قبل انتفاضة شعبنا فى شهر طوبة/ يناير2011 أدلى زكريا عزمى، بتصريح أذهل الصحفيين المصريين، فكتب الكثيرون فى الصحف القومية عن (شجاعة وجرأة هذا المسئول الكبير) الذى اعترف بأنّ الفساد فى المحليات (وصل للركب) وكان سبب (ذهول الصحفيين) أنّ زكريا عزمى عضو لصيق ومؤثر فى مُـجمل سياسة الحكم طوال فترة مبارك.. خاصة وقد شغل منصل (رئيس ديوان رئيس الجمهورية) وقيادي في الحزب الحاكم وعضو بالبرلمان..إلخ وكان تفسير بعض الصحفيين، أنّ تصريحه عن فساد المحليات، مؤشرعلى بداية مرحلة جديدة يتم فيها التخلص (من الفاسدين والمُـفسدين)
ولما انتشر الخبر..ونقله المُـتعلمون الذين (يقرأون الصحف) إلى الأميين، تفاءل الجميع.. ومشتْ البهجة والفرحة كما البلسم الساحر الشافى للأوجاع الاجتماعية. مرتْ الشهور.. وجاءتْ أحداث يناير2011 ولم يحدث أى تغيير فى الواقع الاجتماعى وانحدر المستوى المعيشى لأدنى درجة، الأمر الذى أدى إلى الانتفاضة العظيمة، التى كانت نتيجتها مئات القتلى والجرحى والمُـشوّهين بدنيـًـا وعقليـًـا ونفسيـًـا.
ولكن هل حدث أى تطورإيجابى يمنع، أو- حتى- يحـِـدْ من نسبة الفساد فى المحليات؟ الجواب قـدّمه رئيس مجلس النواب الحالى د.على عبدالعال (فى مفاجأة تــُـشبه ما حدث مع تصريح زكريا عزمى) فماذا قال د.على عبدالعال؟ قال: إنّ الفساد (فى المحليات وصل للركب) أى أنه استخدم نفس تعبير زكرياعزمى. وقالت د. آمال السيد (خبيرة التنمية المحلية سابقــًـا) إنّ الفساد فى المحليات لم يبلغ الركب (فقط) ولكنه وصل إلى الحلقوم.. وهو يتطلب من الدولة اتخاذ الاجراءات التى (تحفظ للمواطن حقوقه وكرامته) وأضافتْ: إنّ سبب انتشار الفساد فى المحليات، هو كيفية اختيار رؤساء المدن والأحياء الذين يعيشون فى أمان (من المساءلة أوالمحاسبة) ولذلك يفعلون ما يشاؤون.. وأنّ الوضع سيظل كما هو طالما لم يحدث التعديل الجذرى والشامل لقانون المحليات، وهو التعديل الذى رفضه مجلس النواب على مدار العقود الماضية.
000
فهل تصريح د. على عبدالعال (الذى كرّر فيه كلام زكريا عزمى) عن أنّ الفساد وصل للركب، سيكون مصيره ذات المصير كما حدث فى عهد مبارك؟ أم سيكون بداية مرحلة جديدة، سوف يتخلــّـص فيها نظام الحكم من الفاسدين والمُـفسدين؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لايصدر قانون المحليات، بتعديلاته المُـقترحة؟ وهى التعديلات التى كتبها خبراء وطنيون..وتضمّـنتْ كافة القيود التى تمنع ألاعيب وحيل الفاسدين وآلاعيب وحيل الذين يـُـشجعونهم من المُـفسدين.. وذلك من خلال (سد) الثغرات التى ينفذ منها هؤلاء المُـتسببون فى الفساد.. كما أنّ التعديلات المقترحة وضعتْ الاطار العام للضمانات التى تــُـحقق ((تحجيم سُـبل الفساد))
وأعتقد أنّ هذه التعديلات يجب أنْ تتضمّـن ما يلى:
أولا: تعيين رؤساء المدن والأحياء من المدنيين، بعد التحريات الدقيقة عن (سُـمعتهم الشخصية) من حيث النزاهة وتاريخهم الناصع فى الأخلاق الحميدة.. والنـُـبل الإنسانى.. ودرجة ملحوظة من (التواضع) بمعنى الترفع عن تحقيق مصالح شخصية (مثل العيش فى فلل وقصور كما يفعل البعض..ورصيد فى البنوك..إلخ) هذا التواضع المرتبط بالزهد عن كل ما هو غير مشروع.. هو المُـفتاح السحرى لاختيار من سيكون من رؤساء المدن والأحياء.
ثانيـًـا: الشرط الأول مرتبط بالثانى.. وهو(إقرارالذمة المالية) هذا الاقرار الذى صار بلا معنى (منذ عدة سنوات) لأنه غير مُـفعل (بشكل جاد) بهدف تنفيذه..وليس مجرد (إقرار ذمة مالية شكلى) وهذا الاقرار يتطلب من المسئولين عن قراءته ومراجعته التأكد من دقة وصحة البيانات الواردة فيه.. وهذا التأكد لن يتحقق إلاّبعد (التحريات) التى يجب أنْ تكون مُـطابقة للمكتوب فى الاقرار..ونفس الشىء بعد إنتهاء مدة رئيس المدينة ورئيس الحى فى وظيفته.. وذلك من خلال مقارنة وضعه المالى قبل الوظيفة بوضعه المالى بعد الاستغناء عنه.
ثالثــًـا: تقديم كل من يثبت عليه التلاعب والتحايل على القوانين واللوائح، إلى المحاكمة (بعد تحقيق قانونى وعادل) وبصفة خاصة فيما يتعلق بكل من يتعامل مع رئاسة المدينة أو الحى، من القطاع الخاص.
رابعـًـا: تخصيص إدارات (فى كل مدينة أوحى) تكون مهمتها اكتشاف أية مخالفة فى قانون المبانى.. وإبلاغ الرئيس المباشر، فإذا لم يتخذ (رئيس الإدارة) الإجراء القانونى بإبلاغ النيابة، يكون من حق الموظف الذى اكتشف المخالفة، أنْ يـُـخاطب النيابة بنفسه، ولايـُـعد هذا تخطيـًـا لرؤسائه.. وأعتقد أنّ هذا البند لو تحقق، فسوف يمنع الظاهرة الكابوسية/العبثية/السوداوية التى حدثتْ كثيرًا، طوال عدة عقود، إنها ظاهرة المبانى التى ترتفع فيها الطوابق بالمخالفة للقانون.. وكان هذا يحدث تحت سمع وبصر مهندسى المدينة أوالحى..وكأنهم من فاقدى البصر..وبالطبع كان هذا يتم مقابل مبالغ مالية (على سبيل الرشوة) وكان هذا الارتفاع المخالف للقانون، يتسبب فى قتل بعض السكان، بخلاف خطر تأثر العقارات المجاورة.
فهل يستطيع رئيس مجلس النواب الحالى (د.على عبدالعال) الذى صرّح بأنّ فساد المحليات للركب، أنْ يطلب من النواب التقدم بمشروع القانون المقترح؟ أو إقناع رئيس الحكومة بالتقدم للمجلس التشريعى بالمشروع؟ وعلى أنْ يتضمن الملاحظات المنوّه عنها بعاليه؟ وإذا فعلتْ الحكومة وأرسلتْ مشروع القانون، فهل سيعرضه على النواب؟ وإذا عرضه فهل سيوافق النواب على تلك التعديلات؟ أم أنّ مشروع القانون سيوضع فى (ثلاجة) المجلس التشريعى.. كما حدث فى السنوات الماضية.. والسابقة لتصريح زكريا عزمى..وسابقة على انتفاضة طوبه/يناير2011 التى كان حصادها (الوحيد) القتلى والجرحى من بؤساء/ بسطاء شعبنا؟
---------------------
بقلم: طلعت رضوان