لم أندهش من تصريح حسن نصرالله (سارق اسم الله ليكون اسم حزبه) الذى طالب بمحاربة التطبيع مع العدو الإسرائيلى..وسبب عدم دهشتى إننى لا أجد أى فرق بين المُـطبعين مع إسرائيل.. والمُـطبعين مع إيران.. وإذا كانت دعوات مقاومة التطبيع مع إسرائيل، لها أسبابها الموضوعية والمقبولة، نظرًا لما سيترتب على التطبيع من علاقة التابع (المُـطبـّـع) لتبعية إسرائيل.. وهو الأمر الذى ينطبق على (نصرالله) الذى أنشأ (جيشـًـا) موازيـًـا للجيش الوطنى اللبنانى لتدمير لبنان.. وبالتالى يكون السؤال: هل هناك فرق بين تطبيع وتطبيع؟ وكيف يمتلك جرأة الكلام عن التطبيع العربى/ الإسرائيلى، بالرغم من تبعيته المطلقة لإيران التى موّلتْ- ولاتزال- أعضاء ميليشياته الذين صاروا مثل الجنود فى أى جيش نظامى؟
وبالرغم من ذلك فإننى أعتقد أنّ تصريح نصرالله الأخير يكتسب أهمية خاصة، حيث أنه رفع الغطاء عن المسكوت عنه، فى علاقة معظم الأنظمة العربية بإسرائيل، حيث خاطب الشعب الفلسطينى قائلا ((لاتحزنوا من خطوات التطبيع مع إسرائيل، لأنّ ما كان يجرى فى الخفاء، صار يجرى الآن فى العلن.. وهويضع حدًا للنفاق العربى.. وبالتالى تسقط كل أقنعة الخداع)) (دنيا الوطن10نوفمبر 2018)
وأعتقد أنّ نصرالله فى هذا التصريح لم يـُـجاوزالحقيقة..والدليل على ذلك أنه منذ أنْ أعلن ترامب عن (صفقة القرن) وبعد أنّ (هبش) أكثر من 400 مليار دولار من السعودية (فى زيارة واحدة) وبعد أنْ توالتْ وفود سعوديين عديدين لزيارة إسرائيل. وبعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أذاعتْ فضائية (قناة البحرين) حلقة عن مشروع أردنى/ فلسطينى/ إسرائيلى، يجرى بموجبه بناء قناة مياه تربط البحر الأحمر بالبحر الميت.. وصفه بعض الباحثين بالخطورة.. ويـُـشكل خرقــًـا للتطبيع مع إسرائيل (وكانت الحلقة فى شهريوليو2017)
وسبق أنْ حذّر المثقفون المصريون فى مجلة العصور عدد فبراير ومارس 1929 من مخططات اليهود حول إنشاء قناة جديدة تــُـقرّب قناة السويس بين البحر الأبيض المتوسط وخليج العقبة.. وهذا التحذير لم يتوقف أمامه أحد، رغم محاولات إسرائيل المستمرة لتحقيق هذا الحلم، إذْ ((فى المنتدى الاقتصادى العالمى بالأردن الذى عـُـقد عام 2003 تكلّمتْ وفود الأردن وإسرائيل بالبدء فى تنفيذ مشروع قناة البحريْن الأحمر والميت فيما سمى خطة تطوير وادى الأردن لحماية بيئة البحر الميت، علمًا بأنّ المرحلة الثانية من هذا المشروع ستصل إلى البحر المتوسط.. وهكذا جاءتْ الفكرة الأردنية على طبق من ذهب لإسرائيل.. وقيل وقتها أنّ هذا المشروع إذا تم تنفيذه فسوف تخسر مصر ما بين 25– 30% من دخل قناة السويس (حوالىْ ملياردولار. إضافة إلى أنّ هذه القناة (المقترحة) آ كفيلة بتحريك النشاط الزلزالى بالمنطقة (أهرام 25/ 11/ 2003) وإذن فإنّ (تعاون) بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل حقيقة مؤكــّـدة ومنذ عدة سنوات.. ولكن هذا لايعنى أنّ تحذير نصرالله من التطبيع مع إسرائيل، أنه صار من أنصار الحقوق المشروعة للشعوب العربية.. وليس من أنصار المشروع الإيرانى/ الفارسى.
وفى الحرب بين حزب نصرالله وإسرائيل سنة 2006 ، لعب نصرالله دور الطفل المُـشاغب على طريقة (جر الشكل) وكان ثمن حماقته- كما ذكرالخبراء الاقتصاديون- أنّ خسائر لبنان تجاوزتْ 12 مليار دولار.. كما أنّ البنية التحتية اللبنانية لشبكات الماء والكهرباء والجسور والمرافىء والمطارات انهارتْ جميعها، غير الضحايا فى الأرواح والجرحى وآلاف البيوت المُـدمـّـرة..ونزوح ما يقرب من مليون لبنانى عن أراضيهم ((ناديه عيلبونى فى كتاب حزب الله الوجه الآخر- تحرير الشاعرالفلسطينى د. أحمد أبومطر- المكتبة الأردنية- عام 2008- ص 56) وذكر حازم صاغيه أنه مع توالى التصفيات للشيوعيين والبعثيين اندلعتْ حرب المخيمات حيث شكــّـلتْ حركة أمل ذراع دمشق فى الإمساك بها حياةً وقرارًا.. وكانت (أمل) لاتزال الطرف الوحيد الذى يُـشارك حزب الله سيطرته على الضاحية.. وأنّ حزب الله كان يُساعد الطوائف التى تــُـنادى بتهجير المسيحيين من أراضيهم.. وشكــّـلتْ حرب المخيمات فرصة أمام حزب الله لتصفيه حسابه مع (أمل) والاستئثار بالضاحية من غير أنْ يستفيد الفلسطينيون من هذا الصراع.. وأنّ حزب الله عمل على استيراد كل ما هو إيرانى لنفى وتدمير كل خصوصية لبنانية (المصدر السابق – من ص42 -44) آ وبعد المذبحة الإسرائلية ضد الشعب اللبنانى قال نصرالله أنه لوكان يعلم أنّ رد الفعل الإسرائيلى سيكون بهذا الحجم، ما كان قد أعلن تحديه لإسرائيل.
ولأنّ حزب الله دموى فإنّ قادته لم يتورّعوا عن تنفيذ عمليات تصفية جسدية دموية لرموز بارزة فى المرجعيات الدينية الشيعية، مثل الانقلاب الدموى الذى قاده حزب الله ضد الشيخ صبحى الطفيلى لمجرد أنه طالب باستقلال الشيعة فى لبنان عن إيران.. ورفض ولاية الفقيه داعيًـا إلى تبنى خيار ولاية الأمة على نفسها)) (د.سمير غطاس– المصدرالسابق ص 117) ولأنّ حزب الله تصوّر أنه بالفعل (دولة مستقلة) فى حرب مع الشعب اللبنانى، لذلك نصبَ شبكة اتصالات لاسلكية وكاميرات تجسس على المطار وأنحاء مختلفة من ضواحى بيروت..وذكر د.عبد الخالق حسين أنّ ((احتلال حزب الله لبيروت هو محاولة انقلابية مسلحة ضد الحكومة الشرعية المنتخبة.. والسيطرة على مؤسسات الدولة ومكاتبها وتنزيل صور قادتها ورفع صور بشارالأسد والخمينى وخامئنى ونصرالله.. وهذا العمل نسخة طبق الأصل لما قامت به منظمة حماس بانقلاب مسلح فى قطاع غزة ضد إدارة الرئيس المنتخب محمود عباس ومنظمة فتح.. وقتل عدد من رجالها وإهانة ياسر عرفات ومحمود عباس بسحق صورهما بالأحذية وأمام كاميرات التليفزيون دون أدنى خجل.. وأنّ خطف الجندى الإسرائيلى (شاليط) عام 2006 كــّـلف الشعب الفلسطينى أكثر من ألف قتيل..وأنّ تنظيم حماس (الذى خطف الجندى الإسرائيلى) هناك أنباء تــُـفيد أنّ إسرائيل ساعدتْ على تأسيسه وبدعم من حكومات عربية فى أواخر عام 1987 آ لمنافسة منظمة فتح وإضعافها.. وأخيرًا تـمّ شراؤها من قبل إيران وسوريا لخدمة أغراض الدولتيْن على حساب مصالح الشعبيْن اللبنانى والفلسطينى)) (المصدرالسابق– ص 248)
فهل تصريح نصرالله الأخيرعن خطورة التطبيع العربى/ الإسرائيلى، يختلف عن خطورة التبعية لإيران..وبهذا الشكل الفج والمُـباشر؟
------------------------
بقلم: طلعت رضوان