03 - 06 - 2025

عجاجيات| نوستالجيا شتوية

عجاجيات| نوستالجيا شتوية

أصارحكم أننى من محبى الشتاء بمطره وبرده وبملابسه الثقيلة.. أحب جدا إحساسى ببرودة الجو وبقدرتى على التغلب على البرد ومقاومته والوصول إلى الإحساس بالدفء.. عشت الشتاء فى مصر المحروسة.. وعشت الشتاء فى الرياض السعودية حيث المناخ القارى شديد البرودة.. وعشت الشتاء فى أبوظبي حيث الجو يماثل الربيع فى مصر.. وعشت الشتاء فى الجزائر العاصمة حيث الزمهرير الذى يهاجم العظم وحيث المطر لا يتوقف (الحياة فى الجزائر العاصمة تستمر بصورة طبيعية جدا مهما تواصل هطول الأمطار فالبنية التحتية مجهزة للتعامل مع الأمطار) وفى ليلة شتوية لا أنساها غطت الثلوج البيضاء الجزائر العاصمة واستقبلناها بكل حفاوة ومرح، وان أنسى فلا أنسى احتضان السفير آمين غنيم رحمة الله لنا فى ليالى الجزائر القارسة.. وعشت الشتاء بضعة أيام فقط بباريس بصحبة الدبلوماسي الشاب وقتها السفير الأن أيمن الدسوقى وفى ضيافة الدبلوماسى الشاب وقتها السفير الأن طارق دحروج.. استمتعت بالسير تحت المطر فى الشانزلزيه واستمعت بالجلوس فى مقاهى باريس ومقاومة البرد بالمشروبات الساخنة والكرب.. وعشت الشتاء وانا من سكان حى فيصل الشهير.. وعشت الشتاء منذ عدة سنوات وانا من سكان هضبة الأهرام على مقربة من المتحف المصرى الكبير.

غير أننى لا اشتاق سوى لليالى الشتاء فى بيتنا المتواضع بالدور الأخير (الذى يجعلنا فى علاقة مباشرة وحميمة مع القمر والنجوم والسماء الصافية وحيث نرى برج القاهرة وميدان عابدين وقلعة صلاح الدين فضلا عن رؤية من يقرع أجراس كنيسة الملاك غبريال رئيس الملائكة والتى ما زالت من أهم معالم حارة السقايين وعابدين كلها) فى حارة السقايين بعابدين.. اشتاق لـ (لمتنا)حول وابور الجاز وفوقه براد الشاى.. اشتاق لصوت أبى وأمى رحمة الله عليهما.. اشتاق إلى لقمة القاضى التى كانت أمى من أعظم صناعها، وكنا نترقب خروجها من الزيت ذهبية اللون ونصطادها بكل خفة ونهم من الشربات الذى تغمر فيه.

اشتاق لـ(لمتنا) حول جوال السودانى الساخن الذى كان يدخل به علينا زوج اختى عمر الشلقانى رحمة الله عليهما مع كمية معتبرة من البرتقال واليوسفى.. كما اشتاق لـ(لمتنا) حول (لبشة) قصب نقوم بمصها أو بالأحرى تدميرها فى زمن قياسي.

اشتاق لـ (لمتنا) حول عشاء مميز مكون من الفول المدمس والعسل والطحينة وخبز أمى.. اشتاق للبيجامات الكستور.. أشتاق لطبق العدس المدعوم بمعلقة سمن بلدى من يد أمى.. أشتاق للدفء فى صدر أمى وأبى.. واشتاق للحياة فى رحاب ضحكات وابتسامات أشقائي وشقيقاتى.. أشتاق لأيام الرضا بالقليل والكنز الذى لا يفنى أى القناعة.

لا أملك إلا أن أقول مع الضاحك الباكى مجمع الفنون صلاح جاهين: "دخل الشتا وقفل البيبان على البيوت.. وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت/ وحاجات كتير بتموت فى ليل الشتا.. لكن حاجات اكتر بترفض تموت". 

حقا ففى القلب أحياء يمرحون ويتربعون رغم رحيلهم عن عالمنا.
-------------------
بقلم: عبدالغنى عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | مستقبل مصر