14 - 05 - 2025

هل أعتنق ديانتك وأنت تعتنق ديانتى؟

هل أعتنق ديانتك وأنت تعتنق ديانتى؟

كنتُ أتصوّر أنّ الدعوة لإعتناق الإسلام- إذا كانت مُـلائمة وتتناسب مع فترة بداية الدعوة الإسلامية، ستتوقف (وبصفة خاصة فى العصر الحديث) عصر العقل الذى من حق الإنسان فيه أنْ يختار معتقداته وميوله..وحقه فى أنْ يظل على ما رسخ فى وجدانه وعقله (منذ طفولته) وحقه فى أنْ يتخلى عن معتقداته السابقة، ليعتقد فلسفة أخرى أو دينــًـا آخر أو مذهبــًـا آخر.. هكذا كنتُ- نظرًا لشدة سذاجتى- أتصور أنّ عصر إجبار الإنسان على اعتناق ما لايؤمن به قد انتهى، خاصة بعد عصرالسماوات المفتوحة، وبعد ثورة التنوير فى العصرالحديث.. ولكن أحد الشيوخ هزم تصورى الساذج، حيث كتب مقالا دعا فيه نجيب ساويرس إلى الدخول فى الإسلام.. ولكى يـُـشجـّـعه أضاف ((وبذلك تكون قد اكتسبتَ الدنيا واكتسبتَ الآخرة..وكسبتَ المسيح ومحمدًا))(جريدة الفجر، المصرى اليوم والوفد 21/11/2018)   

وكنتُ أظن (نظرًا لسداجتى المُـتأصلة فى طبعى) أنّ ساويرس لن يلتفتْ إلى هذه الدعوة العبثية.. ولن ينشغل بها وسيتجاهلها..وبالتالى لن يرد على تلك الدعوة، ولكنه استسلم وامتشق صفحته على تويتر.. وكتب ردًا على دعوة الشيخ (عملا بمقولة الصاع بالصاع أوالعبث والعبث المُـضاد) فقال يا شيخنا الفاضل ألا تعلم أنّ الله واحد للكل..وأنّ ربك لوشاء لوحــّـد الأديان.. وأضاف: أنا مبسوط فى دينى.. ويا فضيلة الشيخ خللى كل واحد على دينه.. وما فيش حد بيختار دينه.. وإحنا- كلنا- بنتولد ونلاقى نفسنا كدا (مسلمين أومسيحيين أوهندوس..إلخ) وكمان يا فضيلة الشيخ إزاى نسيتْ ما جاء فى القرآن الكريم ((لكم دينكم ولى دين))  

فلماذا انساق ساويرس (والأدق انزلق إلى هذه المتاهة) والدخول فى مباراة عبثية، لأنّ الدخول فى تلك المنطقة (منطقة الأديان) هى (بالمعنى المادى وليس المجازى) أشبه بالدخول إلى متاهة يصعب العثور فيها على باب الخروج، أو كما كنا ونحن أطفال ندخل (بيت جحا).. وأعتقد أنّ تلك المباراة العبثية سببها النص الكارثى الذى (جعل للدولة دينا) حيث وضعه أصوليون إسلاميون.. وارتفع سقف التملق فى عهد السادات، الذى فرح بإضافة الألف واللام على كلمة مصدر لتكون المصدر الرئيسى للتشريع، فى إطار صفقة شريرة بينه وبين التيار الإسلامى بكل فصائله، وكانت نهايته على أيديهم. 

وأعتقد أنّ الكارثة الأكبر هى صمت أغلب المتعلمين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة (من شعراء وروائيين وباحثين وإعلاميين وسياسيين) أى أنهم لم يـُـحاولوا مقاومة التيار الأصولى والدفاع عن مفهوم الدولة العصرية. رغم أنّ الدفاع عن هذا المفهوم أمرٌ بسيط ويسير.. ويعلمه طلاب كليات الحقوق، حيث يدرسون الفرق بين الشخصية الطبيعة والشخصية الاعتبارية.. وأنّ الأولى تشمل الأفراد مثل (محمد أوجرجس) أما الثانية فتشمل الهيئات والمؤسسات والشركات والوزارات إلخ..وإذا كانت تلك الجهات ينطبق عليها مصطلح (الشخصية الاعتبارية) فمن باب أولى ينطبق على (الدولة) لأنّ الدولة State لاتتعامل بالدين وليس لها دين، إنما الدين يحمله الشخص الطبيعى ومن ممتلكاته الشخصية.. ورغم كل ذلك تجنــّـب المتعلمون الخوض فى هذا الموضوع، بما فيهم قطاعات عريضة من المسيحيين، بل إنّ بعضهم بالغ فى تملق السلطة..وقال إنّ الإسلام فيه حماية للمسيحيين.  

***

يظن البعض أنّ دول أوروبا وأمريكا هى الوحيدة التى تحرص على (علمنة مؤسسات الدولة) وبالتالى يختفى من دساتيرها أى نص أو أى تلميح لدين الدولة. بينما دول عديدة فى أفريقيا انتهجتْ ذات المنهج الإنسانى بعدم التفرقة بين المواطنين على أساس الدين، مثل دستور جمهورية الكاميرون الصادر فى 4مارس1960.. ونصّ فى الديباجة على (مبدأ العلمانية الذى يضع الشعب الكاميرونى جمهوريته تحت لوائه يعنى الفصل بين الكنائس والدولة..ويترتب على ذلك أنّ الجمهورية ليست كنسية ولا دينية..وتــُعلن الدولة حيادها تجاه كافة العقائد)).. ونصّتْ المادة (1) من الباب الأول (السيادة) على الآتى ((الكاميرون جمهورية علمانية ديمقراطية اجتماعية)) (الموسوعة العربية للدساتير العالمية- عام66- ص 467) ونصّت المادة (2) من دستور جمهورية ساحل العاج الصادر فى 3 نوفمبر1960على ((جمهورية ساحل العاج علمانية ديمقراطية اشتراكية)) (ص505) ونصّتْ المادة (1) من دستور جمهورية غينيا على ((إنّ غينيا جمهورية ديمقراطية علمانية اشتراكية)) وفى المادة (41) ((تكفل الدولة حرية العقيدة لجميع المواطنين وذلك بتقرير علمانية المدارس والدولة)) (ص517، 521) ونصّتْ المادة (1) من دستور جمهورية مالى على: ((جمهورية مالى ديمقراطية علمانية اجتماعية)) (ص535)  

والدستور اليابانى الصادر فى 3 نوفمبر 1963مادة (20) ((لايجوز أنْ تــُـرتــّـب الدولة امتيازًا لأية جماعة دينية أوالسماح لها بممارسة السلطة السياسية.. ولايجوز أنْ تقوم الدولة أوهيئاتها بالتعليم الدينى أوأنْ تــُـمارس أى نشاط دينى)) (ص741) ونصّ دستورالجمهورية التركية الصادر فى 9 يوليو1961 فى المادة (2) على ((الجمهورية التركية دولة قومية علمانية واجتماعية)) والمادة (19) نصّتْ على ((يتوقف التعليم الدينى على إرادة كل شخص وعلى إرادة الأولياء الشرعيين بالنسبة للقــُـصر)) (ص751، 754) ورغم أنّ غالبية الشعب الهندى يعتنق الديانة الهندوسية، فإنّ واضعى الدستور الصادر فى 26 نوفمبر 1949 حرصوا على حق الأقليات الدينية وهو مانظمته المادة (25) بالإشارة إلى حقوق السيخ والجانيا والبوذية.. ونصّتْ المادة (28) على ((يحظر التعليم الدينى فى أية مؤسسة علمية يُصرف عليها من أموال الدولة)) وأفاضتْ المادة (29) فى شرح المزيد لدرجة حق كل طائفة الاحتفاظ بثقافتها وتعليم لغتها لأبنائها كما ((لايجوز للدولة أنْ تــُـميّز بشأن ما تقدمه من معونة للمؤسسات العلمية تمييزًا مجحفــًا بإحداها استنادًا إلى أنها خاضعة لإدارة إحدى الأقليات سواء كانت دينية أولغوية)) (ص266، 267) وبفضل العلمانية شهد العالم معجزة ديمقراطية عندما نجح (مسلم) ليكون رئيس الدولة (أقلية دينية) ويكون رئيس الوزراء من السيخ (أقلية دينية) بينما الأغلبية يعتنقون الديانة الهندوسية.   

أعتقد أنّ إصرارالأصوليين على (أسلمة المصريين المسيحيين) مغزاه ورسالته: أنت أيها المسيحى حبيبى لو دخلتَ فى دينى.
----------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟