13 - 05 - 2025

رئيس دولة السيارات

رئيس دولة السيارات

لسنوات طويلة، تجاور مقعدانا، هو ممثل لدولته، الدومينكان، وخادمكم للمحروسة. بحكم الترتيب الأبجدي بالإنجليزية لأسماء الدول تجاورنا. تحظى اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أيرينا، بحضور دولى عالى المستوى من أكثر من مائة وخمسين دولة. بحكم الميثاق، يعقد مجلس الوكالة اجتماعان سنويان، بفاصل ستة شهور، وآخر للجمعية العمومية.

في أول لقاء، ألقيت التحية ذات اليمين وذات الشمال. اللغة الإنجليزية ضامن التواصل في المحافل الدولية. بدا ودوداً هاشاً مشجعاً لحديث محتمل في فترات الاستراحة. نظرت في الكارت الشخصى وقلت مندهشاً "عامر ؟ .. اسمك عامر"، ثم اكملت بالعربية "أنت من أصول عربية إذاً؟". ابتسم واجاب بعربية سليمة يشوبها لهجة الشوام "نعم"، ثم أردف "أشكر لأبى إصراره على تعليمنا اللغة العربية. إنها سبب عملى في السفارة بأبو ظبى".

تؤطر الصبغة العربية حياته، في البداية التزم بها إرضاءً لوالديه، مع الوقت اكتشف ارتباطه بجذوره عبر حبل سُرى. في الغربة، تظل الجذور حية وطازجة، يسقيها الحنين من ينبوع شوق لا يجف. تعيشها الأجيال الأولى من المهاجرين، الآباء والأجداد، وتشاغل الأبناء من حين لآخر ما لم يذوبوا في الوطن الجديد. 

هذا العام، ولاعتبارات تنظيمية، تباعدت مقاعدنا وإن ظلت لقاءاتنا في الاستراحة طقساً ثابتاً. قدمني إلى اثنين كانا يتحدثان معه بالإسبانية بينما يرشفان القهوة على مهل. تبادلنا الكروت. رفعت وجهى تجاههما متسائلاً "مهاجران عربيان على رأسي سفارتي بلديهما في الإمارات؟". ثم أكملت "كولومبيا وفنزويلا .. يا لها من مصادفة". عقب السفير الكولمبى بعربية تشوبها عجمة "غادرت عَمَان طفلاً في الثالثة"، ثم استطرد بالإنجليزية بعد ما افلتت منه لغته "هاجرت مع والدى إلى كولومبيا. ما زلت اتذكر بعض الكلمات العربية وتحتفظ ذاكرتى ببعض من خيالات صور الأردن عندما أزور والدى. أشعر أنه نقل مسقط رأسه معه إلى بوجوتا (عاصمة كولومبيا)".

"أنت محظوظ" عقب المستشار التجارى الفنزويلى، ثم نظر إلينا مبتسماً وقال "تُوفى والدى وأنا صغير ولم نجد من يرعى لغتنا العربية خاصة بعد زواج أمى". ضحكنا ورُفعت كُلفة الحديث ليجرى عفوياً متجنباً البروتوكولات. جلسة قصيرة بطول فنجان قهوة ومطرقة أجندة من الالتزامات. شرد ذهنى في تبعات الحديث، تفرق الشوام في بقاع المعمورة، هاجروا إلى حيث لا يتوقع الآخرون، توجه غالبية العرب نحو الشمال الأوربى وقصد الشوام أمريكا اللاتينية ومجاهل إفريقيا. فكرٌ مغامر، وشطارة، ولسان حلو، تلك ثُلاثيتهم في اختراق أسواق بكر فتحت لهم ذراعيها فحققوا نجاحات وتبوؤوا مناصب سياسية، كارلوس منعم رئيس الأرجنتين الأسبق، انطونيو سقا رئيس السلفادور السابق، وعبد الله بوكرم وجميل معوض توليا الحكم في الأكوادور، خوليو طربية رئيس كولومبيا السابق، وميشيل تامر رئيس البرازيل الحالى ومواطنه كارلوس غصن، رئيس دولة السيارات، إن صح التعبير.

تولى غصن رئاسة مجالس إدارة شركتي نيسان وميتسوبيشى اليابانيتان ورينو الفرنسية، في سابقة هى الأولى من نوعها. تولى المهمة ونيسان ورينو تتصدران قائمة الشركات الخاسرة. خلال عام واحد وصل إلى نقطة التعادل ثم أخذ المنحنى طريق الصعود لترتفع الأرباح عاماً بعد عام. تحتاج الإدارة مهارات خاصة لكن التنفيذ أعقد بكثير، وكلاهما ملعب كارلوس ومبعث تميزه وتفوقه. بصيرة نفاذة وجرأة في اتخاذ القرار. رغم كل شيء لا يغفر اليابانيون خطأً أو هفوه. في الشهر الماضى، اعتقلته السلطات اليابانية بتهمتي عدم الإفصاح عن كامل دخله والتهرب الضريبى، ولأن أول أخطائك آخرها عُزِلَ بالإجماع، ففى كوكب اليابان، لا يشفع مجدك لأخطائك.
------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد