قبيل نهاية النصف الثانى من القرن الخامس عشر، كان طورٌ جديد ينتظر البشرية. ففى عام 1436م توصل المخترع الألمانى يوهان جوتنبرج (1397- 1468) إلى اختراع آلة الطباعة. وكان أول أوروبى يستخدم حروف الطباعة المنفصلة.آ
وفى نهاية القرن الثامن عشر، كان التدشين للقفزة الكبرى نحو طور آخر(عصرالصحافة) وقد عرفتْ مصر الطباعة مع الحملة الفرنسية (1798- 1801) إذْ زوّد نابليون بونابرت حملته بمطابع جهّزها بحروف عربية وفرنسية ويونانية.. وأصدرتْ الحملة فى القاهرة صحيفتيْن باللغة الفرنسية. ثم أسّـس محمد على والى مصرمطبعة بولاق سنة 1819.. وكان أول إصدارات تلك المطبعة قاموس عربى/ إيطالى.. وفى عام 1828وافق (محمد على) على إصدار أول عدد من (الوقائع المصرية) آ
وفى نهاية القرن التاسع عشر، كانت القفزة تتسع عندما توصل المخترعون الأوروبيون إلى اختراع آلات جمع الحروف.. وتتسع القفزة أكثر فى عام 1895عندما نجحتْ تجربة الإتصال عن طريق الموجات وبالتالى ((نقل إشارات الموجة الطويلة)) وهوالنجاح الذى حقــّـقه الفيزيقى الإيطالى جوليلمو ماركيز ماركونى (1874- 1937) الحاصل على جائزة نوبل للتحسينات التى أدخلها على الإرسال التلغرافى اللاسلكى.. وكانت هذه الإنجازات بمثابة الإرهاصات لاختراع ذلك الجهاز السحرى (الراديو) الذى تطوّر من صندوق خشبى كبير إلى جهاز فى حجم الكف يـُـوضع فى الجيب.. وكان أول بث إذاعى فى أميركا عام 1920وفى مصر عام 1934.آ
إنّ آلات الطباعة، بما تــُـخرجه من كتب وصحف لا تتطلب إلاّ شرطًا واحدًا للوصول إلى (المتلقى) هو إجادة القراءة، أى أنها تــُـخاطب شرائح (المتعلمين) ولكن بعد اختراع الراديو ثـمّ السينما والتليفزيون، انتفى شرط (القراءة) وبالتالى أصبح (المتلقى) هو كل (مشاهد أومستمع) وبذلك اتسعتْ دائرة (المُـخاطبين) لتشمل كل أفراد المجتمع،بعد أنْ انضمتْ جيوش الأميين إلى كتائب المتعلمين.آ
ومع نهاية القرن العشرين وبداية الدخول فى الألفية الثالثة، بدأ عصر شديد الإختلاف عن كافة أشكال التواصل الاجتماعى فى العصور السابقة، مثل اختراع جهازالفاكس.. وبعد فترة وجيزة ظهر اختراع جديد (الانترنت) الذى هزم الفاكس وجعله يتراجع، حيث كان البديل هو البريد الالكترونى E.MAIL وبناءً على هذا الاختراع السحرى انتشرتْ المواقع الالكترونية التى ساعدتْ على كثرة مواقع التواصل الاجتماعى، مثل فيسبوك وتويتر إلخ..وأصبح من اليسيرعلى أى إنسان فى قارة أفريقيا الاتصال بإنسان فى قارة آسيا..إلخ وذلك بفضل الوسائل الحديثة التى اخترعها العلماء الأوروبين، مثل ذلك الجهاز الذى فى حجم الكف (موبايل) وبالرغم من كل ذلك، صبّ غلاة الأصوليين (فى كل الأديان) لعناتهم عليهم، مع إهدار دمهم بعد فتاوى تكفيرهم.. وأنهم من المارقين الخارجين عن (دين الأغلبية) بل إنّ القضاة ذوى الأيديولوجيا الدينية، سمحتْ ضمائرهم بفصل الزوج عن زوجته.. كما فى حالة نصرحامد أبوزيد، بالرغم من أنه أحد المُـدافعين عن الدين الإسلامى.. كما تشهد بذلك كتبه.. ونفس الشىء ينطبق على شهيد الكلمة (فرج فودة) إلخ.آ
وبينما ينعم شيوخ وقساوسة وحاخامات فتاوى التكفير والقتل، بمنجزات العصرالحديث، فإنهم لم يـُـفكــّـروا.. ولم ينشغلوا بطرح السؤال الذى شغل عقول الأحرار: كيف كانت مسيرة العلوم الطبيعية، التى أدّت إلى تمتع البشر بإنجازاتها التكنولوجية؟ أجاب المُـفكــّـر الكبير د.فؤاد زكريا على هذا السؤال فى كتابه المهم (التفكيرالعلمى) الصادرعن سلسلة عالم المعرفة الكويتية- ثلاث طبعات- آخرها عام1988) وذكر فيه أنّ التراكمية التى يتسم بها العلم هى التى تــُـقـدّم لنا مفتاحًا للرد على انتقاد العلم.. وهوانتقاد يستغل تطور العلم فيُـتهم العلم بالنقصان. فمن الشائع أنْ يحمل أصحاب العقلية الرجعية على العلم لأنه مُـتغير وأنّ حقائقه محدودة، فإذا قلتَ أنّ العلم متغير، فهذه حقيقة.. وإذا اعتبرتَ هذا التغير علامة نقص فإنك تــُخطىء، إذْ تفترض أنّ العلم لابد أنْ يكون ثابتــًـا، مع أنّ ثبات العلم لايعنى إلاّنهايته.. ومن ثـمّ فإنّ الثبات فى هذا المجال هو الذى ينبغى أنْ يُعد علامة نقص.. وفى تأكيده على دور العقل، طلب من أعداء العلم النظر فى المعرفة البشرية منذ 500 سنة بما هى عليه الآن، حيث أجرى بعض العلماء مقارنة بين الفترات الزمنية التى كان يستغرقها الوصول من الكشف العلمى النظرى إلى التطبيق، فتبيّـن مايلى: احتاج الإنسان إلى 112سنة لتطبيق المبدأ النظرى للتصوير الفوتوغرافى..و56 سنة لاختراع التليفون و35 سنة للإتصال اللاسلكى..و 15سنة للرادار.. و12سنة للتليفزيون.. و5 سنوات للترانزستور وسنتيْن للدوائرالمتكاملة.. وترتب على ذلك أنْ اخترع الإنسان العقل الالكترونى الذى يعود فيـُـساعد العقل البشرى لإحراز المزيد من التقدم.. وهذا التقدم الجديد يؤدى لتطوير العقول الالكترونية.. وهكذا تستمر مسيرة التقدم.. وردّ على الذين زعموا أنّ العرب فى العصور الوسطى سبقوا أينشتين فى نظرية النسبية، فأكــّـد أنه زعمٌ واضح البطلان ((لأنّ ظهورنظرية كهذه يحتاج إلى تطور معين فى العلم.. ولايمكن تفسيره إلاّ فى ضوء عصر معين فى حين كان العصر الذى ظهر فيه العلم العربى مختلفـًا كل الاختلاف)) آ
وهل الذى يمرض يـُـعالج نفسه بنصوصه الدينية؟ أم يذهب إلى الطبيب؟ وهل الذى تتعطل سيارته يبحث عن آية فى كتابه الذى يـُـقـدّسه، أم أنه يذهب إلى الميكانيكى؟ آ آ
فمتى يعود الرشد لعقول شيوخ وقساوسة وحاخامات فتاوى التكفير والقتل؟
--------------------
بقلم: طلعت رضوان