علي غير عرف المصريين سماه والده اسماً ثلاثياً,كأنه يتنبأ لابنه بموازاته بثلاثة علماء,وبحصوله علي ثلاث دكتوراهات من جامعة روما أحدها في الاجتماع التاريخي وثانيهما في فلسفة القانون والثالثة في العلوم النقابية. وهو المصري الوحيد الذي أمضي 10 سنوات في دير سان فرانشسكو بالفاتيكان يدرس العلوم من مراجعها الأصلية ويصلي صلاة المسلمين. وحصل علي دكتوراة القانون ودرجة"الاجريجاسيون"وقد حاولت فرنسا منحه جنسيتها واستبقاءه بها فرفض,فلما جاء العدوان الثلاثي علي مصر نشط ضد العدوان فحاولت فرنسا القبض عليه،مما اضطره للنوم تحت الكباري ومحطات المترو حتي أصيب بالتهاب رئوي وهو يدافع عن بلده باستماتة. وهو من عمالقة العرب ومصر الذين كتبوا بالإيطالية والإنجليزية والفرنسية واللاتينية فضلاً عن العربية,وهو أول من تحدث وكتب عن الأصول التاريخية لمفهوم الحوار بين العالم الكاثوليكي والإسلامي. وهو من أغزر علماء السياسة في العالم العربي انتاجا،فقد ألف 45 كتاباً وله 350 دراسة منشورة بأربع لغات فضلاً عن آلاف المقالات في الدوريات العلمية,وعمل مساعداً لمستشار الرئيس ناصر ومستشاراً سياسياً لصدام حسين,وكان كلاهما من أقوي الأنظمة العربية الحديثة. وأول من تنبأ بمخطط تقسيم الوطن العربي والذي بدأ بعد موته بعشرين عاماً,ورسم خرائط التقسيم وبعضها يتم الآن في سوريا واليمن وليبيا,وهو الذي تنبأ في الستينات بأن العرب سيستخدمون سلاح البترول ضد الغرب وقد حدث ذلك بعدها في السبعينات,وأول من تنبأ بالصراع الشيعي السني وأنه سيكون من أسباب تقسيم المنطقة العربية. وقد اختلف مع صدام حسين اختلافاً شديداً لحربه مع إيران وقضايا أخري,وما أدراك حينما يختلف المستشار مع الديكتاتور,فقد اضطره ذلك للهروب من العراق إلي الأردن ثم الهرب عبر الحدود الأردنية المصرية متخفياً في ملابس ممزقة. كان يرى أن الصراع العربي الاسرائيلي ليس صراع حدودي ولكنه صراع وجودي,وأن الأمن القومي الإسرائيلي لن يتحقق إلا بتمزيق العرب,وكان يضع ركائز الأمن القومي الإسرائيلي في ست نقاط شهرية:"الاعتماد علي الذات,الحرب المستمرة,الحرب الوقائية,توازن القوى,الممارسة المضبوطة للعنف,الاتجاه الاستراتيجي نحو المياه ولو بالحرب المسلحة",وكانت الصحف العبرية تعتبره عدواً لإسرائيل. وقد أنشأ الرجل في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مدرسة مختلفة ومناهضة لمدرسة د/بطرس غالي,وأسس بالكلية عدة مراكز بحثية هامة. وبعد عودته من العراق بعامين أتاه زائر غامض ليلاً لمدة ربع ساعة فقط انصرف بعدها تاركاً عالمنا يتلوى من المغص لربع ساعة ثم يفارق الحياة بعد أن كان في عنفوان صحته وقوته. أشارت أصابع الاتهام للموساد فترة ولكن د/مصطفي الفقي حسم الأمر بأن مخابرات صدام هي التي قتلته،وهكذا ذهب إلي ربه د/"حامد علي ربيع"عبد الجليل شقيق الصحفية"عواطف عبد الجليل"بعد أن ملأ الدنيا علماً وفضلاً وشهامة ورجولة،والآن يكاد يطمس علي آثاره العلمية عمداً مع سبق الإصرار واغتياله مرة أخرى معنوياً.
--------------
بقلم: د. ناجح إبراهيم