بدلا من العجز المزمن للموازنة المصرية يمكن بإجراءات بسيطة توفير مايزيد عن 250 مليار جنيه في مدى زمنى يتراوح بين 24 شهرا و36 شهرا .. هذه خلاصة ما انتهى إليه الخبير الاقتصادي د. عبد الخالق فاروق في كتابه الجديد "إنقاذ مصر .. السياسات الاقتصادية البديلة" الذي يصدر خلال أيام وتنشر المشهد الفصل الأول منه .. وهذا نصه
البوصلة الصحيحة .. كيف نفهم أزمتنا الاقتصادية
(1 ) ماذا تريد مصر من الرئيس الجديد ؟
يعانى الاقتصاد والمجتمع المصرى من أزمة مستعصية ناتجة عن سياسات وقرارات استمرت لأكثر من أربعين عاما كاملة ، بحيث بدا الموقف عشية ثورة الخامس والعشرين من يناير شديد الصعوبة والتعقيد ، ثم زاد الأمر تدهورا على مدار السنوات الخمس التى أعقبت الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، والسؤال الأن كيف يمكن أن يواجه الرئيس الجديد هذا الميراث الصعب وهذه التركة الثقيلة؟
نظن أن البداية الصحيحة تتمثل فى القدرة على تشخيص المشكلات ، ثم وضع الأهداف والوسائل الكفيلة بحل هذه المشكلات ، فى ظل متغير جديد طرأ بعد الثالث من يوليه عام 2013 وتمثل فى دخول الدولة والمجتمع المصرى فى حرب وصراع سياسى وعسكرى مفتوح ضد قوى إرهابية معادية للدولة المصرية، وموجتها الثورية الثانية التى أندلعت فى الثلاثين من يونيه عام 2013 ضد حكم جماعة الأخوان "المسلمين" وحلفاءهم من السلفيين والجماعات الإرهابية الأخرى ، مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد .
أولا: تشخيص الوضع الاقتصادي الصعب
يعانى الاقتصاد المصرى من مجموعة من الإختلالات الهيكلية الخطيرة ، لعل من أبرزها :
1-اختلالات هيكلية في قطاعات الانتاج السلعي ( الصناعة – الزراعة – الطاقة – الكهرباء ) .
2-اختلالات في الهيكل المالي (الموازنة العامة للدولة) .
3-اختلالات في السياسة النقدية والمصرفية .
4-اختلالات في السياسات الأجرية .
5-دولة فساد مقنن ومنظم .
6-انهيار قطاعات الخدمات الاستراتيجية مثل (التعليم – الصحة – البحث العلمي) .
7-حجم بطالة من أعلى المعدلات في العالم (22% إلى 24% من القوى العاملة) .
8- إنفلات الأسواق وهيمنة القوى الاحتكارية على مجالات متعددة .
ثانيا : الهدف
1. البدء في سياسات معالجة هذه الاختلالات .
2. توفير التمويل الضروري .
3. تحدي عنصر الوقت .
4 إعادة توزيع الأدوار (الحكومة والقطاع العام – القطاع الخاص – القطاع التعاوني) .
5.معالجة البيئة الإقليمية والدولية بحيث تكون معاونة أو محايدة أو هما معا.
ثالثا : الوسائل و الإجراءات:
1. بعض هذه الوسائل و الإجراءات تحتاج إلى تمويل (كيف ندبره؟)
2.بعض هذه الوسائل و الإجراءات تحتاج تعديلات تشريعية فورية (القوانين المفسدة – قوانين الضرائب بأنواعها).
3. بعض هذه الوسائل و الإجراءات تحتاج رؤية وسياسات جديدة تماما (الدعم – الثروة المعدنية – قطاع البترول و الغاز – الأجور و المرتبات).
4. هناك وسائل و إجراءات ستكون ذات أولوية يتبعها أخرى, و هناك إجراءات ستسير بالتوازي مع بعضها البعض .
رابعا : السياسات والإجراءات وفقا للأولويات
ينبغى أن تترتب الأولويات على النحو التالى :
(1) إعادة النظر في البنيان الوزاري بحيث يساعد في تنفيذ السياسات و تحقيق الأهداف و أبرزها:
• تجانس المجموعة الوزارية الاقتصادية .
• تكامل عمل المجموعة الوزارية الاقتصادية .
• التخفف من عبء بعض الوزارات التي تقوم بأدوارها كيانات أخرى (وزارة التنمية الإدارية – وزارة التنمية المحلية – وزارة العدالة الانتقالية) ، ودمج بعض الأجهزة الحكومية الأخرى .
• تعزيز عمل وزارات أخرى مثل وزارة الخارجية (وزير دولة لشئون أفريقيا).
نأتى الأن إلى الإجراءات والسياسات المطلوبة ومن أبرزها :
(أ) إعادة هيكلة السياسة المالية و الموازنة العامة للدولة من خلال أحدى عشرة إجراء ا على الأقل يجب إلا تستغرق ثلاثة شهور إلى سنة مالية ، وتتضمن هذه الإجراءات :
1.خفض نفقات الباب الثاني غير الضرورية (وقود – إضاءة – مستلزمات سلعية و خدمية – سيارات – مباني حكومية). حيث لدينا أضخم عدد من المبانى الحكومية تتجاوز 441 ألف مبنى حكومى ، وأسطول للسيارات والمركبات الحكومية يزيد على 150 ألف مركبة متعددة الأنواع .
2. إلغاء نفقات وظائف لا ضرورة لها (مستشارين عماليين – مستشارين إعلاميين - لجان فض منازعات بالأجهزة الحكومية ) يمكن أن توفر في السنة المالية حوالي 750 مليون جنيه .
3. إلغاء أو خفض نفقات وظائف المستشارين القانونيين من خارج الهيئات الوظيفية والإدارية (يمكن أن يوفر حوالي مليارى جنيه على الأقل).
4. الشروع فورا في إعادة هيكلة الباب الأول (أجور و مرتبات) لتطبيق الحد الأدنى للأجور و المعاشات, و تطبيق صارم للحد الأقصى للأجور خصوصا في قطاعات البترول و الطاقة و البنوك (من شأنها توفير ما بين 5 إلى 6 مليار جنيه على الأقل) .
5.ضم الحسابات و الصناديق الخاصة ووقف العمل بها .
6.إعادة هيكلة قطاع البترول والغاز الذى أستغرق منذ عشرين عاما على الأقل فى سياسات بذخية ، وعلاقات فساد وإنشاء كيانات وشركات وهمية ، لمجرد إرضاء بعض الأفراد المؤثرين فى النظام السابق ، وصرف مئات الملايين فى صورة مكافآت أعضاء مجالس إدارات شركات ، وربما لا يتسع الوقت والمساحة لنشر تفاصيل هذه البنية الإدارية الفاسدة والمبددة للأموال العامة .
7.مراجعة مصروفات الباب الخامس (مصروفات أخرى) لتخفيضة لأن حجمها لا يقل عن 32 مليار جنيه عام 2013/2014
8.مراجعة مصروفات الباب السادس (الاستثمارات) التى تحفل بنفقات تحتاج إلى ضبط مثل (المجموعة الخامسة أبحاث و دراسات للمشروعات الاستثمارية)، والإنفاق البذخى على مكاتب الوزراء وفى مقدمتهم وزير التخطيط ورئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ، ووزير الأوقاف وغيرهم كثير .
9. وقف الخط الرابع لمترو الأنفاق حاليا (مصر الجديدة – المطار) و استبداله بتطوير الخطوط السطحية الثلاثة (النزهة – عبد العزيز فهمي – الميرغني) لأداء هذه المهمة من شأنه توفير نفقات في حدود 15 مليار جنيه .
هذه عينة من بعض الإجراءات المطلوبة فورا فى الاصلاح المالى .
(ب) في موضوع الدعم :
يراجع الأساس المالي و المحاسبى الذي جرى على أساسه حساب ما يسمى دعم المشتقات البترولية بدءا من موازنة عام 2005/2006 من أجل هيكلة موضوع الطاقة عموما ،وتصحيح المعادلة التى تقوم على أساسها حساب ما يسمى دعم المشتقات البترولية ، الذى يعتبر أكثر من نصفه عبارة عن دعم إفتراضى أو حسابى ، وليس دعما حقيقيا وفقا للتعريف العلمى للمصطلح الدعم .
أما الموارد والإيرادات فهى تنطلق من تحديد دقيق للمشكلة الاقتصادية الراهنة التى تواجهها مصر ، والوسائل والأهداف الكفيلة بإنقاذها من هذا المأزق الخطر ، ونستكمل الأن ، جانبا أخر وهو كيفية تعظيم الموارد والإيرادات ، وسوف نعقبها بكيفية تفكيك ركائز دولة الفساد التى بنيت منذ أكثر من أربعين عاما
في مجال الإيرادات سنسير على خطين متوازيين:
الأول: تصحيح السياسة الضريبية الراهنة ، وإدخال كل الوقائع المحققة للدخل أو الربح في الأوعية الضريبية (ضرائب عقارية – ضرائب دخول – ضرائب أرباح تجارية و صناعية – ضريبة الأرباح الرأسمالية - ضرائب قيمة مضافة و غيرها) ، وتجريم والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية لكل من يمارس التهرب الضريبي و المتهربين (من شأن هذا التصحيح زيادة الحصيلة بأكثر من 200 مليار جنيه) .
الثاني: تنشيط شركات القطاع العام و إلغاء القانون رقم ( 203 ) لسنة 1991 الخاص بقطاع الأعمال العام ، و إعادة هيكلة هذا القطاع لصالح الوزارات المتخصصة (صناعة – تجارة – خدمات... إلخ) و من شأن إعادة هيكلة و ضخ استثمارات في هذه الشركات تحقيق أكثر من هدف في آن واحد:
1-زيادة الإيرادات الحكومية على المدى المتوسط و الطويل .
2- زيادة الانتاج المطروح في الأسواق و تعزيز المنافسة .
3- زيادة فرص العمل و خلق الوظائف .
4- تقليل حدة الاضطرابات العمالية .
(ج) : مراجعة فورية للموازنة المالية و النشاط الاقتصادي للهيئات الاقتصادية و الشركات القابضة لقطاع الأعمال العام:
- منذ أن جرى فصل الهيئات الاقتصادية ، وشركات القطاع العام والأعمال العام عن الموازنة العامة للدولة عام 80/1981 (قانون الموازنة رقم 11 لسنة 1979) ، وهناك اضطراب – و فساد – في الإدارة المالية و الاقتصادية لهذه القطاعات -خصوصا في قطاع البترول و هيئاته و شركاته التي تزيد عددها عن الحجم الاقتصادي المقبول .
- ويمكن مع إعادة هيكلة قطاع البترول (وزارة – هيئة – شركات عامة – شركات مشتركة و عقود مع شركاء أجانب ، و بند استرداد التكاليف ، ونسبة الأتاوات أن توفر لنا ماليا ما لا يقل عن 20 مليار جنيه سنويا . (نحصل عام 2013/2014 من هيئة البترول على 71811 مليون جنيه في صورة (فائض حكومة + ضرائب الدخل + الإتاوات) يمكن أن يزداد إلى 100 مليار جنيه .
-الفترة الأمنية لتحقيق ذلك من 18 شهر إلى 36 شهر
(د) : إعادة هيكلة قطاع الثروة المعدنية:
هذا القطاع أسير للفوضى و الفساد, ولا تحصل الخزانة العامة منه سوى أقل من 130 مليون جنيه ، بينما يتسرب حوالي 7 مليارات جنيه إلى مسارب الفساد و المحليات والصناديق والحسابات الخاصة ، و تتضمن الإجراءات المطلوبة:
1-إنشاء وزارة مستقلة للثروة المعدنية و هيكلة بقية مكونات الوزارة (هيئة المساحة الجيولوجية) .
2-إصدار قانون جديد للثروة المعدنية بدلا من القانون 86 لسنة 1956 ( صدر فعلا القانون رقم ... لسنة 2014)
3-إخراجه من قبضة المحليات و وزارة البترول و تولي الوزارة الجديدة النشاط الاستثماري وفقا لخريطة استثمارية صناعية مع شركاء جادين .
4-من شأن ذلك تحقيق دخل للخزانة العامة بين 10 إلى 20 مليار جنيه .
5- من شأن بناء استراتيجية تصنيع لمنتجات المناجم والمحاجر توفير فرص عمل تزيد على 200 ألف فرصة عمل للشباب من خريجى الجامعات والمهندسين من جميع التخصصات فى كافة المحافظات ( أنظر دراسات خبراء التعدين ومنهم الدكتور يحيى القزاز )
( المدى الأمني 12 شهر إلى 36 شهرا )
أما إصلاح منظومات الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة ، فسوف نتناولها بعد قليل.