19 - 04 - 2024

لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟

صديقنا جورج أورويل، صاحب الـ "1984" فى مقالة له بعنوان "لماذا أكتب؟" حدد أربعة أسباب للكتابة، وهى (حب الذات, وإدراك الجمال فى العالم الخارجى, وحفظ الحقائق من أجل استخدام الأجيال القادمة, والرغبة فى دفع العالم باتجاه معين), وفى موضع آخر بمقاله قال أيضاً برغبته فى فضح كذبة معينة.

الأسباب التى تدعو كل شخص مهموم بالمجال العام للكتابة كثيرة, ومن المؤكد أن لكل منا هواجسه وأسبابه للإمساك بالقلم - أو بالأحرى الضغط على مفاتيح جهاز الكمبيوتر - وتدوين ما يراه صحيحاً من وجهة نظره, لكن ما دفعنى لعنونة مقالتى بنفس عنوان مقالة أورويل تقريباً، هى هذه اللحظة البائسة التى نعيشها جميعاً بالمنطقة العربية، حيث تبدو الكلمات فى لحظات كثيرة عديمة الجدوى والفائدة, وكأن ما نفعله نداء فى البيداء لا يجد من يسمعه, بل وأكثر من ذلك، فالحكومات العربية فى معظمها تنظر إلى "فعل" الكتابة على أنه خادش لحيائها، وهاتك لستر عوراتها الكثيرة، وسرعان ما تجد المبرر فى تجريم ذلك عبر يافطات عريضة، ولعل منها ما يُسمى بالاستقرار.

لكن ربما ما يدفعنى شخصياً للكتابة، معركة الوعى التى يخوضها كل غيور على مصلحة بلده, فبدون المعرفة والعلم لن تتقدم الدول العربية - فرادى أو جماعات- ولك صديقى القارئ أن تنظر من حولك إلى بعض الدول القريبة والتى اصطرعتها الحروب لترى أين أصبحت الآن، وكيف تسير بسرعة مخيفة للحاق بركب الدول الحديثة غير عابئة بالمبررات الفارغة, فى الوقت الذى تقبع المنطقة العربية بسجن يبدو سرمدياً من إسار لا فكاك منه, فالمنطقة أضحت ساحة حروب وصراعات وطاردة للسكان، ويبدو مسار العنف فيها دون نهاية, ومصير القوة الجبارة المتمثلة بالشباب باهتاً - إن لم يكن بائساً - فى ظل توقعات بانخراط البعض منهم فى جماعات متطرفة.

وحتى نكون فى منتصف الطريق بين هؤلاء "الزاعقين" والحالمين بوطن أفضل, فربما تدَّعى تلك المجموعة من أصحاب الحناجر المزعجة بأن حقوق الإنسان والديمقراطية ما هى إلا أدوات عالمية للسيطرة من قبل الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية - وهذا ربما ما تقوله بعض التقارير الموثوقة - لكن يا سيدى أين يُمكنك أن تُصنف دولنا من حيث حكم القانون؟ ثم هذا الذى تُسمونه استقراراً لم يجلب على المنطقة إلا المرض والجهل والتخلف والتفكك، وأصبحت الدول العربية الآن مثار سخرية وتندر- إن لم تكن مصدراً للرعب والفزع - ولعل جرس الإنذار المتمثل فى تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2016؛ والذى حمل عنوان "الشباب" ينبئك عن فداحة ما وصلنا إليه فآفة دولنا كانت على مدار العقود الماضية فى الحكم الفاسد والمُستبد.

مرة أخرى فـ"فعل" الكتابة للبعض - ومنهم صاحب هذا المقال- قد يعنى الحياة, فلئن تُمسك بمصباح المعرفة لتضىء للآخرين طريقهم لا يضاهيه فعل, ولعل رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قد وضع قاعدة ثابتة بأن الدال على الخير كفاعله.

----------

* صحفى بجريدة الأخبار المسائى

[email protected]






اعلان