14 - 05 - 2025

حدث في تركيا ... إلى كلِّ مصاصي الدماء في أرض الإسلام!

حدث في تركيا ... إلى كلِّ مصاصي الدماء في أرض الإسلام!

قَطْرةٌ مِنْ تِرْياق

في تركيا من قرون، جاء من أقصى المدينة يسعى، جاء أعزلَ إلا من صوتٍ يهدرُ بالحقيقة، يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيم. قال يا قوم أين أولو العدل فيكم والحكمة؟ ما جئتكم إلا ناصحاً كاشفاً مُبصِّراً، اسمعوا كلمة السماء، اتبعوا رسل الله، ما جئتكم إلا لأبين لكم، لأزيل عن عيونكم غشاوة الظلم، وعن قلوبكم غلالة القساوة، وعن عقولكم ران الغباوة، لكن الأوغاد سمعوه بآذانٍ صماء؛ فلم يستمرؤوا ما قال، وصدهم عن الحق زيغٌ عِرْبيدٌ أحال قلوبهم أوعيةً صدئةً لا ينِدُّ عنها إلا خبث، وقد كثرت ثقوبها فتساقط منها كل قطرات الخير. قالوا: اصمت فلم يرْعَوِ، ولم يهتز له قولٌ أو يخُرْ له عزم قالوا: انتهِ وإلا أعملنا فيك سيوفنا فقطعناك إرباً، فلم يزده ذلك إلا عزماً ولم يزدهم إلا غيظاً وكيداً فاجتمعوا عليه فذبحوه وقطعوه!، فقال له ربه: لقد أديت ما عليك، جاهدتَ بالكلمة حتى تكون كلمتي هي العليا، جُدتَ بروحك لتحيى روح الحق في جسد الآدمية؛ فحقَّت لك الجنة، { قيل ادخل الجنة }، فلما دخلها بأمر ربه لم يشتهِ شيئاً من نعيمها- وفي الجنة كل الأماني ممكنه بل متحققة- لم يطلب حورها أو قصورها، وإنما كانت له رغبة وحيدة وأمنية واحدة،{ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين }.

إنها حكاية حقيقية، قصة ذلك العبد الصالح حبيب النجار الذي ما إن سمع أن رسولين من رسل الله قد جاءا إلى مدينته أنطاكية في الجنوب التركي ليبلغا رسالة الله، فتعنت لهما القوم وأنكروهما وصدوا صدوداً عظيماً، فأرسل الله إليهم ثالثاً لكنهم لم يزدادوا إلا عناداً ونكوصاً عن دعوة الحق؛حتى أسرع لنجدتهم من أقصى المدينة. كان رجلاً من عوام الناسِ نجاراً أعمل فيه المرض سطوته، لكن الهمة التي ازدانت به روحه والحب الذي اختلط به دمُهُ نحو الحقيقة، والشفقة التي اكتسى بها قلبه تجاه قومه وخوفه عليهم من عواقب الانحراف؛ كل ذلك سطره القرآن الكريم في سورة يس تلكم السورة العظيمة التي وصفها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بأنها قلب القرآن: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} إلى أن قال { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ } نكل به قومه وذبحوه وقطعوه وقد كان يظن أنهم أرأف الناس به، ولم لا وهو منهم، وهم له غطاء وستر ومرحمة، لكنهم كانوا أهل خسة، كانوا أشد كفراً ونفاقاً من الأعراب! كانوا كوحوش البراري لا يعولها إلا الدم ،ولا يشبعها إلا لحوم من لا يهادنها!.

فلما دخل الجنة وتمنى على الله، وقال قولته الشهيرة:{ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} أخذ الله هذه الكلمات ووضعها في كتابه الحكيم ، ذلكم الكتاب الذي لا يعتريه التغيير، ولا ينال منه التحريف إلى يوم القيامة، كلمات نقرأها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً كلما قرأنا سورة يس، كلمات لرجل مجهول ضعيف لم يكن سوى واحد من الناس، لكنه صار كلَّ الناس إذْ نقرأ قصته في كل مرة تطالع عيوننا آيات هذه السورة العظيمة. إن إزهاق نفس مؤمنة والتمثيل بها وتقطيعها جرم عظيم يهتز له عرش الرحمن؛ فيغضب غضبته الكبرى، ثم يكون حكمه حتميَّ النفاذ { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}. 

صحيحٌ أن الظلم ظلمات يوم القيامة، لكنه نورٌ للمظلومين المقهورين تسطع به وجوههم في ردهات الجنة، فهل يَعتبِرُ سُرَّاقُ الحياةِ من قصة هذا الرجل الذي قُطِّعَ جسدُهُ ليُكْتمَ صوتُهُ إلى الأبد؟ وما كانَ حاجَجَهم سوى بالكلمة، لكنَّ مصاصي الدماء قتلوه وما قتلوا الكلمة!.

--------------------
بقلم: حمدي أحمد شفيق

[email protected]

من العدد الأسبوعي للمشهد (263)

مقالات اخرى للكاتب

حدث في تركيا ... إلى كلِّ مصاصي الدماء في أرض الإسلام!