14 - 05 - 2025

أميركا الاستعمارية وأميركا الديمقراطية

أميركا الاستعمارية وأميركا الديمقراطية

أقر أنا طلعت رضوان وأعترف أنّ الولايات المتحدة الأمريكية (دولة استعمارية) قامتْ وتأسّـستْ على نهب موارد الشعوب، منذ أنْ توافدتْ قوافل الأوروبيين على تلك المساحة الشاسعة من الكرة الأرضية (والتى كان يعيش فيها سكانها الأصليون) الذين وصفتهم الكتب التاريخية بأنهم (هنود حمر) وأحيانــًـا (الهنود الأمريكان) وهى أسماء تــُـطلق على عرقيات السكان الأصليين (أصحاب الأراضى) وذلك قبل عصركرستوفركولمبس، الذى ظنّ (خطأ) أنه وصل إلى جزرالهند الشرقية.. وبعد أنْ احتل الأوروبيون أراضيهم، تـمّ طردهم منها، إما بالإبادة عن طريق محاربتهم وقتلهم. أوبترحيلهم إجباريـًـا.. وذلك بعد المقاومة الباسلة التى بذلها السكان الأصليون، ضد القوات الغازية.. ومنذ ذلك التاريخ أطلقتْ عليهم الكتب السياسية (الهنود الحمر) أو(الهنود الأمريكيين) للتفريق والتمييز بينهم وبين الهنود الآسويين. 

وكان الإنجليز قد أسّـسوا مستعمراتهم على الساحل الأطلسى، منذ بداية القرن السابع عشر.. ونظرًا لكثرة المعارك التى دارتْ بين السكان الأصليين..والمُستوطنين الجــُـدد من جانب، وبين ممثلى المستعمرات الأخرى من جانب آخر، فإننى سأكتفى بالحرب الذى دارتْ بين المستعمرين الجـُـدد وجيش الإحتلال البريطانى، حيث حاولتْ القوات الأمريكية تعقب الفرقة البريطانية.. وهزمتها يوم21يوليو1832فى معركة (هضاب ويسكونسن) فتراجعتْ الفرقة البريطانية نحو نهر المسيسيبى..وتـمّ القضاء على جنودها بحرمانهم من الماء والطعام.. وفى2أغسطس1832 انقضّ الجنود الأمريكان على الباقين وقتلوهم وأسروا من تبقى منهم.. وبذلك تحقق النصر للمُـستعمرالجديد الذى أخذ اسم الولايات المتحدة الأمريكية. 

وإذا قفزنا إلى القرن العشرين، فإنّ أميركا اشتركتْ عام 1917 فى الحرب العالمية الأولى.. وأعلنتْ الحرب على ألمانيا (بحصارها اقتصاديــًـا).. وكانت النتيجة استفادة أميركا من تلك الحرب ماليـًـا وتعزيز مواردها.. وفى قفزة أخرى تكون محطة الحرب العالمية الثانية التى بدأتْ عام 1939 وشاركتْ فيها أميركا، فإنّ من بين كوارثها العديدة قتل62مليون إنسان (مدنى وعسكرى) بخلاف ملايين المُشردين وانهيار الاقتصاد الأوروبى، مع تدميرالبنية التحتية لمعظم دول أوروبا.. وبعد وفاة فرانكلين روفزفلت تولى هارى ترومان رئاسة أميركا فى إبريل 1945..وفى عهده تـمّ الاعتراف بإسرائيل.. ومنذ ذلك الوقت- خاصة بعد تراجع الاستعمارالتقليدى (بريطانيا وفرنسا إلخ) أصبحتْ أميركا هى (زعيمة الاستعمارالجديد) بكل الوسائل، من تدبيرالانقلابات وإسقاط الحكام الوطنيين (د.مصدق لأنه أمم البترول الإيرانى- نموذجـًـا) والاغتيالات (سلفادور اللندى- رئيس دولة تشيلى، الذى قتلته المخابرات الأمريكية- نظرًا لوطنيته وإيمانه بالديمقراطية والاشتراكية- نموذجـًـا) إلى آخر جرائم الإدارة الأمريكية..وعلى رأسها الرضا الكامل للملوك والرؤساء التابعين والخاضعين والمُـنفذين لسياساتها. 

***

وإذا كان لايوجد فرق جوهرى بين رؤساء أميركا السابقين على تولى ترامب الرئاسة، فيما يتعلق بنهب موارد شعوب الأنظمة التابعة للرأسمالية العالمية (من حيث الجوهر) فإنّ الاختلاف الوحيد هوافتقاد ترامب لأبسط قواعد الدبلوماسية. ونظرًا لعدم خبرته السياسية، فإنه يتعامل مع الأنطمة الخاضة للإدارة الأمريكية، بأحط أساليب رجال الأعمال.. وعلى سبيل المثال فإنّ الرؤساء السابقين كانوا يحصلون على ما يـُـريدون، من قواعد عسكرية.. واستنزاف موارد الدولة لصالح الاقتصاد الأمريكى..وفرض شروط صندوق النقد الدولى..إلخ فإنّ ترامب لم يرع قواعد السلوك المُـهذب مع أتباعه من الملوك والرؤساء..وتعامل معهم بأسلوب رؤساء عصابات المافيا، الأسلوب الفج المباشر: ادفع وإلاّ أزيلك عن عرشك. 

***

ما سبق هو الوجه الاستعمارى لأميركا.. ولكن هذا الوجه يـُـقابله الوجه النقيض: الوجه الديمقراطى.. وهو الوجه المُـضيىء.. والذى يتجاهله معظم الإعلاميين العرب (والمصريين) لأنه بفضل هذه الديمقراطية، يحدث أنْ يضع المواطن الأمريكى رأسه برأس الرئيس، لأنّ هذا المواطن آمن بحقه فى الاختلاف، بل وحقه فى الخطأ، وأنّ الفيصل فى أى نزاع أوخلاف يكون فى ساحة القضاء.. وهذا ما حدث مؤخرًا فى المواجهة بين ترامب ورئيس المحكمة العليا (جون روبرتس) الذى ردّ على ترامب وقال له: إنّ القضاء الأمريكى (مستقل) وهو ليس قضاء أوباما أو قضاء أى رئيس.. وذلك على خلفية تحدى قاضى المحكمة الجزئية (جون تيجار) الذى عرقل قرار ترامب بعدم السماح للمهاجرين المكسيكيين اللجوء لأميركا.. وأضاف رئيس المحكمة: لدينا مجموعة عظيمة من القضاة المخلصين، يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق العدالة.. وكانت النتيجة أنْ كتب ترامب اعتذارًا (على تويتر) لرئيس المحكمة العليا.. ولكنه كرّر كلامه عن وجود (قضاة أوباما)  

وهذا الموقف سبقه موقف آخرمع مراسل شبكة سى. إن. إن (جيم أكوستا) الذى سأل ترامب عن سبب وصفه قافلة المهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية بأنها (غزو للولايات المتحدة) ولما لم يقتنع المراسل برد ترامب قال له: ولكنهم على بعد مئات الأميال من حدود الولايات الأمريكية، فكيف وصفتهم بالغزاة؟ فسخر ترامب منه.. وقال: تعال اجلس مكانى لتدير البيت الأبيض..وأذهب أنا للعمل فى شبكتك فأضاعف أعداد المشاهدين المتدنية. تجاوزالمراسل السخرية.. وبدأ يسأل سؤالا آخر فسحبتْ مندوبة البيت الأبيض الميكروفون من يده.. ولكنه تشبث به، فقال له ترامب ((أنت وقح)) وأصدر قرارًا بمنعه من دخول مقر الرئاسة، فإذا بالشبكة الإخبارية ترفع دعوى قضائية ضد ترامب ((لانتهاكه حق الصحافة)) والبديع فى الأمر أنّ شبكات أخرى وإعلاميين آخرين انضموا للدعوة القضائية.. والأكثرأهمية هوتضامن شبكة (فوكس نيوز الموالية لترامب) مع شبكة سى. إن. إن..وانتهى الصراع بإنتصارالصحافة والشبكات الإخبارية، بموجب الحكم الصادر بإلزام إدارة البيت الأبيض بالسماح لمراسل الشبكة (جيم أكوستا) بدخول مقرالرئاسة لتغطية الأحداث (أهرام23/11/ 2018) وصحف أخرى..وهذا الحكم ينطبق على جميع الصحفيين والمراسلين. 

وهكذا يتأكد إنّ للديمقراطية (سحرها) بل ومعجزاتها.. ويتبيـّـن ذلك عند طرح السؤال المُـوجع لأنظمة الاستبداد: هل ما حدث فى المثال المذكور يـُـمكن أنْ يتحقق فى أنظمة مُـعادية للديمقراطية.. والتى تعتبر مقر الرئاسة وأصغر موظف فيها (خط أحمر) لايجوز معارضته أونقده أو- حتى- الاختلاف معه؟ بل إنّ سحر الديمقراطية بلغ ذروة عالية يجب التوقف أمامها، لدرجة أنّ الجمهورى الشهير(جون ماكين) وصف أداء ترامب بالكارثى.. وأنه أسوأ أداء لرئيس أمريكى.. وأنّ أداءه يقترب من حد الخيانة للوطن الأمريكى (مكرم محمد أحمد- أهرام18يوليو2018)
--------------------
بقلم: طلعت رضوان

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟