يعتقد كثيرون أننا كما دخلنا انتخابات الرئاسة خرجنا منها، فهي لم تضف جديدا ولم تحمل مفاجأة، بدأت وانتهت وكآن شيئا لم يحدث، فذات الأسئلة عن ماذا بعد قائمة، ونهاية النفق لم تظهر في الأفق المنظور، فنحن نواجه المجهول، لا نعرف ما يحدث اليوم ولا ما سيتم إقراره غدا.
فالناخبون لم يمنحوا الرئيس أصواتهم دعما لبرنامج بعينه، ولا تأييدا لوعود محددة تحمل خريطة طريق، ولم يصرحوا بآمالهم أو تخوفاتهم، والشعب لم يصيغ حالة تعبر عن ترتيب أولوياته ولا طاقته المتبقية على التحمل، لتبقى ترجمة الفوز بالأصوات في يد الرئيس وقرائته، يفسرها كما يريد، ويعبر عنها حسبما يعتقد.
وتبقى الأسئلة قبل الانتخابات كما بعدها، دون إجابة شافية، وتبقى التكهنات أو الأمنيات تلعب بالرؤوس، لا أحد يجزم بطبيعة القرارات ولا بالسياسات التي ستستمر، أو تلك التي سينالها تعديل، لا معلومات تقول إلى أين نحن ذاهبون، ولا الجديد الذي تحمله السنوات الأربع القادمة وهل ستبقى أربعة، أم سيطالها تغيير في مدة الولاية أو عدد فترات الرئاسة، او كليهما معا؟
فقط يأتي الحديث عن حراك سياسي منشود، ونشاط حزبي قادم، لعدم تكرار "أزمة" انتخابات 2018، كتطييب للخواطر؛ دون التطرق للأسباب الفعلية للأزمة ولا لطبيعتها؛ فالدولة تعتبر نفسها نجحت في تحقيق ما أرادت، سواء على مستوى المرشحين أو نسب المشاركة.
على خلفية هذا النجاح وبنفس وسائله وآلياته تتجه للخطوة التالية، وهي الانفتاح السياسي الذي حان وقته كرافعة للقرارات الاقتصادية ودفعا لعجلة الاستثمار، والمدقق يستطيع أن يرى ما ستكون عليه الساحة السياسية والفاعلين فيها وأين سيقفون، وطبيعية السياسيين ودور النخبة القديمة في اللعبة الجديدة، فقد أتت أشراط الإجابة في مشاهد ثلاثة.
أولها صورة الرئيس في مقر حملته الانتخابية أثناء إعلان النتيجة، فلقد بدا محاطا بأعضاء البرنامج الرئاسي وممثليه في مؤتمرات الشباب، وغابت كل الوجوه القديمة سواء ساسة أو مسئولين، ثم منصات الاحتفال التي تكفل بها وتصدرها نواب ورجال أعمال، كجزء من المشهد الثاني، الذي يكتمل بمقرات فخمة انتشرت في ربوع البلاد لـ"ائتلاف دعم مصر".
فالائتلاف يطرح نفسه كحزب حاكم، وليس تحالفا انتخابيا يحوز أكثرية مقاعد البرلمان الحالي، ويطمح لحصد الأغلبية فيما هو قادم، دون أن يرتبط ذلك بتأييد شعبي أو حضور جماهيري، فالفوز بالانتخابات أصبح رهين حسبة "التربيطات" وتوفر المال والعصبيات، لذا كان الأداء التشريعي لمعظم النواب بعيدا عن نبض الرأي العام، ولم يقترب من تطلعاته أو أماله، ولا يمثله في شيء، فالفارق بين الاثنين جاء واسعا.
رغم ذلك فإن الشواهد تدل أننا أمام أبطال المسرح القادم، هؤلاء هم الطبقة والنخبة السياسية الجديدة، نخبة لم يفرزها التفاعل الطبيعي، نخبة مصنعة سابقة التجهيز، تحمل جيناتها ارتباطا وثيقا بالسلطة التي صنعت على عينها، نخبة تم اختيارها بعيدا عن إرادة الشعب وهمومه، دون النظر إلى خطورة تكرار أخطاء أنظمة سابقة، صنعت نختبها فسقطوا سويا، لأنها كانت جزءا من الإفساد وعونا عليه، وليس طريقا للإصلاح.
ليأتي أخيرا مشهد المصوتين أمام اللجان، فمن ذهب أدلى بصوته وانصرف، وها هو ينتظر ما سيحدث، لا يملك الإجابة على تساؤل وماذا بعد؟، وبقاء السؤال بقدر صعوبته، فإن الأصعب هو دلالاته، فمعناه أن الصناديق لا تختار نهجا أو تخط طريقا، وان المواطن ليس له من الأمر شيئا، فكل قرارته المصيرية وطريقة حياته لا تزال ترسم بعيدا عنه، وأن الفاعل في ظل هذه المعادلة يبقى فاعلا واحدا، والمفعول به يظل منصوبا على حاله.