مجنونه ياقوطه..هكذا كان يصف البائعون الطماطم بالجنون ، لعدم ثبات أسعارها ..لكنها لم تعد وحدها متفردة فى ذلك ، فقد جنت كل قريناتها من الخضروات والفاكهة ، وأصبح غلاء أسعارها لايطيقه الأغنياء فما بالك بالفقراء المعدمين .
الجنون انتقل هذه المرة إلى المواطنين الذين باتوا يكلمون أنفسهم بعد حالة الغلاء الفاحشة التى ضربت الخضروات التى يعتبرها الكثيرون طعام الفقراء ومنها البطاطس.
أتذكر ان والدتى رحمها الله كانت تشترى ( شوالين بطاطس ) لرخص اسعارها ، وتضعهما فى البيت كخزين استراتيجى ، نأكل منه عند الحاجة ،فقد كان طهى البطاطس لا يكلفنا شيئا على الإطلاق ، كنا ندس البطاطس فى ( محمة ) الفرن ، أو نار ( المنأد ) ، وبعد دقائق معدودة نخرجها مشوية ،آ لنأكلها طعاما شهيا بعد إضافة بعض الملح عليها ..هكذا كانت البطاطس طعام الفقراء والبسطاء بل والاغنياء أيضا ، يلجأون إليها فى حالة خلو المنزل من اللحوم أو الدواجن ، يأكلونها حامدين شاكرين .Iآ
أما وقد كشرت البطاطس عن انيابها ، وأظهرت العين الحمراء للجميع غنيهم وفقرائهم ، فقد بات الاقتراب منها امرا محفوفا بالمخاطر بعد أن وصل سعر الكيلو إلى اربعة عشر جنيها ، وكأنها تنتقم منا شر انتقام ، بعد أن كانت حنونة لطيفة ترفق بالفقراء ومحدودى الدخل.
أذكر ان البائعين كان يجذبون الزبائن إليها، ويرغبونهم لشرائها ، بتشبيهها بالتفاح : (تفاح يابطاطس ) ، لكنها الآن أصبحت ملكة متوجة على عرش الخضروات ، ولم تعد بحاجة لمن يدلل عليها . وباتت جنبا إلى جنب مع التفاح للفرجة فقط !!!
وكعادتهم لم يترك المصريون الغلاء الفاحش لأسعار البطاطس دون أن يتناولوا هذا الموضوع بخفة دمهم المعهودة ، وبسخريتهم اللاذعة : ياكبير بيقولك أبوك انزل البلد علشان لاقه كراتين بطاطس مش لاقى حد يحمرهم ) ، ( للجادين فقط بططساية ربع كيلو بحالتها للبيع ..للتواصل على الخاص ).
وبعيدا عن السخرية اللاذعة للمصريين ، وقدرتهم الفائقة على تجاوز المحن والغلاء الفاحش من خلال الفكاهة والنكت ، إلا ان ذلك لايعنى بالضرورة أنهم لايشعرون بالمرارة . فقد أصبحت كثير من السلع المرتبطة ارتباطا وثيقا بالفقراء وتحديدا الفول المدمس والبطاطس من السلع التى تلهب جيوبهم ، بل لا ابالغ إذا قلت أنها تكاد تهز كيان الأسر المصرية الفقيرة التى تكاد تعتمد اعتمادا كليا على هاتين السلعتين الرئيسيتين.
مجنونة يابطاطس!!
