لوتجاوز الباحث عن السنوات التى سبقتْ وعد بالفور.. وركــّـز على سنة 1947 (قرارالأمم المتحدة بتقسيم فلسطين) وسنة1948(بداية الاحتلال الفعلى) فإنّ هذا الباحث (صاحب العقل الحر) سيكتشف المُـفارقة المؤلمة..والتى تتجاهلها الثقافة العربية (والمصرية) السائدة، وهى أنّ الخط البيانى لكل من فلسطين وإسرائيل يـُـوضـّـح أنه لصالح الأخيرة ضد فلسطين.. وهذا الخط البيانى يؤكد أنّ المُـعتدى يتحرّك ويتوسـّـع وينتشر مثل السرطان فى الجسد الفلسطينى والعربى، بينما مأساة الشعب الفلسطينى تتفاقم يومًـا بعد يوم.
وكلما تذكرتُ أو قرأتُ عن أحداث عام 1948 المأساوية التى انتهتْ بإسدال الستار على الفصل الختامى من إحتلال فلسطين، وكلما تذكرتُ الشعار الكاذب المُـضلل (الصراع العربى/ الإسرائيلى) بينما الأدق هو (الصراع الفلسطينى/ الإسرائيلى) كلما آمنتُ بما كتبه المفكر السعودى عبدالله القصيمى فى كتابه الذى اختارله ذاك العنوان الدال (العرب ظاهرة صوتية) 717 صفحة من القطع الكبير. آ
الخطاب العربى التضليلى الذى ركز على دور الحكومات العربية وشعوبها، هوالذى وافق على مشروع إنجلترا الاستعمارى الذى أطلقتْ عليه (الوحدة العربية) ثم دشنته بإنشاء (جامعة الدول العربية) فخلال الحرب العالمية الثانية أعلن إيدن وزيرالخارجية البريطانية فى 27 مايو41 تأييده للوحدة العربية (يهود مصر- التاريخ السياسى- د.زبيدة عطا- عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية- عام 2010- ص211)
وكان تعقيب المؤلفة أنّ بريطانيا ((رأتْ تجميع الدول العربية فى منظمة واحدة تربطها بالاستعمار لتحقيق مصالحه)) وكان الأمير عبدالله (الذى نصّبته بريطانيا ملكـًـا على الأردن) ضمن الجوقة التى مشتْ وراء المخطط البريطانى لإلغاء خصوصية شعوب المنطقة من ناحية، وعدم الاعتماد على الذات من خلال الاستقلال من ناحية ثانية.. وشيوع المسئولية فيما يخص فلسطين من ناحية ثالثة.. وهذا أخطر ما فى الأمر بمراعاة أنّ الشعب الفلسطينى هو المسئول عن تحرير أرضه.. وكتبتْ د.زبيدة عن علاقات الملك عبدالله بالوكالة اليهودية وإسرائيل على مدار 30 سنة، منذ تأسيس مملكة شرق الأردن عام1921وحتى مقتل عبدالله عام 53..وكان هو والحاج أمين الحسينى ضد القومية الفلسطينية.. وأنّ موقف عبدالله لايُحدّده فقط لقاؤه بجولدا مائير فى 17نوفمبر 47 فقد كان قبل ذلك بكثير..وكان اللقاء على درجة عالية من السرية.. وانتهى الاتفاق بينهما على اقتسام أرض (إسرائيل) وفق تعبيره (أى عدم ذكر أرض فلسطين) مقابل توسيع مملكة الأردن على حساب الشعب الفلسطينى.. وبذا أصبح الملك شريكـًـا فى المؤامرة الهاشمية/ الصهيونية ومنع إقامة دولة فلسطينية وفقا لقرار التقسيم الصادر عام 47 آ (ص312)
ولم يختلف الموقف عند باقى الدول العربية، فالموقف العربى عامة لم تكن لديه استراتيجية معينة ولاتقارب ولاآ خطة مشتركة..وهناك ازدواجية حقيقية بين ما يفعلون أويقولون سرًا وبين ما يُعلنونه، حتى لايُواجهوا بعض المتطوعين للقتال.. وهو الإتجاه الذى انتهتْ إليه القيادة العربية. وأنّ الملك عبدالله كان كل ما يهمه عدم إقامة دولة فلسطينية، فهو يُعلن تأييده لقرارات الجامعة العربية وفى نفس الوقت يقول لـ (إلياهو ساسون) ((الجامعة ليست جامعة.. وقراراتها ليست قرارات)) (هيكل فى كتابه- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل- ص256)
وعندما طرح بعض رؤساء الدول العربية مشروعًا لقطع العلاقات مع الغرب، فإنّ مندوب الملك عبدالله كان صريحًا ولم يوار عورته فقال ((كلام فارغ.. هل ابن سعود سيقطع علاقاته مع الأمريكان؟ كل واحد فى العالم العربى يُزايد على الآخر.. وكل ذلك لتغطية الفشل العربى))
ومن بين الكوارث المسكوت عنها أنْ يكون المسئول عن قيادة الجيوش العربية الميجور الإنجليزى (جلوب) الذى منحه الملك عبدالله رتبة الباشوية.. وقال لأحد أصدقائه أنه يشعر بأنه أردنى أكثرمنه إنجليزى.. وهو مؤشر دال على الوضع البائس للدول العربية. لذا كتبتْ د.زبيدة أنّ ((حرب فلسطين أثبتتْ مدى التفكك الذى كان فيه الموقف العربى)) (ص 329)
وفى عام 49 حدّدتْ إسرائيل موقفها من الأراضى التى احتلتها خارج تقسيم عام 47 واعتمدتْ على الملك عبدالله الذى بدأ يُثير سكان الضفة الغربية ضد القوات المصرية التى احتلتْ أجزاءً منها حماية لها قبل أنْ تطأها أقدام الإسرائيليين.. ونجح فى استمالة عناصرفلسطينية ضد مصر. وفى الوثائق المصرية بلاغات عسكرية مُتعدّدة تـُندّد بسلوك الجعبرى عمدة الخليل المُناهض للقوات المصرية فى الضفة.. وإثارة الفلسطينيين ضدها..وفى مؤتمر عمان أعلن الملك عبدالله ضم الضفة إلى دولته..وبالتالى أذعن لإسرائيل وضاعت أراضى فلسطين التى أخذها خارج حدود التقسيم.. وفى 25 مايو 50 أصدرتْ أمريكا بيانــًـا تضمّن فى فقرته الثالثة تجميد الصراع (العربى الإسرائيلى) وفى الوقت نفسه استمرتْ الاتصالات بين إلياهو ساسون وعناصر عربية. وذكر د.محمد عبدالرؤوف أنّ تلك الاتصالات أسفرتْ عن أنّ العرب قبلوا بشكل غيرعلنى بوجود إسرائيل كأمر واقع (ص 338، 339) ورغم الهجوم العربى على أنورالسادات بعد معاهدة الكامب، فإنّ أغلب الدول العربية تــُـقيم علاقات مع إسرئيل، بل إنّ عبدالناصر نفسه قبل مبادرة روجرزالأمريكية التى تعد بمثابة البروفة للاعتراف بإسرائيل. أما من كان صاحب رؤية ثاقبة فهو أحمد لطفى السيد الذى تنبّأ فى الخمسينات (بقيام صلح بين العرب وإسرائيل) (نقلته د. زبيدة عن د.عايدة سليم فى مجلة البحوث والدراسات العربية)
ولعلّ ما قاله الحاج أمين الحسينى (مفتى فلسطين) أنْ يكون درسًا لمن لديه عقل نقدى إذْ قال ((إنّ سياسة مصر كانت مؤيدة وموافقة كل الموافقة لرغبة المسئولين الفلسطينيين فى ألاّ تدخل الجيوش العربية إلى فلسطين. بل يقوم الفلسطينيون أنفسهم بالدفاع عن بلادهم وأنْ تـُقدّم لهم المساعدة بالسلاح والذخائر والأموال وكل الوسائل الممكنة)) (هيكل- العروش والجيوش- دارالشروق عام 98 ص441) وذكرهيكل أنّ الجيوش العربية تخلتْ عن مساعدة الجيش المصرى فى معارك النقب فى شهرىْ نوفمبر وديسمبر 48( المصدرالسابق- ص445)
------------------------
بقلم: طلعت رضوان