة كبيرة في حتة راقية ...وعربيات وسكرتيرات والجو ده..
والمكتب فخيم واحدث اثاث وفرش وديكور..وماتلاقيش فيه ورقة ولا دوسيه واحد ( وقتها مكنش لسه كل حاجة بقت ديجيتال زي دلوقتي)
علشان تدخل عنده بتعدي على 3 سكرتيرات ثم مدير مكتب ..من اللي هم عندهم عيون التعالي دي متعرفش هو باصص لك ولا شارد الذهن..وابتسامة صفرا بايخة ..وصوت يشبه الفحيح ..
دخلنا وقعدنا مع سيادته وبين كل 3 او اربع مكالمات يتكلم معانا جملتين تلاتة ...
وبناء عليه الموعد ده اتكرر تقريبا 3 مرات في اسبوع واحد ..
اهم الملاحظات :
** كان دايما يتكلم على جمال مبارك كأنه صاحبه بيسميه ( جمال بيه ) باعتبار ان ده بيديه نوع من القوة والشرعية ، وقتها كان جمال جاي جاي وكان لسه جهود ضد التوريث بتستوي ..
** فهمت منه ان فيه معركة كبيرة بين 3 روس كبيرة في البلد على توكيل ( توظيف الاموال ) ده ..هو كان بيسميه كده ..وانه دفع مبلغ خيالي جدا علشان يفوز بالتوكيل ..
** كل الشغل قانوني وفي السليم ..( ظاهريا طبعا )
** الراجل بدا مقتنع تمام التمام انه بيعمل خير لأنه بيساعد الشباب علشان يعملوا مشاريع ويطلعوا من دوامة الفقر والديون ...ودايما عنده أمثلة يقولها عن ناس بدأت من الصفر ودلوقت بقوا مليونيرات ..
واتفق معانا على الآتي:
قال هديكم مليون جنيه ..تعملوا بيها جرنال قوي
المطلوب: تأسيس ( ورقي ) لشركة في هيئة الاستثمار – فتح حساب باسم الشركة في البنك
استئجار مكتب ولا شقة تتحط عليها يافطة باسم الشركة والجرنال .
بعد شهر تبدأ دفعات الفلوس تتحول على التوالي – كل دفعة 50 الف.
سداد الاقساط يبدأ بعد 5 سنين من اخر دفعة ( ..)
وبالمناسبة دي كانت نفس الشروط بتاعة شبرا الخيمة .
(حكاية 3 )
حسينا اننا قلبنا على احمد زكي في ارض الخوف
وبدل ماحنا داخلين نعمل تحقيق استقصائي وبنستدرج الراجل علشان نصر صحفي ، هو اللي استدرجنا ووقعنا في شبكته زي الدبان ..
اكيد فكرنا نوافق ..وليه لأ يعني ..واهي فلوس مش عارفين مصدرها اذا كان تجارة سلاح ولا دعارة ولا مخدرات ولا متلغمطة بدم كام جثة ...
لكن ادينا هنعمل جرنال اخيرا بتاعنا ،وهنحقق الحلم وبعدها نبقى نواجه الكائنات دي ونقف ضدها وكده ..
وفي النهاية قررنا نفض الليلة ..وننفض للموضوع وحتى النشر بقينا مش متحمسين له ، ربما لأن الموضوع كان مخيف وقتها أو لأننا كنا مدركين اننا مش هنلاقي جرنال من الاربعة خمسة اللي كانوا وقتها ينشر لنا حرف .
( حكاية 4 )
كان فيه ظابط امن دولة لطيف ظريف مبتسم كده اتعرفت عليه لما استدعونا وقت ماكنت رئيس تحرير مطبوعة جديدة انا ورئيس مجلس الادارة ، وده اجراء روتيني عادي ..
لكن الراجل ده اداني رقمه وخد رقمي وكان لطيف ومثقف الصراحة ، ومن بعدها بقى كل فترة يتصل ..في عيد او اي مناسبة وكده ..، وده طبيعي وبيحصل ..وكنت احيانا اشوفه قريب من الهناجر مثلا ودار الاوبرا وواضح انه كان تخصص مثقفين ...ومرة عزمني على الشاي وكان قاعد مع خالد جلال ابو الجيل الجديد من الفنانين ..
افتكرته بعد حكاية سيادة العميد بتاعة غسيل الاموال دي ..قلت اذا كنت مش هنشر ، ولا هناخد المليون جنيه ، طيب نلحق البلد من الأعداء دول واسلم المعلومات دي لجهة تهتم ...
وقتها حسيت بمشاعر جمعة الشوان وهو بيشاور للتاكسي يقول له كوبري القبة ..وانا بدور على رقمه واطلب منه نتقابل في حاجة "خطيرة" .
بالليل كنا على كافتريا الهناجر ...هات ماعندك ، بدأت احكي واوطي صوتي لحد يسمعني وكده ، هو الصراحة كان مستمع جيد وسابني لغاااااااية ماخلصت اللي عندي .
ورجع بكرسيه لورا وضحك كده ..
وقال: وايه المشكلة ؟ فين الجريمة يعني ؟
- آ آ آ آ ازاي ياعم ..دي الشفافية والاقتصاد النظيف وال...الخ الخ ...رد بثقة وقال : المفروض افرح لما فلوس تخش البلد مش ازعل ، دي ناس جايبة لي فلوس علشان تشغلها في البلد انا ارفضها ليه وازاي ..؟
لما لقاني اتصدمت وازبهليت وسكت ، قال لي : تفتكر عماد اديب اللي بيدفع مرتبات موظفينه بالعافية معاه منين 100 مليون جنيه يصرفهم على عمارة يعقوبيان ؟ ( كان الفيلم وقتها حديث الشارع )
طيب بلاش تفتكر هو نفس الشخص جاب منين الفلوس اللي عمل بيها مجمعة الشركات دي ؟
وفلام الفلاني صاحب شركة الانتاج الضخمة دي جاب فلوسه منين ؟ تفتكر احنا مش عارفين ؟ مش احسن ما الفلوس دي تتدفن تحت الارض ومحدش يستفيد بيها ..أهي بتطلع وبتفتح بيوت وتشغل ناس..
وانعقد لساني واترسمت على وشي ابتسامة بايخة كده ماتعرف ده ضحك ولا مقدمة بكا ...وانا بسلم عليه واشكره على وقته ...وروحت ..
هامش: الكلام ده حصل من سنين ...الواحد بيفكر ايه الوضع دلوقتي ؟ وكام جهة بتشتغل في الغسيل ؟ ( بالمناسبة شغل الناس دي منظم ولهم وكلاء فعلا ..وناس كبيرة ومهمة ..مش بيشتغلوا كده وخلاص )
كمان الضغط بيزيد لأن عالميا الدول بتنضف اقتصاداتها ومؤسساته المالية وبتفرض شروط وشفافية علشان تقدر تفتح ابواب الاستثمار وتعمل علاقات تجارية واقتصاديةطبيعية مع باقي دول العالم ..
فعلا الفلوس دي بتتطارد من دولة لدولة ودلوقتي النظام المالي العالمي قرب يبقى شبكة واحدة اللي بيتعمل هنا بيظهر هناك ..
ازاي احنا حاليا بنتعامل مع هجوم المليارات ده ... واحنا بنفكر نبيع كلاب وقطط علشان خمستلاف دولار . ..؟
-----------------
بقلم: خالد الدخيل