أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن القضية الفلسطينية تتعرض لهجمة شرسة لا زالت فصولها تتلاحق أمام أعيننا، قائلا: ثمة رغبة أمريكية غير مسبوقة في إفراغ القضية الفلسطينية من محتواها القانوني والسياسي والتاريخي والإنساني.
وتابع في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري الدورة العادية "150"، ونقول في عبارة واضحة: ماذا يتبقى من القضية الفلسطينية إذا أبعدت قضايا القدس واللاجئين من الطاولة؟ علام يتفاوض الفلسطينيون إذن؟ أي معنى يبقى لحل الدولتين الذي أيدته القمة العربية ويسانده المجتمع الدولي؟
وأوضح أنه "يجري نعت القيادة الفلسطينية بالتصلب والتعنت.. يقولون إنها ترفض صفقة لم تُعرض عليها بعد ولكن المؤشرات والدلائل ماثلة أمامنا جميعاً، هي ليست شكوكاً في النوايا، ولا رجماً بالغيب.. وإنما جملة من الأفعال والسياسات والتصريحات تواترت وتلاحقت عبر العام الماضي"، فقد جرى الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، في تحدٍ للإرادة الدولية، وليس فقط العربية أو الفلسطينية...واليوم تنفض الولايات المتحدة يدها من الأونروا، مطالبة بتفكيكها واستبدالها.
وأضاف أن الهدف مكشوف ويتجاوز مسألة المساهمة المالية إلى التشكيك في شرعية الأونروا ذاتها – وهي منشأة بقرار أممي- وضرب مصداقيتها، تمهيداً للتشكيك في قضية اللاجئين برمتها، وكأن من أخرجوا من ديارهم قبل سبعين عاماً كانوا أشباحاً، وكأن أبناءهم وأحفادهم فقدوا الحق في الوطن الذي طرد منه الآباء والأجداد.. لو أن الأمر بهذه البساطة، ولو أن التاريخ يُكتب بهذه الصورة المجحفة، فعلام كان الصراع من الأصل؟ أليست القضية الفلسطينية، في جوهرها وأساسها، قضية أرض اغتُصبت وشعب شُرد لاجئاً ونازحاً؟
كما أكد أن الموقف العربي واضح من قضية اللاجئين، وسقفه هو المبادرة العربية للسلام التي تبنتها القمة العربية في مارس 2002، "التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194" مع رفض كل أشكال التوطين... لم يرفض العرب أو الفلسطينيون التفاوض بل هم سعوا إليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، قائلا: ما نرفضه اليوم هو أن يُفرغ التفاوض من أي مضمون، وتُغلق قضاياه الرئيسية واحدة تلو الأخرى قبل أن يبدأ الحديث حولها.. فهذا ليس تفاوضاً بأي حال، وإنما فرض لإرادة طرف، وترسيخ لواقع الاحتلال.
وعن غلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن قال الأمين العام يخطئ من يعتقد أن هذا سيؤدي إلى تطويع الإرادة الفلسطينية ويخطئ من يظن الفلسطينيين يقفون وحدهم .. يُخطئ من لا يُدرك دلالة تسمية القمة العربية الأخيرة في الظهران بقمة القدس، وحقيقة الأمر أن من يريد عزل الفلسطينيين لا ينجح سوى في عزل نفسه .. ها هي الإرادة الدولية تجتمع في يونيو الماضي على استصدار قرار أممي ("بتأييد 120 دولة واعتراض ثمانية دول فقط)" يدعو لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني بعدما تعرض أبناؤه من المتظاهرين السلميين للقتل بدمٍ بارد على يد قوات الاحتلال.. وها هي إٍسرائيل تتراجع عن مسعاها في الترشح للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن بعد أن ووجهت بحقيقة الرفض الدولي لمسلكها وسياستها.
وحول قرار بأرجواي بنقل سفارتها من القدس إلى تل أبيب، قال أبو الغيط، ها هي دولة من أقصى الأرض تضع المبادئ قبل المصالح، والحق فوق القوة، في 5 سبتمبر الماضي قررت الحكومة الجديدة في باراجواي الرجوع عن قرار اتخذته الحكومة السابقة بنقل سفارتها إلى القدس، دعوني أحيي باسم هذا المجلس باراجواي ورئيسها الجديد "ماريو عبده" الذي بادر –بشجاعة واستقامة- إلى تصحيح الخطأ، وأعاد الأمور إلى نصابها.. وقد أرسلتُ له كتاباً بالأمس أشد فيه على يده، وأعبر له عن مشاعر العرفان والتقدير التي يحملها العرب جميعاً لهذا القرار النبيل.
وأشار إلى أن الفلسطينيين سيخوضون معركتهم كما عودونا، بصلابة وإقدام، وهم يحققون انتصارات حقيقية على ساحة الدبلوماسية والرأي العام العالمي، لا أحد في العالم يُقر بتفكيك منظمة ترعى نصف مليون طفل لاجئ في المدارس، وخمسة ملايين إنسان يحتاجون العمل والعلاج والغذاء ولا أحد يقبل المنطق الإسرائيلي العنصري الذي يربط حقوق المواطنة بالديانة اليهودية، فيسلب 1.8 مليون إنسان من فلسطيني الداخل حقهم في أن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة.. الضمير العالمي يأبى الإقرار بهذه المظالم، ونحن نراهن على أن يظل الاحتلال معزولاً ومكروهاً من الجميع.