26 - 04 - 2024

هوامش علي متن النداء

هوامش علي متن النداء

السطور التالية ليست دفاعاً عن شخصي، وإنما لمزيد من التوضيح، بعد أن تعمدت وسائل الإعلام تشويه كل شيئ، بل والتدني إلي الإغتيال المعنوي.

فأولاً النداء هو رأي فردي موجه إلي الشعب والسلطة السياسية في آن واحد، وهو عبارة عن مقدمة وديباجة، ثم 9 نقاط علي خريطة طريق، وخاتمة، ويجب أن تقرأ كلها كوحدة واحدة.

وهو محاولة لخلق معادلة للخروج من المأزق الحالي للحكم والشعب، من خلال وضع توازن بين عدة عناصر  أهمها : قياس الرضا العام ( أنصار الحكم يرون أن هناك تأييد مطلق بلا تحفظ ، والمعارضة تري أن هناك إنسحاب واضح لمدي الرضا العام عن الحكم، وقد اشتكي رئيس الدولة مثلاً  مؤخراً من الهاشتاج الذي حقق إنتشاراً واسعاً بعنوان : "ارحل يا سيسي")، وهناك توازن آخر ما بين الماضي والحاضر والمستقبل عبارة عن مزيج من أدوات سياسية وقانونية تتضمن مسائل مثل العدالة الإنتقالية والتعويضات، والعفو العام الممتد، وحصانة أعمال الحكم منذ ثورة 25 يناير ما لم تشكل في ذاتها جريمة موصوفة في القوانين السارية، والإفراج عن كل المحتجزين والمحبوسين في قضايا الرأي مع التوسع في مفهوم قضايا الرأي / وهناك توازن آخر هام ما بين مفهوم حكم الدستور وشرعية الحكم .

والهدف هو فك الإشتباك في المجتمع ليس فقط من المنظور الأمني وإنما أيضاً من المنظور السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، لأن هذا الأشتباك المتعدد الزوايا قد يدفع المجتمع في النهاية إلي إحتراب أهلي بما يتطلب ضرورة المسارعة بنزع فتيل الإنفجار .

أي أن النداء بإختصار يقترح إعادة المسائل إلي أصولها، فلا يمكن لأحد أن يجادل في أن الشعب هو مصدر السلطات، وإذا بدا أن هناك غموض أو التباس، فلابد أن يتم الرجوع لأصل السلطات كي يفصل في الخلاف قبل أن يستفحل .

 النداء كان يأمل أن يجد تجاوباً واسعاً، سواء من جانب السلطة أو من جانب الشعب، وأظن أنه يقدم لسلطة الحكم نافذة يطل منها علي حقيقة الموقف الشعبي، وباباً للخروج إذا ثبت أن الرضا الشعبي لم يعد متوافراً، وهو إجراء دستوري يتوسم أن تستقبله كل الأطراف ذات الصلة بفهم وتمعن.

إلا أن النداء وما ورد فيه ليس منقوشاً علي حجر أو هو وثيقة قدسية، فمن الممكن أن يؤخذ منها ويرد، ويحتمل إتاحته للنقاش العام من خلال مؤتمر أو مؤتمرات وندوات في كل وسائل الإعلام .. وذلك كله مرهون بإخلاص النية وإتضاح هذا الإخلاص في التعامل مع ما ورد من أفكار، وإلا فأن النداء يظل بكل ما ورد فيه صيحة مخلصة للخلاص، وإشارات إلي طريق في مفترق طرق.

وللأسف لم يتح لي أو لغيري فرصة مناقشة حرة لتلك الأفكار، وربما لا تكون المساحة المتاحة هنا أو الزمن المتاح يسمحان بالرد علي كل ما أثير مدحاً وذماً في هذا النداء ، ولكن قد أستطيع أن أؤكد علي عدة أمور، فلا أدعي إحتكار الحقيقة، ولكن ما توصلت إليه هو ثمرة جهد شهور متصلة حاولت فيها أن أوظف كل خبرتي عبر سنوات ناهزت علي الأربعين كضابط صاعقة وكدبلوماسي وسياسي وكاتب، مع قراءة متعمقة في الحالة المصرية بشكل مقارن مع حالة مجتمعات أخري مشابهة مرت بنفس الظروف في مختلف قارات العالم.

هذا النداء منزوع الأيديولوجية Idiology free ، أي أنه لا ينظر للوضع المأزوم الحالي من خلال عدسات أيديولوجية ملونة، وإنما من خلال عدسات شفافة تماماً تعكس الواقع كما هو .

ولقد توقعت أن تتناثر الإتهامات من أبواق إعلامية بعينها، فلن يخجل هؤلاء من استخدام تهمة الأخوان والإرهاب بإعتبارهما مترادفات لفظية تستخدم بشكل فوري مع أي صوت مختلف (ناهيك عن كونه معارض) .. ولقد تكرر ذلك معي عدة مرات معي ، ولكن من المدهش أنه في نفس الوقت كانت هناك إتهامات من البعض في خندق الأخوان أيضاً.. وفي الواقع أن من يقرأ مقالاتي ويستعرض لقاءاتي الإعلامية سوف يتبين له أنه لو شد خطاً علي استقامته منذ 25 يناير وحتي الآن لن يجد أي انحراف عن مجموعة من المبادئ التي أؤمن بها، وهي نفس المبادئ التي يسهل تتبعها في كتاباتي سواء السياسية أو الأدبية منذ ما يزيد علي أربعين عاماً .. 

لكل ما تقدم، فأنني لا أملك في هذه اللحظة سوي أن أستعيد اللحظات الخالدة من تلك الأيام في أكتوبر 1973، وأستلهم من صمود الشعب المصري وصبره ما يعينني علي التحمل، مع إيماني العميق بأنه لن يصح إلا الصحيح في النهاية.
 -------------
 
بقلم السفير / معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق 

______________
صورة من المقال المنشور في عدد المشهد الصادر غدا

 

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان