14 - 05 - 2025

حول (غروب النهار)

حول (غروب النهار)

أثار مقال غروب النهار، المنشور في العدد الأسبوعى الأخير لجريدة المشهد، بعضاً من تعقيبات أرسلها قراء محترمون وأصدقاء أعزاء. كتبت الدكتورة عايدة الصبان (اسمح لى، عندى تعليقين هذه المرة، أرسلهما من أيرلندا: (1) اعتقد رذاذ وليس رزاز، (2) القفزة غير واضحة لى من باريس إلى بيروت، أو لنقل الانتقال من باريس إلى بيروت بدا مفاجئاً لى). بالقطع رذاذ هى الصواب، فعذراً عن خطأ تسلل من الكاتب والمراجع. 

أيضاً، بدا الرابط بين العاصمتين، باريس وبيروت، غامضاً عند الصديق على أحمد فكتب (أخالنى تضارب عندى صباح باريس مع صباح بيروت، الذى قضم كعكة المقال من منتصفها، فجعلت أبحث بين طيات الكلمات عن منبع المقال ومجاريه ومصبه وبالكاد، كالَّاً، اهتدى لبعض منها محاطة بصدمة الصراع التكنولوجى بين البيجر (جهاز نداء آلى) والموبايل، واختفاء الوسائل التقليدية للنشر والتواصل، ولعلى ألحظ غروب نهار الوسائل التقليدية يدق باب الفكرة بينما يصعب على لسانها على وصولى إليها).

الروابط بين باريس وبيروت عديدة، بداية من تماثل مشهد الوقوف أمام أكشاك الجرائد بالقرب من محطة سان ميشيل بباريس لقراءة عناوين الجرائد، أو أمام المصاطب الحجرية على كورنيش بيروت لنفس السبب، يلى ذلك اتخاذ قرار الشراء طبقا لما تثيره العناوين فى فكر ونفس القارئ. تراجعت هذه العادة على الجانبين. يتطلع البائع إلى وجوه المارين من حوله، دون أن يثير وجوده فضولهم فيتوقفوا، ولو للحظات، يطالعون فيها العناوين. تراجعت مبيعات الجرائد، تحول بعضها من يومى إلى أسبوعى، وأخرى استبدلت المنصة الإليكترونية بالمطبوع، ناهيك عن تلك التى أغلقت أبوابها.

ضعف المحتوى أحد الأسباب، وارتفاع أسعار الورق والخامات سبب آخر، وكذلك سرعة التطورات التكنولوجية. بضغطة واحدة يعرف القارئ آخر أخبار الدنيا ويتصفح الجرائد على شاشة هاتفه المحمول متحركاً وثابتاً. يقصد كشك الجرائد لشراء تذاكر المترو، كما فى باريس، أو بعض البسكويت والعصائر وما شابه. في المساء، تجثم أمام كشك الجرائد القريب من منزلى لفافات ما تبقى من صحف النهار، أو المرتجع كما يسميها البائع، (لا تزيد عدد نسخ بعض الجرائد عن عشرة، ومع هذا يوجد مرتجع)، قال الرجل.

يقول الإعلامي مجدى صلاح أبو سالم في تعقيبه على المقال (.... ظننته للوهلة الأولى النهار الفيزيائى فإذا هو النهار الصحفى). نعم يا سيدى، فكوابيس غروب جريدة النهار اللبنانية تتكرر في واقع غيرها من الصحف. يكنس التطور التكنولوجى كل ما أمامه، ليس فقط في عاداتنا، بل وفى أنماط تفكيرنا وإدارتنا للوقت، حتى أنه، من فرط سرعته، لا يمنحنا الفرصة لتقييم مواقفنا بشكل سليم.

فى خطوة توافقية، خفضت جريدة الفاينانشيال تايمز اللندنية من مطبوعاتها الورقية وطورت منصة إليكترونية بمقابل يتراوح من نحو سبعة دولارات فى الأسبوع إلى أحد عشر دولار تقريباً، يحددها المشترك طبقاً لما يرغب فى الاطلاع عليه، مؤخراً تخطى عددهم الأربعة ملايين مشترك. بينما لا يتجاوز المطبوع منها مائتى ألف نسخة يوميا، تنخفض سنوياً بنحو 7%. فما زال هناك من يحرص على قراءة جريدة الصباح مع فنجان شاى أو قهوة.

فى تعقيبها الأنيق تقول السيدة أمنية صبرى (.... لكن البعض لا يستطيع أن يبدأ نهاره بدون الاطلاع على جريدة الأهرام). حقيقة. وأنا منهم، أزيد عليها بمقالين صباحيين، سمير عطا الله فى الشرق الأوسط ونيوتن فى المصرى اليوم، الأول من خلال جريدة مطبوعة، والآخر عبر الموقع الإليكترونى. توافق. ربما يضمن لى السير، لمسافة أطول، على حبل التكنولوجيا المشدود مع شيء من اتزان.
 --------------------

بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد