14 - 05 - 2025

لماذا جاء ترتيب مصر فى مؤخرة الدول فى التعليم؟

لماذا جاء ترتيب مصر فى مؤخرة الدول فى التعليم؟

جاء ترتيب مصر على مستوى التعليم.. وفق الضوابط العالمية، رقم129 من بين 137 دولة.. وذلك كما جاء فى بيان (مؤشرالتعليم العالمى) عن السنة الدراسية 2017/2018 بينما كانت دولة سنغافورة هى الدولة الأولى على مستوى العالم، حيث حصلتْ على أعلى الأرقام فيما يتعلق بضوابط الجودة، التى جاءتْ فى الشروط المنصوص عليها فى معايير التقدم.. ومن أهمها (القدرة والكفاءة في نسبة تحصيل الطالب للدرس داخل فصول المدرسة، أومدرجات الكلية.. ومن بين المعايير -أيضـًـا- أنْ يكون النظام التعليمى قائم ومؤسّـس على (الفهم والنقد والتفاعل مع أستاذ المادة).. وليس على التلقين. 

وأعتقد أنّ السؤال الذى يجب أنْ يشغل عقول المسئولين عن التعليم فى مصر هو: لماذا كانت سنغافورة فى المُـقـدّمة ومصر فى المؤخرة؟ سأتجنــّـب معظم العوامل التى تسببتْ فى هذا التخلف المُـزرى للتعليم.. وسأركــّـز على عامل واحد (فقط) هو تكدس الفصول بالتلاميذ، تكدس فاق كل التوقعات.. وتجاوز كل المعايير- ليس على المستوى التعليمى (فقط) وإنما على المستوى الإنسانى، فهذا التكدس وصل لدرجة (حشر) 120(مائة وعشرين تلميذًا) فى فصل مساحته أربعين مترًا مربعـًـا. وهذه المعلومة لم ترد فى صحيفة (معارضة) ولا فى قناة تليفزيونية (مُـعادية للنظام) وإنما وردتْ فى صحيفة قومية/ حكومية مصرية..وذكر كاتب المقال أنّ من بين الأمثلة مدرسة الفاروق عمر الواقعة بحى المرج.. وأيضـًـا مدرسة خالد بن الوليد، وفى الفترة الصباحية يزيد عدد التلاميذ على مائة تلميذ.. وهكذا يتكرر المشهد فى آ مدن ومناطق كثيرة.. وتساءل الكاتب: كيف يتسنى للمدرس الحديث مع 120 تلميذًا وكيف يـُـتابعهم.. وهل- لو افترضنا أنّ التلاميذ الذين تكـدّسوا فى مساحة 40 مترًا- تحمّـلوا الزحام، فكيف يستوعبون شرح المدرس؟ (أحمد فرغلى- أهرام 19 أكتوبر 2018- ص24) 

وهكذا يكون موقف الشرفاء حتى فى صحف الحكومة، لأنّ ظاهرة تكدس التلاميذ بهذه الصورة البشعة، تدل دلالة قاطعة على أنّ المسئولين عن التعليم مُـغيبون عن أهم مرتكز فى العملية التعليمية: الهدوء الذى يـُـساعد التلميذ على الانتباه والتركيز مع شرح المدرس. 

والدرس المُـستفاد من المنشور فى الأهرام، أنه لا أمل فى تطوير التعليم فى مصر.. وأنّ السنوات القادمة ستشهد المزيد من التخلف، عن مواكبة التعليم فى العصر الحديث.. وبالتالى المزيد من التدهور الذى يجعل مصر فى ترتيب مُـخجل، عند مقارنة مصر بدول عديدة حظيتْ بترتيب مُـتـقـدّم.. ومع ملاحظة الفارق فى عمر هذه الدول..والأهم الفارق الحضارى. 

وأعتقد أنّ تكدس التلاميذ يعنى إصرار المسئولين على تدمير عقول هؤلاء الأطفال.. وتشجيعهم على (حب الفوضى) و(تضييع الوقت) و(الزوغان من حضور الحصة) إلخ.. والأهم والأخطر هواستمرار ظاهرة الدروس الخصوصية، بتشجيع من وزارة التعليم (ولو بطريق غير مباشر) وهل سأل الوزير نفسه: هل ابنه (أو أى طفل) يستطيع الانصات للمدرس وهويسمع صياح وضجيج 120 تلميذًا؟ ولو أنّ المدرس من الشرفاء الذى نجح فى مقاومة (فيروس) الدروس الخصوصية.. واكتفى براتبه (وهذا المدرس حالة استثنائية) فهل يستطيع الشرح فى هذا الفصل الدراسى غير الإنسانى؟ 

المطلب الإنسانى (توفير فصل دراسى) بعدد من التلاميذ يسمح لهم بالانتباه لشرح المُـدرّس، هو أبسط الحقوق وليس فيه (رفاهية) الفصول الدراسية المُـكيــّـفة والمُـتصلة بشبكة الانترنت.. ولا رواتب المدرسين مثل رواتب الوزراء.. كما يحدث فى اليابان.. كل هذه (الرفاهية) مُـستبعدة لأنّ المطلوب شىء واحد (فصل دراسى إنسانى) فهل فى هذا الطلب مُـبالغة حتى تتخلص مصر من عار المؤخرة؟

***

وأعتقد أنه من المهم التعرف على الأسباب التى جعلتْ سنغافورة تتصدرالترتيب الأول على مستوى العالم. تقع سنغافورة جنوب شرق آسيا، عند الطرف الجنوبى لجزيرة الملايو.. ومن بين أسباب التقدم فى التعليم علاقته بمستوى التقدم التكنولوجى والتقنى، الذى تــُـشرف عليه (هيئة تطوير المعلومات والاتصالات IDA) ومنذ عام 1981 وُضعتْ خـُـطط خمسية لإنجاز التطوير.. والذى بفضله حقق دخلا للدولة تجاوز 80 (ثمانين) مليار دولار سنة 2011.. والمدارس السنغافورية ترتكز على تغيير تفكير الأطفال.. وأسلوب تعليمهم.. وقال السيد (رونى تاى) الرئيس التنفيذى لهيئة تطوير المعلومات والاتصالات، أنّ مشروع التطوير يستهدف الآتى: 

أولا: أنْ تكون سنغافورة الأولى على مستوى العالم فى مجال الاستفادة من المعلومات والاتصالات. 

ثانيـًـا: تحقيق زيادة الضعفيْن والثلاثة أضعاف من عائدات تصدير المعلومات والاتصالات. 

ثالثــًـا: تحقيق نسبة 100% فى معدل انتشار أجهزة الكمبيوتر لجميع الأسر التى لديها تلاميذ فى المدارس.. وأضاف أنه يوجد معهد لاعداد وتدريب المعلمين، باعتبارهم حملة مشاعل التنوير.. وفى هذا المعهد فإننا لا نؤهل المعلمين ورفع مستواهم الثقافى والمهنى، للتعامل مع طلاب اليوم أو طلاب ما بعد 20 سنة.. وإنما نحن نطمح فى إعداد المعلمين مع المستقبل فى العام 2100.. وقال إنّ الفصل الدراسى سيتحول إلى التماثل مع الواقع البيئى، فإذا كان الطالب يدرس- على سبيل المثال- موضوعـًـا حول البيئة- فإنه بمجرد تغيير العوامل المؤثرة على البيئة (مثل المحروقات والانبعاثات الكربونية) سيتفاعل الفصل الدراسى تلقائيـًـا مع هذا التغيير.. وسيتأثر الطالب به عندما يشعر بإرتفاع درجة الحرارة.. ويـُـشاهد فى شاشات (داخل الفصول) احتراق الغابات وغيرها (المصدر صحيفة البيان- 29يونيو2012- تقريرللصحفى على الزكى- عن زيارته لسنغافورة)آ  

فهل يستوعب المسئولون المصريون (درس) سنغافورة؟ ليعرفوا لماذا كانت الأولى على العالم فى معايير التعليم الدولية.. وهل من الممكن أنْ يكون عدد التلاميذ 20(عشرين) فى الفصل وفقــًـا للحد الأقصى كشرط من شروط الانتباه والتركيز كما نصـّـتْ عليه المعايير العالمية..وليس خمسة أضعاف الرقم كما فى مصر.

---------------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟