كالعادة سقطت الصحف العربية في فخ المرجعية الدينية، عناوين بالأحمر والأسود تعلن فوز أول امرأتين (مسلمتين)، بحسب تعبيرات الصحف، بمقعدين في انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى، حيث مُنى حزب الرئيس، ترامب، بهزيمة أفقدته السيطرة على الكونجرس. من كثرة ما ذُكر عن أصولهما الإسلامية، توقعت أن يظهر من يدعى أنها غزوة ضمن سلسلة غزوات تم التخطيط لها، ضمنت فوز السيدتين (الأمريكيتين).
رشيدة طليب، أمريكية من أصول فلسطينية. تخطت الأربعين من عمرها. تعمل بالمحاماة وسبق انتخابها عضواً بمجلس نواب ولاية ميتشجان من أكثر من ست سنوات. تحت شعار "ساعدونا نصنع التاريخ"، تزخر صفحتها الإليكترونية بأعمال تطوعية وخبرات عملية فى رعاية المدارس والطلاب، وحماية البيئة، والرعاية الصحية، والعدالة الاقتصادية. لتصبح الصفحة، بحق، نموذج لأولئك المتطلعين لأدوار برلمانية تراعى حقوق المواطنين وتحقق صالح الدولة.
حظيت تجربتها مع مؤسسة كوش Koch، المملوكة لأحد أكبر عائلات رجال الأعمال والسياسية الأمريكية، بشعبية واسعة بعد ما أثبتت مسئوليتها عن إلقاء مخلفات سامة فى نهر ديترويت وأجبرتها على تطهيره، مؤكدة قدرتها الدفاع عن حقوق المواطنين، مُلاك النهر الحقيقيين. أيضاً، ترى فى سياسة ترامب تعاطفاً مع الأغنياء على حساب الفقراء، فكتبت على صفحتها (سأكافح من أجل غطاء صحى يشمل الجميع ولا يزيد عبئه المادى عن 15 دولار شهرياً للفرد). لا يريد المواطن أكثر من نائب برلمانى قوى يدافع عن حقوقه، ويضمنها له، فإذا كان غير ذلك ضاعت الحقوق وتراجع البلد.
فى ذات الانتخابات، فازت إيلهان عمر، ذات الست وثلاثين عاما بمقعد ولاية مينيسوتا. منذ عشرين عاماً مضت، كانت مجرد لاجئة صومالية لا تجد ما تقتات به. هربت عائلتها من جحيم الحرب الأهلية، وذاقت مرارة الجوع والتشرد. تعلمت الإنجليزية وحصلت على شهادة الثانوية ثم التحقت بالجامعة لتحصل على بكالوريوس السياسة والدراسات الدولية عام 2011. انغمست فى العمل التطوعى والتحقت بالحزب الديمقراطى وتنقلت بين عدة وظائف اكسبتها خبرة الحياة الحزبية. فازت عام 2016 بعضوية مجلس نواب ولاية مينيسوتا، ثم توجت مسيرتها بمقعد الولاية فى الكونجرس.
"الصوت الجريء الذي نحتاجه لدفع ولايتنا، ودولتنا، وأمتنا إلى الأمام"، تحت هذه الرسالة الانتخابية عددت إيلهان أسباب ترشحها، خبرة تنفيذية اكتسبتها من عملها فى العديد من المناصب الحكومية، تشريعات حماية البيئة، وإصدار القوانين. يدعمها 800 متطوع ونحو 1500 مانح رأوا فيها القدرة على تحقيق أهداف الولاية. أيضاً، أَهَلها تنوع أعمالها بين تنظيف المكاتب إلى المناصب الأعلى، أن تصبح صوت المهاجرين فى الكونجرس والجلوس على مقعد سلفها، كيت إيلسون، أول أمريكى يؤدى قسم الولاء على القرآن، بعد ما فضل التقدم بأوراقه لمنصب النائب العام للولاية عن معاودة الترشح فى الانتخابات.
ما الذى كان ينتظر إيلهان، إن لم تهاجر، فى أحسن الأحوال، مُدرسة أو موظفة تطاردها التفجيرات وسرادقات العزاء وقوائم المفقودين فى الحرب الأهلية وانتصارات مزعومة تدعيها ميليشيات الشباب الصومالية. ما الذى تغير، المناخ ليس إلا. فكلاهما، رشيدة وإيلهان، صاغتا برامجهما الانتخابية وفى يقينهما أنهما أمريكيتان. وضعتا معتقداتهما جانباً، فكل شخص حر فى يقينه. المناخ السياسى الصحى هو الذى جعل رشيدة طليب ترفع شعار معارض لترامب فى حملتها الانتخابية آمنة مطمئنة، ومنح إيلهان ثقتها فى قوة الفرد وحماية القانون. تغير المناخ هو المسئول أيضاً عن فوز أوباما، الإفريقى الأصول برئاسة أمريكا، وفوز حفيد المهاجر الألمانى فريدريك ترامب بالرئاسة من بعده، وأخيراً فوز إيلهان ورشيدة، وربما تطلعهما لما هو أبعد.
----------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]